التنقيب مهارة وعلم يكتسب
يختلف التنقيب عن الآثار عن غيره من عمليات الحفر إذ هناك أسلوب علمي في التنقيب يهدف إلى تسجيل التراث الإنساني بكل دقة وأمانة لا يمكن للشخص العادي القيام بها فلا بد من توافر عنصر الخبرة والعلم ، ويتخلص منهج الحفر في عدم حفر عدة طبقات في وقت واحد وضرورة متابعة العمل لحظة بلحظة للوقوف على كل تطور أو تغير يحدث في لون ومخلفات الطبقة . ولكن كيف تسير خطوات العمل لتنفيذ هذا المنهج ؟
وإذا أردنا أن نسير العمل بلا مشكلات ولتنفيذ عمل ناجح بكل المقاييس فهناك عدة أسس وقواعد يجب مراعاتها :
أولاً : يجب تنظيف الموقع من كافة المخلفات الحديثة قبل العمل ، ويظل الحرص على أن يبدو الموقع نظيفا أثناء العمل فيه
ثانياً : وضع نظام للعمل بحيث يتلاقى الحوادث والأخطاء والعوامل المؤدية إليها ، مثال ذلك تحديد مسار للعمال داخل
وخارج المربع وعدم السماح لأي من العمال أن يسير أمام العامل الذي يضرب بالفأس أو الذي يستخدم الحجاري
حتى لا يصاب .
ثالثاً: تنظيم العمل داخل المربع لضمان دقة العمل والنتائج وإمكانية ومراقبة كل ضربة فأس بالمربع .
رابعاً: تنظيم العمل داخل المربع يبدأ بتحديد أحد جوانب المربع بعرض متر أو أكثر على حسب عرض المربع لبدء الحفر
فيه ثم تكرر العملية حتى يحفر المربع كله في مستوى واحد لكل طبقة . وينظف الجزء المحفور مباشرة للحفاظ
على نظافة الموقع .
خامساً: يتم الحفر بعمق متساو في حدود عشرة أو خمسة عشرة سنتيمترا بشكل منتظم في كل مربع.
سادساً: إذا حدث خطأ ولاحظنا أن التربة تتغير على عمق أقل مما نحفر يجب تدارك الأمر مباشرة ويقلل العمق بحيث
نحافظ على بداية ظهور البقعة الجديدة حتى وإن كانت على عمق خمس سنتيمترات ، في أي جزء من المربع مع
متابعة العمل بحفر نفس العمق في كل مربع . فالحفاظ على كل طبقة يضمن عدم اختلاط الطبقات ويحافظ على
الترتيب الزمني لها بما يضمن دقة العمل وسلامة النتائج .
سابعاً : يجب متابعة كل تغيير يطرأ على التربة من حيث التكوين واللون والمخلفات والتوقف عند كل تغير حتى تتم أعمال
التسجيل للطبقة .
ثامناً : يجب وضع نظام لعملية الحفر داخل المربع بدءا من أول ضربة معول ، مثال ذلك تقسيم المربع إلى عدة أقسام
بطول المربع ويقوم العامل بتفتيت الطبقة العليا بعمق لا يزيد عن خمسة عشر سنتيمترا بطول واحد متر ثم يفحص
التراب جيدا وينقل مباشرة خارج الموقع عبر الممر الفاصل بين مربعين ، ومن هنا يبدأ مسار العامل ليحفر الطبقة
بامتداد طول المربع.
تاسعاً: إذا كانت مساحة المربع تسمح بوجود مجموعتين من العمال يجب ألا يتعارض عملهما ويوزع العمال بحيث لا
يزدحم الموقع ولا تقع حوادث وحتى يمكن متابعة تطور الحفر بدقة .
عاشراً: يجب تنظيف كل طبقة بعد الانتهاء من حفر كل مستوى في كل قسم من أقسام المربع ونقل الرديم بمجرد الحفر
حتى يمكن الاستمرار في حفر بقية الأقسام .
حادي عشر : يجب التحقق دائماً من أن جوانب المربع قائمة الزاوية وقطاع كل جانب واضح ويمكن قراءته بسهولة
خاصة إذا لم يكن العمق قد وصل ضعف طول المربع وإذا اضطررنا للتعمق أكثر من ضعف طول المربع
يجب أن تميل جوانب المربع نحو الداخل قليلا حتى لا تنهار .
ثاني عشر : لا يجب ان تتعدي حدود المربع بأي حال من الاحوال عن ذلك يفسد عملية التسجيل ويخلط اللقى بما يربك
تأريخ ونسب تلك اللقى والموقع بالكامل ز حتى لو كان هناك لقى أثرية نصفها في المربع ونصفها تحت
الممر فالأجدى تركها لحين تصفية الممرات لتسجل في طبقتها لتستقيم العملية التأريخية .
ثالث عشر : يجب استخدام الأدوات المناسبة من حيث الشكل والحجم بما يتناسب مع الطبقات وتكوينها وأنواعها فليس
هناك داعي لاستخدام الأدوات الثقيلة في التربة غير المتماسكة ، بينما يمكن استخدام الحجاري والفأس في
الطبقة المتماسكة لكن مع تزايد احتمالات العثور على لقى أثرية يجب أن نكف عن استخدامها ويمكن
الاستعاضة عنها بالقادوم والمسطرين وعند ظهور آثار دقيقة نتوقف نهائيا عن استخدام الأدوات الصلبة
ونكتفي بالمسطرين والفرشاة والمنفاخ.
رابع عشر: عند ظهور عناصر معمارية مثل أجزاء من جدار أو كتل حجرية يجب التروي للتأكد إن كانت معلقة ولا
تتصل بالمبنى أم أنها تمثل مبنى مستقل مع ملاحظة التغير في التربة جيداً وهل تمثل أرضية أم أنها امتداد
للبقعة التي يجري العمل فيها
خامس عشر: يجب التنبه للحفرات التي تقوم فوقها أساسيات الجدران وتلك الحفرات التي يقوم بها الإنسان لتثبيت شئ أو
دفن شئ، فحفرات الأساسات تظهر على شكل قطع يتخلل التربة ويبدو واضحا من لونها المغاير للون
التربة، الحفرات الحديثة غالبا ما توجد بها مخلفات حديثة في نهايتها
ويمكن تمييز تلك الحفرات الحديثة والحفرات القديمة من لونها أيضا ونعومة الرديم ، وحفرات التثبيت القديمة
دائما صغيرة الحجم والرديم الموجود بها ناعم
سادس عشر: إذا ظهرت تكوينات معمارية يجب تتبع امتدادها ويحس عدم استخدام أدوات صلبة بالقرب من الجدران لأنه
من الممكن أن تكون مكسية بطبقة الجص عليها رسومات، مع الحرص الشديد على جمع كافة المخلفات
الموجودة ضمن الرديم لامكانية مساهمتها في تفسير المبنى وتأريخه بالشكل الصحيح.
سابع عشر: يجب الوصول بالحفر إلى الصخرة البكر التي لم تصلها يد إنسان من قبل ويمكن تمييزها بحبيبات الرمل التي
تتجمع عند نقطة التقاء الصخرة البكر بالطبقة التي تعلوها وهي خاصية معروفة بظاهرة البسلة الجافة؛لأن
حبات الرمل المتجمعة تشبه حبات البسلة الجافة وتظهر مع كل أنواع التربة عدا التربة الطينية أما صادفتنا
أرضية مكسية بالحجارة أو الفسيفساء فيجب متابعة الكشف عنها بالكامل ثم نتابع عملية الحفر لتحديد ما إذا
كانت عصور سابقة لها وذلك بالحفر خارج حدود الأرضية ويحسن أيضاً الوصول للطبقة البكر.
ثامن عشر: يجب جمع المخلفات الأثرية من كل طبقة على حدي خاصة الفخار ثم توضع بيانات تشمل رقم المربع والطبقة
والتاريخ على النموذج المعد سلفاً وإن لم يتيسر يكتب على الدلو المحفظة فيه القطع وينقل إلى المعمل ليغسل
لتظهر النقوش ولون الطينة وتتم عملية التصنيف والدراسة المبدئية وانقاء العينات التي تلزم لعملية التأريخ
ويمكن الاستعاضة عن الدلاء بتخطيط مربعات بنفس تخطيط الموقع تنقل إليها المخلفات بنفس الترتيب بحيث
نضمن عدم اختلاط مخلفات الطبقات ، ويتم وضع المخلفات بترتيب معين بأن توضع مخلفات الطبقة العليا في
الركن الأيمن العلوي ثم التالية لها في المنتصف والثالثة في الركن الأيسر العلوي وهكذا تكرر العملية بالنسبة
للطبقات ويقوم أحد العمال بغسل الناتج أولاً بأول، ثم تتم عملية الفرز تمهيداً للتسجيل.
باتباع تلك القواعد في التنقيب تصبح طريقة الحرف منظمة وتسير بشكل تلقائي ويتحقق الهدف المرجو من الحفائر وهو ليس الكشف عن المباني أو اللقى الأثرية ، بل يشمل الكشف عن حضارة الإنسان في هذا المكان خلال العصور المختلفة وهو المعنى الحقيقي لعلم الآثار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تلك القواعد التي ورد ذكرها تتبع في كافة المناطق والمواقع ولكن تظهر بعض المشكلات الخاصة في التنقيب حسب طبيعة الموقع ونوعية الآثار التي يجب الكشف عنها سواء آثار معمارية أو أعمال فنية أو فخارية .
مشكلات التنقيب في المواقع المختلفة :
هناك نوعان من المشكلات تواجه المنقب النوع الأول ، مشكلات خاصة بطبيعة الموقع، والثاني مشكلات تقنية خاصة بطبيعة ونوعية المكتشفات الأثرية و فيما يلى نبذة عن كل نوع:
- صعوبات خاصة بطبيعة الموقع و منها :
أ – التنقيب في التلال الأثرية وتصفيتها:
التنقيب في التلال الأثرية تعتريه بعض المشكلات خاصة إذا كانت تلك التلال تضم مباني أثرية حيث تكثر التكوينات الحجرية وغالبا ما تكون قمم التلال مناطق السكنى ثم تمتد لتشمله ، لذا على المنقب التيقن تماما من أبعاد تلك المشكلة ويدرك جيدا أن التل الأثري لا يجب التعمق في الحفر فيه من القمة، بل يكتفي بالتوقف عند ظهور المباني في أعلى التل ثم يجري تتبع امتداد تلك الطبقة على بقية التل ، فإن الترتيب الطبقي في التل يمتد أفقيا .
كما توجد بعض المشكلات الفنية التي تعترض المنقب منها على سبيل المثال تحديد أساسات المبنى خاصة إذا كان المبنى قد تعرض لتعديلات وتحويرات أو سلب لأحجاره عبر العصور، كما تنشأ بعض المشكلات من جراء تفكك المباني خاصة تلك التي بنيت من كتل حجرية غير منتظمة ، إذا كانت المراحل المتتالية التي مر بها المبنى قريبة من بعضها البعض ولا يمكن تحديدها بدقة ، كما تحدث بعض المشكلات في تعقب بعض المباني من العصر البيزنطي المبنية من كتل حجرية صغيرة غير منتظمة خاصة إذا ما تهدمت وتناثرت أحجارها . لذا يجب أن يكون الهدف الأساسي في الحفر في التلال الأثرية ربط العلاقة بين الجدران والمباني المختلفة ، ومن الجائز أيضا إجراء دراسة لطبقات التل بحفر مجس من أعلى التل إلى قاعدته وصولا للتسلسل الحضاري في التل . وللتغلب على كل مشكلات التنقيب من البداية يجب تخطيط الموقع إلى مربعات بطريقة الصندوق لإمكانية الوصول للعمائر الموجودة بتكويناتها المختلفة ، ويجب ألا يقل عمق المربع عن ثمانية أمتار تحسبا للتعمق في الحفر بما يضمن عدم حدوث انهيارات مع مراعاة أن تكون الممرات عريضة وآمنة.
عند ظهور جدران يجب أن يكون الحفر رأسيا بمحازاة الجدار وبدقة شديدة حتى لا نهشم طبقة الجص إن وجدت ويجب ملاحظة الحفرات التي تخلل الطبقات سواء القديم منها أو التي حفرها الباحثون عن الثراء غير المشروع لتحفر مع الطبقة التي حفرت بها ومع ظهور أرضيات متماسكة من التراب أو التربة الصناعية يجب الكشف عن كل المبنى أولا وتحديد ماهيته وأهميته وتقرير ما إذا كان سيزال أم لا والأفضل هنا أن يكون القرار مدروسا على أسس علمية أحيانا يكون المبنى صغير لكنه صغير ونادر وإذا كان من الضروري الاستمرار في العمل فيجب تسجيل المبنى تسجيلا دقيقا ثم ترقيم كل كتلة حجرية وفكه بنظام وتسلسل بحيث يمكن إعادة بناؤه مرة أخرى في موقع آخر.
لمتابعة العمل في التنقيب بالتل الأثري عقب تسجيل المبنى وفكه وتقطيع الأرضيات الهامة مثل الرخام أو الفسيفساء أو حتى الأحجار المشكلة بأشكال هندسية ثم نتابع التنقيب عن الطبقات التالية والمراحل السابقة لما كشف عنها ولمواجهة مشكلة تداخل المباني المتعاقبة في التل الأثري يجب أولا تحديد العناصر الأصلية ثم العناصر المتداخلة والتي يجب فكها ورفعها بعد تسجيلها بالكتابة والرسم والتصوير ، ثم نختبر أساسات تلك العناصر بعمل مجس اختباري نجمع فيه كل المخلفات وصولا لعمق الحفرة التي حفرت لبناء الأساسات .
عند إزالة الحفرات المستحدثة على الموقع يجب إزالة الرديم الناعم غير المتماسك مع ملاحظة المخلفات الموجودة فيه وتجميعها لتحديد متى حفرت تلك الحفرات والطبقة التي تنتمي إليها. يجب توفير سير متحرك يعمل بموتور يعمل ببطارية السيارة لنقل الرديم الناتج عن الحفائر أو توفير مولد كهربائي لتشغيله وإن لم يتيسر ذلك يمكن استخدام مواسير قطرها كبير تثبت فوهتها أعلى التل وتنتهي أسفل التل حيث توجد عربات نقل الرديم أو يمكن أن يشكل جانب من التل بدرج يسمح للعمال بالنزول والصعود أما إذا كان الهدف تصفية التل من الآثار واستخدام الأرض لأغراض حديثة كالزراعة أو إقامة مشروع أو مبنى فالأفضل الاحتفاظ بالرديم الناتج بحيث يوضع بالقرب من الموقع لإعادة الردم وتسوية الموقع عقب انتهاء عملية التنقيب.
ب – مشكلات الحفر في المواقع الطينية:
غالبا ما تواجه المنقب مشكلة في التنقيب بالتربة الطينية خاصة إذا كانت المباني مبنية بالطوب اللبن وتعرضت لعوامل التعرية فيصعب التفرقة بينها وبين الرديم وللتغلب على مشكلة التنقيب في التربة الطينية يجب أن تكون الحفائر في الاعتدالين ولا يفضل أن تكون في شهري يوليو وأغسطس وذلك لارتفاع درجات الحرارة والتي تؤثر على المباني اللبنية وتفتتها كما أن شهور الشتاء يستحيل العمل فيها لأن الرديم يتحول إلى كتل من الطمي يصعب السير فيه كما قد تضيع اللقى الأثرية ضمن الرديم. ومن الناحية التقنية في التنقيب يجب أن يبدأ العمل عقب الفجر مباشرة حتى تكون الأرض منداة بالرطوبة فيسهل التمييز بين المباني والرديم ، كما يجب أن يفتت الرديم ويفحص جيدا حتى لا نفقد أيه لقية كما يفضل غربلة الرديم في الموقع يفضل أيضا استخدام الفأس والقادوم والمسترين العريض طبقا لمقتضيات العمل ويحسن تنظيف الأدوات أولا بأول حتى لا تعلق بها الطينة وتفسدها كما أنها تكون أثقل وزنا وأصعب في الاستخدام فضلا عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالأثر.
ج - مشكلات الحفر في التربة الجيرية والحصوية:
تتمثل مشكلة تواجد كتل وحصى جيرية في هذه التربة وهي تستوجب حرصا شديدا والتأكد من الأحجار التي لا تنتمي لمباني ولا توجد عليها زخارف أو نقوش ، ولعلاج المشكلات الناتجة عن هذه التربة أو يجب تفكيك الرديم باستخدام الحجاري مع الوضع في الاعتبار أن تهشيم أي حجر تحسبا لكونه جزء من مبنى أو ينتمي إلى مبنى ثم رفع الرديم وتنقل الأحجار غير المنتظمة بالقرب من الموقع أما الأحجار المنتظمة فمن الأفضل ترقيمها وكتابة الطبقة التي عثر عليها فيها لإمكانية استخدامها في الترميم ، أما الأحجار التي تحمل نقوش أو زخارف فيجب نفلها بعيدا عن عوامل التعرية والاحتفاظ بها في المخازن الملحقة بمعسكر البعثة أما إذا كانت تنتمي إلى مبنى وسقطت منه فالأفضل إعادتها إلى مكانها مباشرة استرشادا بتكملة الزخارف.
صعوبات خاصة بطبيعة المكتشفات الأثرية :
أ - الكشف عن العناصر المعمارية:
تواجه المنقب مشكلات متعددة في التنقيب عن الآثار المعمارية أولى هذه المشكلات والتي تطلب الخبرة والعلم هو تصور الأثري المنقب لماهية المبنى وتخطيطه وإعمال الذهن في مقارنته بمباني مشابهة في البلد الذي يحفر به أو أي حضارة أخرى مع وضع عدة تساؤلات للإجابة عليها يمكن من خلالها وضع الخطة المناسبة للكشف عن المبنى وتأتي على رأس هذه التساؤلات كما ذكرت ماهية المبنى ومخططه وطريقة بنائه وتاريخه والعصور التي مر بها وهل تعرض تعديلات وتحويرا وما هي الإضافات وغيرها من الأسئلة التي تجيب عن تساؤل أهم وهو ما أهمية هذا المبنى؟ .
هناك طريقتان للإجابة عن تلك التساؤلات الأولى تعتمد على علم وثقافة وخبرة المنقب وهي وضع التصور الصحيح في ضوء الشواهد الأثرية وهو أمر نسبي بين منقب وآخر ، أما الطريقة الثانية وهي الأكثر شيوعا وانتشارا – رغم أخطائها- هي تتبع ما يظهر من جدران والكشف عن المبنى بما لحق به من تغييرات وتحويرات وإضافات ، ثم تأتي بعد دراسة المبنى لتحديد العناصر الأصلية من دونها ويمكن التوصل لتلك العناصر بالكشف عن أساسات المبنى وتحديد أي الجدران تتصل بها ومن هنا فإن كل الجدران التي تتصل بالمبنى تكون إضافات لاحقة غير أساسية لكن هناك مشكلة أخرى يجب التنبه إليها وهي أن الجدران الأصلية من الممكن أن تكون قد أعيد بناؤها في فترات لاحقة لتأسيسه أو تكون شهدت تعديلات مثل إغلاق مدخل أو نافذة أو فتح فتحة لتغيير الغرض منها ومثل هذا الموقف تعرضنا له أثناء حفر المبنى ذي الثلاث صلات المعروف بالمدرسة في حفائر كوم الدكة بالإسكندرية أذ عند الكشف عنه وجدنا طبقة من الدفنات الإسلامية يرجع تاريخها للقرن الثامن وبعد إزالتها وتجميع الكتل الحجرية كشفنا عن المبنى وكانت القاعة الأمامية والوسطى تنتهي بجدار على نصف دائرة تتخللها صفوف المقاعد ولكن عند متابعة الحفر لدراسة المبنى والكشف عن الأساسات تبين أن الجدار الأصلي في نهاية الصالة الوسطى كان مستقيما فتبين لنا ان المبنى أعيد استخدامه في مرحلة لاحقة وتم إضافة الحنية ربما لزيادة سعته أو للاستفادة من القاعة المسقوف في فصل الشتاء وفي نفس المرحلة تم إغلاق المدخل الواصل بين القاعدتين الأولى والثانية حيث يبدو الاختلاف واضحا في المونة وحجم كتل الأحجار.
من الناحية التقنية الفنية في التنقيب والكشف عن المباني:
أولاً : يجب تحديد وجود مبنى من عدمه وذلك بعمل مجس اختباري فإذا ما تيقن المنقب من وجود جدران يجب عليه أن
يحدد الحجرات للتنقيب بداخلها والحصول على مخطط المبنى ويمكن الكشف عن امتداد الجدران بمجرد تحديد اتجاه
أول جدار يظهر ثم نحفر مربعات على نفس المحور بحيث تتقاطع مع الجدران وعندئذ يمكن تحديد مخطط المبنى
وتحديد مناطق الحفر وتعديل مساحة المربعات في ضوء الشواهد والنتائج التي توصلنا إليها .
ويمكن استخدام تقنيات حديثة في تحديد مخطط المبنى وذلك باستخدام أجهزة السونار أو الرنين المغناطيسي أو
الطرق على القضبان النحاسية وتعتبر أجهزة السونار أحدث وأسرع وأدق ويمكن الاعتماد عليها في تخطيط
المربعات بحيث تصبح الحجرات هي نفسها وحدات الحفر . كما إن هذه التقنيات تساعد أيضا في جس الطبقات
التالية أسفل المبنى وتحديد ما إذا كان يمكننا الاحتفاظ به أم متابعة العمل بعد تسجيله وفكه .
وإذا لم تتوفر تلك الأجهزة يجب اختبار أساسات المبنى من الخارج ودراسة المخلفات الأثرية بها لتأريخ فترة
التأسيس ثم تبدأ إزالة المبنى بالقواعد والأسس العلمية دونما تدمير ، وتستأنف عملية التنقيب بالتعمق في الطبقات
التالية مع ترك عينات من الطبقات العليا ليمكن دراسة كافة المراحل التي مر بها الموقع .
ثانياً يجب عدم تغيير ملامح المبنى إلا إذا كان الهدف من الحفائر تصفية المنطقة أو دراسة التطور التاريخي الكامل لها
ثالثاً: يجب عدم الكشف عن جزء من مبنى في نهاية موسم الحفر بل يجب أن يكون هناك الوقت الكافي والميزانية للكشف
عنه خلال موسم وواحد أو في المدة المتبقية من الموسم وإذا كانت المنطقة تضم مجموعة من المباني المتجاورة
فيحسن أن توضع خطة للكشف عنها بالكامل أفقيا ورأسيا في فترة واحدة متصلة وتحديد العلاقة بينها أما إذا كان
الموقع مساحته واسعة ويستحيل العمل فيها وتغطيتها في موسم واحد مثال مدينة بوتو أو كوم الدكة بالإسكندرية
والتي تحتاج للعديد من المواسم تمتد لعشرات السنوات فيجب وضع خطة للتنقيب والترميم السريع وعمل الصيانة
الدورية حتى يمكن الحفاظ على الآثار بحالة جيدة من أول أثر عثر عليه إلى أحدث أثر كشف عنه .
رابعاً: عند الحفر في الجبانات والمقابر في أنواع التربة المختلفة تظهر بعض الصعوبات التي على المنقب التغلب عليها
بعضها يتطلب العلم والخبرة مثل التعرف على نوع وطريقة الدفن والعقائد والطقوس المصاحبة لها أثناء وبعد الحفر
والمستوى الاجتماعي لصاحب المقبرة وطرازها وغيرها أما الصعوبات الأخرى فهي تقنية في المقام الأول فالمقابر
المبنية والمنحوتة في الصخرغالباً ما تضم أكثر من دفنه ومن هنا يجب أن نضع في الاعتبار استخدام المقبرة على
فترات متتالية أما الجبانات فهي تظل مستخدمة لفترات طويلة لذا فإن التنقيب في الجبانات يقتضي عدم استخدام
أدوات ثقيلة ويفضل الحفر باستخدام الفرشاة والمسطرين والمنفاخ ، ويحسن أن يقوم بالتنقيب من لديه دراية بعلم
التشريح ولديه القدرة الفائقة على التمييز بين الطبقات . وللتنقيب الصحيح في المقابر يجب أن يبدأ الحفر عند الحافة
ويمتد نحو الداخل ولا يزيد عمق الحفر عن 5 سم ، أما دفنات الحفرات فيجب أن تراعي مساحة الحفرة وعدد العمال
والفني والمنقب ويفضل أن يقتصر العدد على عامل فني ومراقب فقط ولا تستخدم أدوات ثقيلة
وتصلح هذه الطريقة في مقابر قبل التاريخ ومقابر الفقراء والمقابر الإسلامية ، أما مقابر التلال أو المعرفة بالمقابر
المستجيرة فهناك طريقتان لحفرها وبتكرار العملية حتى ظهور الدفنات والهياكل العظيمة أما الطريقة الثانية يقسم فيها
التل أربعة أقسام بممرين متقاطعين ويتم الحفرفي كل قسم طبقة ثم تنتقل للتالي وهكذا ببقية الأقسام الأربعة ويبدأ العمل
فيها في الحافة الخارجية ونتجه نحو المركز .
وبالنسبة للمقابر المنحوتة في الصخر فتعتبر مقابر الفتحات Loculi أسهل في التنقيب وليس هناك مشكلات تقنية فيها
إذ إنه بفتح اللوحة الغالقة لها يتم استخراج الرديم منها بالمسطرين وبعدها يمكن استخراج أواني حفظ الرماد أو التابوت
بينما النوع الثاني من المقابر والمكونة من صالة أمامية وحجرة الدفن فمجرد تحديد مدخل المقبرة يصير الأمر ميسرا
للمنقب إذ إن هذا النوع غالبا ما يحتوي على أكثر من تابوت أو مجموعة من الفتحات وهو غالبا ما يعاد استخدامه عبر
العصور فتلزم الحيطة في تحديد المراحل المختلفة للاستخدام وهو الأمر الذي يتطلب معلومات عن أساليب الدفن
والعادات الجنائزية والعقائد الدينية حتى يمكن التميز بين كل طراز وآخر .
التنقيب عن الآثار المعدنية والفخارية المتهالكة :
غالبا ما توجد أثناء التنقيب آثار مصنوعة من الفخار أو المعادن تأثرت بعوامل الطبيعة أو تآكلت نتيجة تأكسدها ربما بسبب المياه الجوفية أو الرطوبة وتبدأ أول مراحل العمل بترك تلك الآثار لتتخلص من نسبة الماء وتجف ثم تزال الأتربة من حولها وتبدأ بعدها مرحلة العزل والقوية ثم الاستخراج .
تقوم فكرة عزل الآثار بتنديتها بمناديل ورقية مبللة بالماء ولفها بها ثم تعمل جبيرة من الجبس حول الأثر وذلك بلف الجزء الظاهر بطبقة سمكها 1 سم من القطن أو الشاش المغموس في الجبس السائل بينما والجزء السفلى يستند على كتلة من التربة وبعد أن يجف الجبس يقلب الأثر برفق بكتلة التربة العالقة به ثم تنظف برفق وتستكمل الجبيرة وبعد أن تجف كلية توضع في صندوق وحولها فللين أو فوم أو ورق أو قش وتنقل للمعمل للمعالجة والترميم .
من الممكن صهر شمع وصبه فوق الأثر ليتجمد عليه ثم ينقا للمعمل وهذه الطريقة تناسب الآثار الصغيرة والتي يخشى عليها من التلف السريع وهي طريقة اقتصادية إذ يمكن أن يصهر الشمع بالتسخين في المعمل ويعاد استخدامه وسائل