أما بعد: البركة أيها الأحبة يمنحها ويسلبها المولى جل تعالى، إن العبرة ليست بما تملك من مقومات المادة ،وليست العبرة بما تملك من طاقات وقُدرات ،إذا سلبت البركة من كل ذلك ،بل إن القليل من المادة ،والقليل من الطاقات مع بركة الله ،تفعل الأعاجيب. فأنت قد تُعطى الملايين ،لكن تنزع منها البركة ،تجد شقاءها في الدنيا قبل الآخرة ،تملك الملايين ،لكن لا تتمتع بها لأن البركة منزوعة ،وقد لا يكون معك إلا راتبك الذي لا يوصلك لآخر الشهر ،لكن يبارك الله في هذا القليل فتعيش حياة الملوك أنت وأولادك. رجلان ،الأول له عشرة من الولد ،والثاني ليس له إلا بنت واحدة. تُنزع البركة من الأول ،فهؤلاء العشرة لا ينفعونه بشيء ،بل ربما عانوا هم سبب المتاعب التي يعيشها ،والنكد الذي يعيشه ،ربما مَرِضْ ولا أحد من العشرة يُحس به ،أو يلتفت إليه يمر اليومان والثلاثة والأسبوع ،ولا أحد يسلم عليه.إنهم عشرة ،لكن بدون بركة. والثاني يطرح الله البركة في هذه البنت ،فتكون قرة عينيَ والديها في الدنيا ،تقوم بحقهما ،وترعى شؤونهما مع أنها متزوجة ولها بيتها ومسئولياتها ،ومع ذلك هي على صلة مستمرة بهما يومياً ،على الأقل ترفع سماعة الهاتف كل ليلة قبل أن تنام لكي تطمئن عليهما ،إنها المنحة الإلهية التي لا تُشترى بالمال ،ولا يجلبها الملك والسلطان وإنما هي بيد من بيده ملكوت كل شيء. ثم هناك رجلان آخران: الأول: محسوب على كبار العلماء. والثاني: طالب علم في أول الطريق. تجد أن الأول مع ما أوتي من مكانة علمية واجتماعية ،وربما عمّر خمسين أو ستين بل ربما سبعين سنة ،لكن لم يستفد منه أحد لا أثر له ،لا وجود له في الوسط الذي يعيش فيه حتى الحارة التي هو يسكنها لم يستفيدوا من علمه ،نعم إنه مكانه ،ومنصب لكن بدون بركة. والثاني: طالب العلم هذا لم يعرفه الناس إلا من سبع أو ثمان سنوات، لو ألقى درساً بسيطاً هنا ،لوزعت أشرطته بعد ثلاثة أيام في الصين وكندا ودول أوربا وانتفع الناس بها شرقاً وغرباً. إنها البركة الإلهية التي لا تشترى بالمال ،ولا تكسبها القبيلة ولا العشيرة ولا تجلبها المناصب والهيئات. اعلم يا عبد الله أن هذا الباب لو أغلقه الله عليك ثم فتح لك كل أبواب الدنيا ،من مال وولد وجاه وسلطان وصحة.فوالله ما هو بنافعك بشيء إنما يكون معها الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء. واعلم يا عبد الله ،بأن الله لو فتح لك باب البركة فابشر بكل خير ،مع قلة الراتب ،وضيق المسكن ،وانعدام الولد ،وضعف الجاه. أيها المسلمون: وبعد كل هذا كيف نحصل على البركة؟ إن طريقها واحد لا يتعدد ،والحصول عليه لا يتغير قال الله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. من أراد البركة فعليه بالإيمان ،الإيمان الحقيقي لا الإيمان الصوري. من أراد البركة في رزقه وماله وولده وعلمه فعليه بتقوى الله عز وجل في كل شيء. ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم. ولو أراد أهل قرية أن يُعطوا من بركات الأرض وبركات السماء فعليهم بالإيمان والتقوى. أما أن يستمر أهل القرية على المعاصي ،ويستمر أهل القرية على الغناء واللهو واللعب فمن أين يأتي البركة؟ كيف يريد أهل القرية البركة في حياتهم ومعاشهم، وما يزال الربا قائماً بين أظهرهم. كيف يريد أهل القرية بركات من السماء والأرض وما يزال هناك مظلومون ،وما يزال الغش وما يزال البدع قائماً. كيف يحصل البركة لأهل هذه القرية، وفساقها أكثر من صالحيها. ومنكرها أكثر من معروفها. من أين يأت البركة لأهل هذه القرية. وما يزال هناك نقص كبير في عدد المصلين وعدد المزكين ،وعدد التائبين. فإن لم يتغمد الله هذه القرية برحمته ،فإنها مُقدمة والعياذ بالله على دمار وهلاك. ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون. |