أخذ رشفة من كوب الشاي الساخن و هو يتابع الفيلم العربي بغرفة المعيشة بينما كان يلعب بهاتفه النقال في يده الأخرى و لم يخرجه من تركيزه سوى رنات الهاتف، و يرد العجوز على المتحدث الذي لم يكن سوى ابنه العاق " طارق " البالغ من العمر ثلاثين عاماً و المطرود منذ عام لإدمانه المخدرات و مصاحبته لرفقاء السوء، و لم تستمر المحادثة سوى دقيقة لم ينطق فيها العجوز سوى بكلمة " في داهية " ثم أغلق الخط .
في نفس اللحظة دخل خادمه " شوقي " ليخبره بأن جاره " مراد " يريد أن يقابله، فأشار له بالموافقة و على الفور توجه الخادم لدعوة الجار للدخول و انصرف ، و بعد دقائق كان العجوز يغلق التلفاز و يظهر الضيق على وجهه و هو يخاطب " مراد " و خصوصاً عندما أخبره الجار أنه لن يستطيع سداد الديون المستحقة عليه في موعدها و هو بعد غد.
قاطع حديثهما دخول الخادم للمرة الثانية ليقدم مشروب للضيف و يطلب الأذن بالمغادرة و خصوصاً أن الساعة أصبحت الحادية عشرة مساءً و بالفعل وافق العجوز على رحيل خادمه مشدداً على ضرورة أن يحضر غداً في تمام الثامنة صباحاً و ألا يتأخر مثل اليوم، و خرج الخادم من غرفة المعيشة لكي يعود إلى بيته.
عاد العجوز في حديثه إلى " مراد " الذي كان قد شرد لعدة لحظات قبل أن يفيق من شروده و يطلب من العجوز مهلة أخرى و لكن كل المحاولات باءت بالفشل و تظاهر العجوز باللعب في هاتفه النقال و سلسلة مفاتيحه حتى يبدي ضيقه من وجود " مراد " ، بل و ظل يتحرك في غرفة المعيشة و هو يتظاهر بالبحث عن أشياء، لأنه لم يكن يطيق هذه الجلسة نظراً لأن " مراد " شخص مستهتر معروف بشربه للخمر و إنفاقه الأموال على نساء الليل ، و في النهاية طلب العجوز من جاره الانصراف لأن موعد نومه قد حل على حد قوله، و عندها فهم " مراد " أنه لا جدوى من المحاولة فخرج و تهديد العجوز له بتقديم الإيصالات للنيابة بعد غدٍ يدق عقله بقوة.
أغلق العجوز الباب بعد أن أوصل " مراد " إلى خارج الشقة، و عاد ليفتح التلفاز و لكنه لم يتابع شيئاً به بل كان يفكر في حياته و في زوجته التي توفيت قبل عشر سنوات و في ابنه الوحيد الذي أدمن المخدرات و أصبح ضائعاً و ظل يفكر في هذه الأمور، حتى دقت الساعة تعلن عن الحادية عشرة و النصف تماماً و هنا قام العجوز و خرج من الغرفة و وقف وسط الردهة ينظر إلى صورة ابنه و سالت دمعة و هو يتذكر كيف كان و على أي حال انتهى، و فجأة ..!! دق جرس الباب فقام بمناداة خادمه و لكنه تذكر أن الخادم قد غادر، فتوجه إلى الباب و نظر من العين السحرية ليجد بواب العمارة ففتح له و هنا أخبره البواب أن ابنه " طارق " حاول الصعود إلى الشقة و لكنه منعه حسب الأوامر، فشكره العجوز على هذا الأمر و طلب منه عدم السماح للابن بالصعود إليه أبداً.
دق جرس الهاتف النقال من جديد و رد العجوز و وجد ابنه على الخط مرة ثانية و ظل يستمع إليه و هو يطلب نقوداً كالمعتاد، فقال له العجوز " ما فيش فلوس أنا فلوسي كلها هتبرع بيها للأيتام أنت فاهم و لو جيت مرة تانية العمارة هبلغ فيك البوليس " و صمت العجوز للحظات قبل أن يصرخ و يقول " عايز تقتلني يا طارق، بتهدد أبوك بالقتل ".
أغلق العجوز الهاتف و هو يبكي و لا يصدق أن ابنه يهدده بالقتل و خصوصا أن الإدمان قد يجعله يفعل ذلك بالفعل، و انهمرت دموعه بقوة و هو ينظر لصورة ابنه و صورة زوجته الراحلة.
قام العجوز بالتوجه لغرفة المعيشة لكي يُحضر مفاتيحه ليغلق باب الشقة و يخلد للنوم و لكنه لم يجد المفاتيح ..!!! و عبثاً حاول البحث عنها و هو يحاول أن يتذكر أين وضعها و لكن مكالمة ابنه جعلته يفقد القدرة على التفكير فقام بإغلاق باب الشقة بالترابيس، و أما باب المطبخ فبسبب أن ترباسه غير سليم، فقام بوضع كرتونة ضخمة تحمل أواني ثقيلة خلف الباب و قام بوضع ساق خشبية كمسند و حشرها في جانب المطبخ حتى تمنع فتح الباب تماما.
دخل العجوز إلى غرفة النوم و استلقى على السرير و هو يفكر في كل شيء و حاول أن ينام و لكن الأفكار كانت تجعله يغفو و يستيقظ حتى قام من سريره بعد ساعتين تقريباً و قام بالتوجه إلى المطبخ ليشرب وقام بإضاءة النور و ما كاد يفعل حتى وجد أن هناك إزاحة لكرتونة الأواني بشكل واضح للغاية و أن الساق الخشبية تحركت من مكانها قليلاً برغم أن الباب مغلق مما يؤكد أن هناك شخص حاول الدخول من الباب ....!!!!
تحرك العجوز مسرعاً نحو غرفة النوم و أخرج من درج المنضدة مسدس صغير و بحث بيديه عن الرصاص الخاص به داخل الدرج و فجأة ...!!! التف حبل غليظ حول رقبته و قامت يد قوية بشد الحبل بقوة و رويداً رويداً بدأ العجوز يفقد قوته و سقط صريعاً على الأرض.
توجه القاتل نحو المكتب و أخذ الفلوس بسرعة و وضعها داخل ملابسه ثم توجه نحو المطبخ و اضطر أن يزيح الساق الخشبية و الكرتونة بعيداً حتى يستطيع أن يخرج و هرب مسرعا بعد أن قام بضرب رأس العجوز بتمثال نحاسي ليتأكد من موته تماماً.
كان رجال المباحث يملؤون المكان بعد أربعة أيام من الحادثة و ذلك بعد أن تقدم البواب و الخادم و بعض الجيران ببلاغ يؤكدون فيه أن العجوز لا يفتح الباب في الأيام الماضية رغم أنه لا يترك الشقة إلا قليلاً و أيضاً لا يرد على الهاتف و عليه قام رجال المباحث باقتحام الشقة ليجدوا العجوز جثة داخل غرفة النوم.
كانت نتائج المعاينة تشير إلى أن القاتل استخدم باب المطبخ للدخول و الخروج و خصوصاً أن معاينة باب الشقة تؤكد أنه كان مغلق بالترابيس من الداخل، بينما تم العثور على مفكرة صغيرة كان العجوز يدون فيها كل شيء عن مكتبه و عمله و نقوده التي يحتفظ بها في البيت و التي يحتفظ بها في البنك و تم تحديد المبلغ المسروق على أنه خمسة عشر ألف جنيه و ألف دولار أمريكي و أكدت التحريات أنه لا يوجد دليل على وجود مجوهرات أو أية أشياء ثمينة أخرى نظرا لأنه كان يحتفظ بالمجوهرات في البنك، كما تم العثور على أوراق كثيرة مهمة و من بينها إيصالات أمانة بمبلغ سبعين ألف جنيه تستحق على جاره " مراد " و منها خمسون ألف جنيه كانت تستحق بعد الجريمة بيوم واحد و أيضاً ورقة توضح أنه كان بصدد التبرع بمبالغ كبيرة لدار أيتام و أكدت التحريات أن العجوز هو رجل أعمال قام بتصفية معظم أعماله نظراً لسنه المتقدم و أصبح يقوم بعمليات صغيرة فقط و كان هناك سؤال يطرح نفسه أيضاً و هو " أين ميدالية مفاتيح الشقة ؟ " و خصوصاً أن النتائج بعد ذلك أكدت أنه لا يوجد أثر لاستخدام مفاتيح مقلدة .
" إلى أين يتجه التفكير ؟ " كان هذا هو تساؤل رجال المباحث و بعد عدد من التحريات المبدئية بدأت الأسئلة تنحصر حول :
" لم لا يكون طارق ؟ " تم استدعاء " طارق " الذي كان في حالة غير طبيعية كالعادة و أقر بأنه لم يشاهد والده منذ شهر كامل و أنه مطرود من الشقة منذ عام، و لكن حالة " طارق " و التحريات التي أثبتت مرافقته لأصدقاء السوء و شهادة البواب الذي أقر بأنه قام منذ شهر بمنع طارق من التهجم على أبيه عندما جاء إليه ليطلب منه أموال كما أنه منعه من دخول العمارة ليلة الجريمة، و كذلك شهادة الجيران بسوء سلوك الابن بالإضافة إلى شهادة الخادم التي أكدت بأن الابن هدد والده بالقتل عبر الهاتف ليلة الجريمة، كل هذه الأمور جعلت رجال المباحث يضعون طارق كمشتبه به و خصوصاً أنه لم يثبت أين كان وقت الجريمة مما أدخله في قائمة المشتبه بهم.
" لم لا يكون مراد ؟ "بمزيد من التحريات تم اكتشاف موضوع ديون " مراد " و لم يكن الأمر صعباً نظراً للعثور على إيصالات الأمانة بدرج المكتب عند معاينة المكان و برغم أن " مراد " أكد أنه كان نائماً بجوار زوجته و لكنه أيضاً لم يقدم الدليل الذي لا يقبل الشك على بعده عن مسرح الجريمة وقت حدوثها مما أدخله في قائمة المشتبه بهم.
" لم لا يكون شوقي ؟ " كان هذا التساؤل يقفز في رأس رجال المباحث بعد أن أثبتت التحريات أن الخادم " شوقي " يمر بضائقة مالية كبيرة و لكن الخادم قال أنه يترك الشقة متأخراً كل يوم و يعود في الصباح، و لأنه يسكن في حي شعبي فإن فرصة وجود شخص مستيقظ ليراه و هو عائد أمر صعب للغاية و لكن هذا لم يمنع من أن يدخل قائمة المشتبه بهم .
و يصبح التساؤل...!!!؟؟؟
من قتل العجوز ؟
أهو
الابن ( طارق )
أم
الجار ( مراد )
أم
الخادم ( شوقي )
الحل فى الرد التالى