منتدى صداقة سوفت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى صداقة سوفت

نورت منتديات صداقة سوفت ياآ ~ زائر ~ إن شاء الله تكون بألف خير وعاآفية ... نحن نناضل لبناء مجتمع تعمه معاني الصداقة والأخوة المعمقة بالحب والود
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

"ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا" ***
يُنصَبُ حول العرش يوم القيامة منابِر من نور عليها قوم لباسهم من نور ووجوههم نورليْسُوا بأنبياء ولا شهداء....يغبِطهم الانبياء والشهداء...هم المتحابون في الله على غير انساب بينهم ولا أموال يتعاطونها .



 

 اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زكرياء
مدير الموقع
مدير الموقع
زكرياء


البلد : غير معروف
الهواية : اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك Sports10
عدد المساهمات عدد المساهمات : 8685
الجنس : ذكر
نقاط : 174269
السمعة السمعة : 188

اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك Empty
مُساهمةموضوع: اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك   اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك Emptyالخميس يناير 24 2013, 22:09




اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك Salam11rp7re6
اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك 13-50c5d6032e90f
*تختلف الأمم فيما بينها بكثير من الصفات العامة والخصائص، ويختلف الأفراد في الأمة الواحدة فيما بينهم بصفاتهم وخصائصهم، وكذلك تختلف اللغات التي تنطق بها الأمم بعضها عن بعض بكثير من الصفات والخصائص، وتختلف المفردات في اللغة الواحدة وتتباين شكلاً ودلالة وقدرة على العمل، وسهولة على النطق، وأداء للمعنى، وبلوغاً إلى الأذهان.
ولقد سمعت وقرأت إشارات كثيرة إلى تلك الصلة الحميمة بين الإنسان ولسانه، والأمة ولغتها، مما قاله الفلاسفة والحكماء والأدباء والنقّاد.
فلقد قالوا: المرء بأصغريه قلبه ولسانه.
وقالوا: لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم تبق إلا صورة اللحم والدم
وقالوا: الأسلوب هو الرجل، وقالوا: مَن تعلّم لغة قومٍ أمِنَ مكرهم، وقالوا: تكلّم حتى أراك.
وقالوا: الأمم تتكلّم كما تفكّر، وتفكّر كما تتكلّم،
وقالوا: وفي الصمت ستر للعييّ وإنما صحيفة لبِّ المرء أن يتكلَّما
ورأيت أن أتتبَّع مرامي هذه الأقوال لأقف على مدى ما تعبّر عنه من الحقيقة، وما ننصف به من صدق. ورأيت أن ذلك لا يتحقق إلا بتطبيقها على اللغة التي أعرف صفاتها وخصائصها، والأمة التي عرفتها في تاريخها ومراحل عمرها، إنه البحث الذي أنظر فيه من خلال اللغة إلى فكرها الناطق بها، وإلى طبيعته وما يتصف به. وأنظر من خلال العربية إلى خصائص العرب أصحاب اللغة، لأرى بعد ذلك كله وجه العرب في مرآة لغتهم.
اللغة مرآة المتكلم، فرداً أو جماعة:
نستطيع عن طريق اللغة أن نسبر أغوار النفس الإنسانية، ونتعرّف على أفكار المتكلم ونزعاته وميوله ومسارب تفكيره، ومنهجه ووضوحه، ومدى التزامه المنطق في تداعي أفكاره وتسلسل إيرادها، وطريقة عرضها.
إننا نعرف الخصائص الشخصية، وما يتصف به الإنسان من وضوح وصفاء، وسطحية أو عمق، وصدق وصراحة، أو مكر ودهاء، نستطيع أن نحكم على ميله إلى التعبير المباشر الصريح، أو ميله إلى الاكتفاء بالإشارة والتلميح دون المجاهرة والتصريح.
إننا من لغته وأسلوبه نستطيع أن نطلق عدداً من الأحكام على عدد كبير من صفاته النفسية والفكرية والشخصية، وأن نعرف مدى لطفه ودماثته ومجاملته، أو مداهنته، أو صلابته وجفائه.
إن اللغة تعبير عن الفكر، ووعاء له، وقطعة منه، تلتحم به حتى تشارك فيه وتصبح جزءاً منه لا يكاد ينفصل عنه، فالإنسان إنما يفكّر باللغة، ويعطي ألفاظها مواضعها في كلامه وعلى لسانه على وفق تسلسل أفكاره، حتى يكون ترتيب الكلمات في الجملة على وفق ترتيب الأفكار في الذهن، وبذلك تكون اللغة هي فكره الناطق، ويكون فكره هو اللغة النفسية الصامتة.
ولعل أبلغ ما يدلّ على هذه الصلة القويّة بين عقل المرء ولسانه، ما عبّرت عنه اللغة العربية حين جعلت الدلالة على عملِ كلٍّ منهما وعلى وظيفته في قالب لغوي واحد، في كلمة واحدة عبّرت بها عن كلٍّ منهما فقالت: هو (المنطق)!.
أليس المنطق هو العلم الذي نعبّر به عن عمل العقل في صيانة الفكر من الخطأ؟ وهو الذي نعبّر به عن الكلام وعن اللغة حين جعلناه مصدراً ميمياً بمعنى النُّطق؟ وبهذا المعنى استعمل في كتاب الله الكريم على لسان سيدنا سليمان الذي قال: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ» [النمل : 16]
إنّ لغة العربيّ مرآة لفكره وقلبه، فإذا كان صادقاً في عروبته انتساباً وولاءً، سليماً في فطرته خُلُقاً ولساناً، كان لسانه صورة عمّا في نفسه، حتى قال قائلهم: إذا تكلّم العربي قرأت في كلامه ما كتب في صحيفة قلبه: وفي الصمت ستر للعييّ، وإنما صحيفة لبِّ المرء أن يتكلّما
وفي هذا المعنى قيل: تكلّم حتى أراك!
ولا شك أن الذي عاش منّا في الغرب، وتعلّم اللغة الأجنبية وأتقنها، وأصبح ذا ثقافة أجنبية غربية، يعرف من أساليب الغربيين في التعبير وفي التفكير ما لا يعرفه البعيد عن تلك الثقافة.
أذكر أن إحدى الجامعات العربية التي كنت أدرّس فيها عزمت على إصدار بيان في مناسبة قومية تبيّن فيه رأي المثقفين العرب في تلك المناسبة، فشكَّل رئيس الجامعة لجنة من رئيس قسم اللغة الفرنسية ورئيس قسم اللغة الانكليزية وجعلني معهماً ممثلاً لقسم اللغة العربية، واتفقنا آنذاك على أن أضع مسوّدة البيان وأعرضه على اللجنة، ولمّا قرأته عليهما بعد يومين، نظر أحدهما إلى الآخر ثم توجَّها إليّ معاً قائلين: يا أخي، إننا فهمنا من رئيس الجامعة أنه يريد توجيه البيان إلى الغرب إلى أوروبا، وأنه سيُلقى ويُذاع في مؤتمر يُعقد هناك، فقلت: حسناً، أنتم تترجمونه، فقالا: إن ما كتبته يصلح أن يوجّه إلى العرب، وأن يُخاطب به الشعب العربي، وأما الغربيون فلهم أسلوبهم، ولهم طريقة تفكيرهم، وهم لا يفكّرون كما يفكر العرب، ولا بدّ أن نخاطبهم بلغتهم لا بلغة عربية الأسلوب مترجمة إلى لغتهم، إننا يجب أن نُنشئ البيان إنشاءً بلغتهم وبأسلوب خطابهم، وهكذا كان.
ولقد عرف ذلك من القديم وأصاب الحقيقة الخليفة الذكي الذوّاقة عمر بن الخطاب فقال: «من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم» إنه لا يعني أنك إذا سمعت الأجنبي عرفت مقصده، أو عرفت ما يتحدث الأجانب عنك، ولكنه يعني أن معرفتك لغتهم تؤدي بك إلى معرفة طريقة تفكيرهم. وصحيح أنك إذا عرفت طريقة تفكير خصمك، عرفت وتوقّعت رِدّة فعله وما سيتخذه من مواقف.
ولنعد إلى لغة العرب نستنطقها عن أحوال أهلها الناطقين بها، أو عن أحوالها المحاكية لأحوال أهلها لتحكي لنا كيف كانت مرآة للأمة في حياتها العقلية والاجتماعية والأخلاقية، كما كانت مرآة للإنسان العربي الفرد في تفكيره وسلوكه وشخصيته.
في العربية أصول ثلاثية نسميها الجذور، وهي حروف تتكون أو تتشكل منها مجموعة كلمات، نسمّي تلك الحروف بالجذور أو الأصول، ويسمّيها ابن فارس بالمقاييس، ونسمّي المفردات التي تتشكل منها بأبنية أو صيغ مختلفة بالمشتقّات.
ونجد تلك الأحرف الثلاثة تدور مع الكلمات كيفما دارت، ومهما تختلف أبنيتها أو تتصرّف ما بين أفعال وأسماء، فالعين واللام والميم مثلاً ثابتة في كل من عَلم، يعلم، عالِم، عالَم، معلوم، علامة، علاّمة، إعلام، استعلامات، معلومات، ولكل من هذه الكلمات معناها الخاص بها، ولها كلها – كما لكل مجموعة من الكلمات تشترك بالأصول الثلاثة – معنى عام يجمعها.
وهي في اللغة صورة لما في الحياة العربية من اختلاف الأفراد في الأسرة الواحدة بصفات فردية يتمايزون بها، وفي اجتماعهم جميعاً بعد ذلك باسم واحد هو اسم الأسرة واللقب الذي يجمعهم كما يجمع الأصل الثلاثي مشتقّاته.
وكما يختلف الأخ عن أخيه في الأسرة الواحدة شكلاً، يختلف المشتق عن أخيه في الصيغة أو البنية أو الشكل.
ونتابع الأفراد وأسرهم في حياتهم الاجتماعية فنزاهم كمفردات لغتهم تفرقاً واجتماعاً، يجتمع الإخوة والأخوات في الأسرة العربية في خباء أو في بيت واحد كما تجتمع المشتقات تحت عنوان أسرتها الذي هو الجذر اللغوي في الباب الواحد في المعجم. ولعلّ هذا يظهر حين نوازن بين العربية وغيرها أو حين نقرنها بغيرها من اللغات الأجنبية!
نجد: الأخ والأخت والإخوة والإخوان والأخوّة كلها في المعجم في بيت (أخو). ونجد: الابن والابنة والبنت والأبناء والبنوّة كلها في بيت (بنو). وهكذا يجتمع أفراد الأسرة العربية في المجتمع كما في اللغة في بيت واحد يضم الجميع، وأين هذا من صورة المجتمع الغربي الذي تحكي لغته بتفرّق جذورها في معجمها تفرّق أبنائه في مساكنهم وتباعدهم في حياتهم! فأين مكان Frère من مكان soeur؟ في الفرنسية، وأين مكان Brother من Sister في الانكليزية؟
وأنظر إلى كلمتي (أب) و(ابن) في العربية فألمح في (الابن) زيادة حرف على كلمة (الأب)، وكأنها زيادة في البنية اللغوية للابن تحكي زيادة أو امتداداً في اللفظ يحكي امتداداً لحياة الأب في حياة الابن.
لقد عُرف عن العرب عنايتهم بأنسابهم، وعُرف عنهم تمييزهم بين العربيّ القح أو المحض وبين المُقرِف والهجين والدَّعيّ..
وعرفت عنهم حياة اجتماعية راقية في إنسانيّتها، لا يتفرّق فيها أبناء الأسرة الواحدة، ولا تتباعد مساكنهم، فإن تباعدت جمعتهم أنسابهم وظلت الأبّوة والبنوّة والبطن والعشيرة والقبيلة جامعة لهم، وكذلك تجتمع لغتهم في أسر لغوية تجمع بينها أنساب الجذور والأصول اللغوية التي عبّر عنها ابن فارس في معجم المقاييس.
لقد كانت الأرومة أو الجذر أو الأصل جامعاً للعرب نسباً وانتماءً قوياً، كما كانت الجذور في لغتهم جامعاً للمفردات والألفاظ نسباً لغويّاً.
لقد عاشت الألفاظ العربية في مجموعات وأسر ولّدها الاشتقاق من جذر واحد، كما عاشت الأمة العربية في بطون وقبائل يجمعها النسب إلى جَدّ واحد.
وتباينت الكلمات بالصيغ والأشكال، وحملت كل منها أحرفاً هي هويّة انتسابها إلى الجذر، كما تباين الأفراد بأسمائهم وأشكالهم، وبقي النسب دليلاً على وحدة الأصل.
وكما لم يمنع النسب أصحابه من السياحة والانتشار في الأرض، والانفتاح على العالم وعلى ثقافاته، كذلك لم يحل الانتساب إلى الجذر اللغوي دون النماء والاشتقاق والتوليد، ولم يبق محصوراً في بيئته العربية بل امتزج بالثقافات، واحتكّ باللغات، فأخذ وأعطى، وولّد وعرّب، فكان النماء مع المحافظة على الأصل، وكان الاختلاط مع الاحتفاظ بالنسب، وكان الاتّساع والازدهار مع الارتباط بالأصول والجذور.. وتلك هي الصفات التي تكفّلت للعرب ولغتهم بالخلود.
وكذلك كانت العربية مرآة عكست صورة الأمة في أساليب تفكيرها، وفي بيان مواقفها من العقائد والمذاهب، والعواطف والمواجد.
وكانت اللغة الحبل أو الرباط الفكري المتَّصل بين ماضي الأمة وحاضرها، فحملت إلينا أخبار الرجال حتى كدنا نراهم فيها، ونسمع أصواتهم في ألفاظها، وحملت إلينا أحداث التاريخ حتى عشنا معهم فيه وكأننا عاصرناه.. وكان كل مقطع من مقاطعها، كل نصّ من نصوصها، وكل بيت من شعرها، مخزناً أو مَعيناً لا ينضب من المعاني والدلالات ومن الرموز والإيحاءات!
وإذا وقفت مع ألفاظها ومفرداتها حدّثتك بأسرار القُرب فيما بنيها، فالجَوْر مثلاً هو الظلم، وجار عليه: ظلمه. وأما جارُه فهو مَن كان مجاوراً له أو مقيماً في جواره، وعليه فإن معنى أجاره دفع عنه الظلم وكان مجيراً له. وهكذا كان ما بين جار وأجار بُعدُ ما بين جائر ومُجير!
وإذا وازنت بين الجهاد والصراع والكفاح والنضال رجحت الجهاد لأنه من الجَهد والجُهد، وهو بمعنى الطاقة أي أقصى ما في الوسع، لذلك قيل لبلوغ أقصى الغاية في الدرس أو العمل: الاجتهادُ، وللغاية في كبح جماح الناس، أو مقاتلة العدو: المجاهدة.
ونقول للرجل: امرؤ، وللأنثى امرأة، وذلك لما يتّصف به كل منهما من المروءة والإنسانية.
ونقول لكل ما هو إلى اليُسر والسهولة: سهل، فالأمر سهل أي يسير، وللأرض سهل إذا خلت من الوعورة وسهلُ السير فيها.
ونقول لكل ما يسترك أو يخبِّئك: خباء، وهو من صوف أو وَبَر، فإذا كان مبنيّاً ثابتاً فبناء، ولما كان للمبيت ليلاً أو للسَّكن فهو بيت ومسكن.
وكذلك مئات الكلمات التي تلقي جذورها الظلالَ على معاني مفرداتها، وتكاد ألفاظها تشفّ عن دلالاتها. وقد توهم بعض الألفاظ بالتباعد بعضها عن بعض كالأشجار الوارفة الظلال، والمشاجرات الناشبة بين المقاتلين، على حين أنها واحدة تعود جميعها إلى الأشجار أي الاشتباك، فكما تتداخل أغصان الأشجار وتشتبك، كذلك تتداخل أيدي المقاتلين وتشتجر سيوفهم، فإذن الصورة واحدة في الأمرين، وهو ما استثمره البحتريّ حين قال:
شواجرُ أرماحٍ تُقطّع بينهم
سواجرَ أرحامٍ مَلومٍ قَطوعها

وانظر إلى لغة العرب بعد ذلك وهي تمثّل وضوح الفكر حين تعطي للشيء الواحد عشرات الأسماء، لأنه يتّصف بعشرات الصفات، فيكون له في حالة اتّصافه بصفة اسم لا يكون له حين يتّصف بغيرها: كالسيف الذي هو الحسام حين يحسم، والبتّار حين يبتِرُ، والفيصل حين يفصل، والعضب حين يقطع... وهكذا.
وانظر إلى الإنسان الذي له في كل مرحلة من مراحل عمره اسم من كونه جنيناً إلى وليد فطفل فغلام فيافع فشاب.. إلى شيخوخة وكهولة وهرم..
وانظر إلى أفعاله لها في كل سنّ من عمره فعل يُعبِّر عنه، فهو يحبو ويدرج ويخطر ويدلف ويهدج ويرسف ويختال ويهرول.. إلى أنواع كثيرة تصوّر أنواع السير والسرعة فيه.. وكذلك قل في كل حالة من حالاته كما في تصوير خلوّ البطن من الجوع والسَّغب والطوى والمخمصة..
وفي فقه اللغة للثعالبي ومخصَّص ابن سيدة وكفاية المتحفظ لابن الأجدابي ما يملأ النفس دهشة وإعجاباً بكثرة ذلك في اللغة.
ولعل من الجدير بالإشارة إلى أن في مفردات العربية جانباً آخر تعبّر فيه تلك المفردات بجذورها وأصولها عن الجانب الاجتماعي والقيم الأخلاقية التي يعيش العرب في ظلالها، ويُحيُونها في حياتهم، بل يَحيَون بها في علاقاتهم ومجتمعاتهم. فكما رأينا العدوان من العَدو والتجاوزِ للحدود، ورأينا الجوار في دفع الظلم ورفع الجَور، كذلك نرى الصداقة في الصِّدق، ونرى الصديق عند العرب هو من صدَقك لا مَن صدّقك، إنه صديق لك مادام صادقاً، وإن الصلة به قائمة على قيمة أخلاقية على حين أنها عند الفرنسيين مثلاً قائمة على علاقة عاطفية هي الحبّ، إن كلمة (ami) في الفرنسية و(amaur) من مادة واحدة، والصديق عندهم من تحبّه دون النظر إلى صفته! إن الصدق في العربية ضدّ الكذب، وإن الصَّدْق هو الصُّلب المستقيم من الرماح والرجال، وهو الكامل الجامع للأوصاف المحمودة، ولذلك لا يوصف عندهم بالصديق إلا صاحب الخُلُقِ المؤتَمن، وهم يَعجبون إذا ظهر على غير ما يقتضي الصدق والصداقة، قال شاعرهم (قعنب بن أم صاحب):
ما بال قومٍ صديقٍ ثم ليس لهم
دين، وليس لهم عقل إذا ائتمنوا

وإذا كانت في الصداقة محبة وصدق مودّة، فالصديق محبوب لصدقه واستقامته وكمال أخلاقه، والعدوّ مكروه لأنه عدا حقّه وتجاوزه، والذين يتجاوزون حقوقهم أولئك هم العادون والمعتدون!
وإذا تركنا المفردات وأحوالها وانتقلنا إلى اللغة في نظمها وأساليبها رأينا في صفحتها صورة صادقة لحياة العرب في عصورهم المختلفة ما بين جاهلية كانت حياتهم فيها بسيطة واضحة، وبين عصور حضارة عرفوا فيها الحياة الراقية في السياسة والعلوم والثقافة..
لقد حكت لغتهم في الجاهلية قصة حياتهم بعيداً عن التكلّف والتعقيد، فكانت جملاً موجزة بسيطة خالية من الإطالة ومن أدوات العطف والوصل والربط، يوردون اللفظ على قدِّ المعنى، في كثير من اتّزان الجمل، واتّساق الألفاظ، وتتابع الأسجاع، ولعل خطبة قسّ بن ساعدة خير مثال على لغة العرب في جاهليتهم، قال: «أيها الناس، اسمعوا وعُوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، مطر ونبات، وأرزاق وأقوات، ليل داج، وسماء ذات أبراج، بحار تزخَر، ونجوم تزهَر، وضوء وظلام، وبرّ وآثام، ومطعم ومشرب، وملبس ومركب، مالي أرى الناس يذهبون ثم لا يرجعون؟ أرضُوا بالمُقام فأقاموا، أم تُركوا هناك فناموا؟...» أليست في هذه الجمل الموجزة صورة الأعرابي الذي نظرت عينه إلى ما حوله من آيات الكون بسمائه وأرضه، وليله ونهاره، ونظر بفكره إلى قوافل الموتى فرسم بألفاظه الصور التي رأى، ولم تكن اللغة لتتجاوز في التعبير اللمحة في النظر والخاطرة في الفكر.
وخطب الحجّاج (ت 95 هـ) مهدّداً أهل البصرة فقال:
«أيها الناس: مَن أعياه داؤه، فعندي دواؤه، ومن استطال أجلَه، فعليَّ أن أعجِّله، ومن ثقل عليه رأسه، وضعتُ عنه ثِقلَه. ومن استطال ماضيَ عمره، قصَّرتُ عليه باقيَه. إنّ للشيطان طيفاً، وللسلطان سيفاً، فمن سقُمت سريرتُه، صحَّتْ عقوبتُه. ومن وضَعه ذنْبُه، رفعه صَلْبُه. ومن لم تسعْه العافية، لم تضِق عنه الهَلَكة. ومن سبقته بادرةُ فمِه، سبق بدنَه بسفك دمه...»
أليست هذه الخطبة لوحة لغوية أخرى؟ أليست صورة لقائد عسكري يهدّد ويتوعَّد، بل يصدر أوامر عسكرية مقتضَبة موجزة، بلا مقدّمات ولا تعليلات، إنها أوامر وبلاغات لا تكاد تصدر حتى يتسابق السامعون إلى التنفيذ، إنها اللغة التي لا تترك للسامع فرصة للتفكير، وكل من فكّر بعدها بفتح فمه، فقد استعجل بسفك دمه!
ثم تنتقل الأمة بعد مئة سنة أخرى إلى عصر الدولة المستقرّة المنفتحة على العلوم وعلى الترجمة، فإذا اللغة داخلة مع أصحابها ميادين العلوم، معبّرة عن الفكر في نضجه وعمقه وتنوّعه، وعن النفس الإنسانية، وعن الروح في الفلسفة والتصوّف والمواجد والأحاسيس، وإذا هي لغة الأدب عقلاً وقلباً وشعوراً، ولغة الفكر والعلم ترجمة وإبداعاً.
لقد بقيت اللغة العربية في عصورها المختلفة صورة للأمة العربية، وكانت مصداقاً لقول «هردر» الأمة تتكلم كما تفكّر، وتفكّر كما تتكلم.
وبقيت اللغة العربية الفصيحة وحدها المرآة الواضحة للأمة العربية كلّ الوضوح، فكانت لغة ذات روعة وعزّة، وسيادة ورفعة، حين كانت الأمة نفسها منيعة عزيزة سيّدة في ديارها. ثم آلت العربية إلى ما آل إليه أمر الأمة الناطقة بها من استخذاء وشعور بالضعف والمهانة والصغار أمام كل دخيل.
لقد هيمن الدخلاء من المستعمرين على بلاد العرب عصوراً طويلة، ففرّقوا دولتهم دولاً، وجعلوهم شعوباً ممزّقة في دويلات وأقطار، فانحسر ظل حضارتهم، وخبت شمسهم، وضعفوا فضعفت لغتهم، ولانت عصبيَّتهم، وهانوا على أنفسهم فهانوا على أعدائهم، وهانت عليهم لغتهم، وفقدت سيادتها في كثير من ديارهم وأقطارهم، ولا سيادة لأمة لا سيادة للغتها في وطنها.
وبعد، فليقل المتحدّثون عن العربية ما يشاؤون، إنّهم يتحدثون عمّا وراء لغتهم من صور نفوسهم وعقولهم، ويتحدثون عمّا وراء العربية من صورة أمتهم، فلسانك مرآتك، والعربية مرآة العرب.
وأما الذين يرون اللغة – كما أراها – صورة الأمة الناطقة بها، وصوتها المعبّر عن فكرها وثقافتها وهويتها، فإنهم يرون فيها المنظومة الممثلة للعقل الجماعي الذي هو عقل الأمة، كما يرون فيها معياراً يقيسون بها مدى الوعي العام للأمة، سواء أكان وعياً اجتماعياً أم قوميّاً. ويرون ربطها بخطط التنمية واجباً وطنياً وقومياً، لأنه لا تقدّم ولا إبداع لأمة إلا بلغتها.
إن علينا أن نجعل الأجيال العربية تتقن لغتها الأم، وأن نمكّنها من السير بها في طريق العلم، وطريق التقدّم العلمي. إنّنا كلما سهّلنا الطريق إلى اللغة، ويسّرنا الوصول إلى العلم في التعليم العالي عن طريقها، هيّأنا للأجيال العربية جوّ التقدّم والإبداع في ميادين العلم، ووضعناهم في طريق المعرفة والثقافة، وهي الطريق المؤدية اليوم إلى كنوز هي أغنى ثروات الأمم، إنها الطريق التي نواكب بها الأمم التي تعدّ اقتصاد المعرفة وكنوزها أجدى من اقتصاد الدولار، وتعدّ ثمرات العلم أغلى ما تنتجه الحضارة المعاصرة. إنّ قوة الأمم اليوم تُقاس بما في مراكز بحوثها من علم، لا بما في مصارفها من مال! وذلك هو ما تمتلئ به خزائن الأمم المتقدّمة المهيمنة، وذلك هو الذي ما زالت خزائن العرب تفتقر إليه!!.
إن على من يريد أن تكون صورة العرب في العالم صورة كريمة محترمة أن ينضمّ إلى دعاة الوعي اللغوي، لنملأ القلوب بحبّ العربية، ولنفتح العقول على معرفتها، ولنفتح الطريق لها وبها إلى العلم، فإذا تمّ الصُّلح في التعليم العالي، وفي البحث العلمي، بين العربيّة والعلوم، تهيّأت للنابغين من أبناء العرب سبل الإبداع العلمي، وبذلك تدخل الأمة العربية من جديد ميدان المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية، وهو ما يُعيد الأمة في نظر العالم كلّه إلى ما كانت عليه من كرامة واحترام، يوم كانت تُبدع في العلم، وتُشارك في صنع الحضارة.
وما أشدّ حاجة العالم اليوم إلى حضارة كحضارة أمتنا، لا يكون التقدّم في ظلها لعلوم تجعل الإنسان سيّداً قوياً مهيمناً، تُنسيه سيادته بشريّته، وتُنسيه قوّته إنسانيّته، وتُنسيه هيمنته الأخلاق، وتملأ قلبه كرهاً للآخر وحقداً عليه! ولكنها الحضارة التي يعمّ خيرها على الإنسانية كلها، والتي تنظر إلى عباد الله على أنهم سواسية، لا يفرّق بينهم لون ولا جنس ولا دين.
... إنها الحضارة العربية الإسلامية التي شاركت في صفتها شعوب مختلفة، وعبّرت عنها اللغة العربية التي قال عنها عمر بن الخطاب: «تعلّموا العربيّة فإنها تثبّت العقل، وتزيد في المروءة»، وكانت حضارة ظهرت آثارها في العقول التي أنتجتها وصنعتها، وفي المروءة التي جعلتها تعمّ بآثارها العالم كلّه، ولا ينعم بآثارها شعب دون شعب. إنها الحضارة التي كانت عالميّة في رسالتها، إنسانية في نزعتها، عربيّة في خطابها.


المصدر : الباحثون العدد 66 كانون الأول 2012

اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك 512
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sadakasoft.yoo7.com
 
اللغة مرآة الأمة «خصائص العربية تحكي خصائص العرب»أ. د. محمد مازن المبارك
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من خصائص الأمة المحمدية
» الوسطية من أبرز خصائص هذه الأمة
» ملف شامل عن خصائص الطفولة
» العوامل التي ساعدت على انتشار اللغة العربية ودراستها ! - ظهور اللغة العربية
» تعريف القانون و خصائص القاعدة القانونية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى صداقة سوفت :: ¯°·.¸¸.·°¯°·.¸¸.·°¯ الثقافة والإعلام و التاريخ ¯°·.¸¸.·°¯°·.¸¸.·°¯ :: ۩ منتدى الثقافة العامة و جديد العلوم ۩-
انتقل الى: