شعبة آداب وفلسفة
الموضوع الأول :
هل يفسر الإبداع برده إلى العوامل النفسية أم الاجتماعية ؟
الموضوع الثاني :
" الديمقراطية تعبير عن إرادة الشعب ". دافع عن صحة هذه الأطروحة.
الموضوع الثالث : النص :
"...لقد وُجه للبيولوجيين في أوائل القرن 19 نقدٌ عندما أعلن الرافضون أن أسلوب التجريب العلمي ، الذي من شأنه التدخل في تركيب العضوية الحية ، لا يمكن أن يؤدي إلى معلومات صحيحة عن الكائن ككل . و نادوا بتخلي العلوم البيولوجية عن طموحها فلا تحاول تطبيق المنهج التجريبي المعتمد في علوم المادة الجامدة .
هذا الرفض لم ينل من عزيمة البيولوجيين في القرن 19 ، فتجارب كلود برنارد تتميز بالاستخدام الواسع لهذا المنهج ، وعلوم الفيزيولوجيا التجريبية ، إن هو في الواقع إلا استخدام منظم لهذا الأسلوب العلمي .
و كانت ثمار جهودهم متمثلة فيما أعطته لنا العلوم الطبية و الزراعية و غيرها من العلوم البيولوجية التطبيقية ، في أشكالها الحديثة . كما أن هذا الرفض لم ينل من عزيمة البيولوجيين المعاصرين ( البيولوجيا الجزئية ) ، فكان أن جَنَيْنَا ثمار جهودهم باقترابنا يوما بعد يوم من تفسير العمليات الحيوية و معرفة أسرارها . و النجاح العلمي بدوره يحرزه تطبيق النتائج التي حصلنا عليها بفضل النماذج التجريبية دليل على صحة هذه النتائج . و نضرب مثلا لهذا النجاح في تحضير مركب الأنسولين ، فهو من أحدث ثمار تطبيق هذا المنهج السائد في العلوم التجريبية اليوم " .
الـمطلوب : أكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص .
التصحيح النموذجي لمواضيع بكالوريا دورة جوان 2012
الموضوع الأول :
هل يفسر الإبداع برده إلى العوامل النفسية أم الاجتماعية ؟
الطـريقة : جدلية .
طرح المشكلة:
إن الإبداع في اصطلاح الفلاسفة له عدة معان أهمها تأسيس الشيء عن الشيء أي تأليف شيء جديد من عناصر موجودة سابقا مثلما هو الحال في الفنون و العلوم ، و مما لا شك فيه أن ظاهرة الإبداع ترتبط بدور الفرد من خلال فعالية تخيله في تصور النقائص التي بإدراكها تحصل فكرة الإبداع ، ومن ثمة فإن الإبداع ينشأ في ذهن إنسان له فرديته الخاصة و شخصيته المميزة باستعداداته و قدراته الفطرية و المكتسبة . فإذا كان الإبداع إجراء يرتبط بشخصية الفرد فهل الشروط الذاتية وحدها كافية لحصول عملية الإبداع ؟ بمعنى آخر إذا كان من المؤكد أن الشروط النفسية تؤثر في عملية الاختراع. فهل يمكن رد هذه العملية إلى هذه الشروط وحدها ؟
الأطـروحة: الإبداع يعود إلى تأثير العوامل النفسية:
ينظر بعض الفلاسفة و العلماء إلى الإبداع على أنه ظاهرة خاصة توجد لدى بعض الأفراد دون غيرهم . لأن الأحوال النفسية و العقلية من ميول و رغبات ومواهب هي التي تدفع بالفرد إلى الإبداع بدليل أن العباقرة يمتازون بخصائص نفسية و عقلية تمكنهم من تجاوز ما يعجز عنة الآخرون . فقد حلل "فرويد" ظاهرة الإبداع حيث رأى أن الإبداع ناتج عن تلك الرغبات المكبوتة في عالم اللاشعور تريد أن تندفع في إطار خيالي، فكثيرا ما تكون العقد النفسية عاملا للتفوق والنجاح والتميز فالشخص المريض الذي يشعر بنقص تتولد لديه عقد و هذا ما يدفعه إلى الإبداع في مجالات عدة.بردها إلى الأعمال اللاشعورية فالعمل المبدع في نظره تعبير عن الرغبات المكبوتة التي تتحقق عن طريق الخيال بمعنى أن معظم عناصر تخيلاتنا تتجمع في اللاشعور، وتختزن الصورة المبدعة في الذهن ثم تنبثق دفعة واحدة في شكل الهام ، حيث يقول "نيوتن" في هذا الصدد : "و إنني لأضع بحثي نصب عيني دائما و انتظر حتى يلمح الإشراق الأول علي شيئا فشيئا لينقلب إلى نور جلي ". كما يقول "بوانكاري" : " أن الحظ يحالف النفس المهيأة " . فالإبداع يعود إلى عوامل نفسية حيث يرى "برغسون" أن الإبداع ناتج عن قوة الشعور عند الشخص فالعاطفة القوية في الشخص تولد شعرا أو رسما أو موسيقى ، أو مسرحا ، كما يرى أن الإبداع ناتج عن عامل الحرية و الإرادة حيث يقول : " أن العظماء الذين يتخيلون الفروض و الأبطال و القديسين الذين يبدعون المفاهيم الأخلاقية ، لا يبدعونها في حالة جمود الدم ، و إنما يبدعون في جو حماسي و تيار ديناميكي تتلاحم فيه الأفكار ". إذ أن الكثير من الناس تجدهم مقلدين لغيرهم فقط بينما نجد قليل منهم من يشعر بالحرية والإرادة في الإبداع فيزيد إبداعه ويتخلص من تبعة الآخرين و يتميز عنهم ، كما أن للإلهام والحالات الانفعالية دور أساسي في الإبداع وتاريخ العلم و الأدب حافل بالأمثلة :
- فالشاعر الانجليزي " كولريدج " (1772-1834) استيقظ ذات ليلة في حالة انفعال شديدة فقال رائعته الشهيرة " كوبلان خان kubla khan " التي بدأها باسترسال كبير ولم يتوقف إلا عند البيت الـ54 .
- و كان " ابن سينا " كثيرا ما يتوصل إلى حل مسائل صعبة في النوم أو الصلاة .
- أما الرياضي الفرنسي " بوانكاري " (1854-1912) فكان كثيرا ما يجد الحلول للمسائل الرياضية بطريقة عفوية عندما يكون بعيدا عن مكتبته ، إما في الشارع أو في السوق . و هي أدلة تدل على أن لعملية الإبداع أصول نفسية .
نـقد ومـناقـشة : حقيقة أن الإبداع تجسيد لما يختلج في النفس من معان و صور ، إذ لا يمكن إنكار دور الذات في عملية الإبداع. و لكن الذات تتأثر بالمحيط الاجتماعي فلا إبداع من العدم مما يعني حاجة الذات إلى الشروط الاجتماعية الملائمة. نقـيض الأطـروحة: الإبداع يعود إلى تأثير العوامل الاجتماعية .
ينظر بعض الفلاسفة والعلماء إلى الإبداع على أنه ظاهرة اجتماعية كون المبدع يستمد مادة إبداعه من المجتمع مما يجعل الإبداع له ارتباط وثيق بالحياة العامة وخاصة الاجتماعية ، فالحاجة الاجتماعية ومتطلباتها هي التي تدفع الإنسان إلى الإبداع و لذا يقال : " الحاجة أم الاختراع " ، بمعنى أن الحاجة تعتبر مشكلة اجتماعية تتطلب حلا و هو ما يدفع بالمبدع إلى التفكير . و هكذا يكون نشاط المبدع عبارة عن ظاهرة اجتماعية ، في نظر " دوركايم " الذي يرى أن الإبداع مهما تعددت مجالاته تتحكم فيه شروط اجتماعية . فالمبدع سواء كان فنانا أو عالما لا يبدع لنفسه و إنما يبدع وفق ما يحتاج إليه المجتمع و حسب ما يسمح به المجتمع... فالمجتمعات تبارك الإبداعات العلمية الموجهة لأغراض سلمية وتعاقب أو تذم الإبداع العلمي الموجه إلى أغراض حربية . و هذا يبين أن المبدع يوجه إبداعه إلى معالجة المشاكل التي تعترض مجتمعه ، و لعل هذا ما قصده " ريبو " بقوله : " مهما كان الإبداع فرديا فإنه يحتوي على نصيب اجتماعي " . و هي آراء تدل على أن المبدع يستقي مادته الإبداعية من الواقع الاجتماعي الذي يعيشه . و حججهم في ذلك أن : الإبداع في أي مجال من المجالات يعبر عن حاجة المجتمع ، فالشخص إنما يبدع شيئا ما عندما يكون المجتمع في أمس الحاجة إليه كاختراع المصباح ، واكتشاف الضغط الجوي من طرف "طورشيللي " الذي كان بفعل حاجة الفلاحين لسقي الأراضي المرتفعة ، لذا قيل : " الحاجة أم الاختراع " .
كما أن الشخص المبدع لم يصنع نفسه و إنما صنعه المجتمع فهو من أهله وعلمه و كوَنه ليصبح مبدعا في ظل وجود مناخ أو محيط خارجي يسمح بظهور هذه الكفاءات الموجودة في الفرد. و يربط " تين " بين الإبداع و المجتمع فيقول : " إن كل أثر فني إنما ينتج عن تأثير العرف و البيئة و الزمن " . إضافة أن التحفيز المادي و المعنوي له دور كبير في التأثير على عملية الإبداع ، فالمجتمع يميز الإنسان المتفوق عن غيره و يعتبره نموذجا يجب الاقتداء به حتى يبعث روح المنافسة في غيره ، لذا فان عامل التحفيز و التشجيع يساعد على عملية الإبداع و هو من عمل المجتمع . و على العموم فالإبداع تفرضه الحاجة الاجتماعية .
نـقد و منـاقشة : حقيقة ظاهرة الإبداع تعود إلى الحوافز الاجتماعية و طبيعة الواقع الاجتماعي ، و لكن رغم توفر الشروط الاجتماعية الملائمة و وجود الحاجة الدافعة للإبداع ، إلا أنه لا يمكن لكل أفراد المجتمع أن يبدعوا، و هذا يدل على تدخل عوامل و شروط أخرى مرتبطة بالذات المبدعة .
التـركـيب: الإبداع يعود إلى تأثير العوامل الذاتية والاجتماعية معا :
إن الإبداع يعود بالدرجة الأولى إلى حيوية المبدع و ما يتمتع به من خصائص نفسية و عقلية كتظافر الوظائف النفسية من ذكاء ، و تخيل ، و ذاكرة . وتوفر الميول الكافية من رغبات وآمال، بالإضافة إلى تمتع صاحب الإبداع بنوع من الحس المبدع الخاص كما أن المبدع يستمد عناصر إبداعه من المجتمع ، فالوسط الاجتماعي الملائم من حاجات و ظروف و أفكار تطور علمي و ثقافي حافز على الإبداع . فظهور جل القوانين العلمية في أوروبا لا غير دليل على دور البيئة الاجتماعية .
حل المشكلة:
إن الإبداع ليس مجرد إلهام مفاجئ يحظى به بعض الأفراد في المجتمع ، بل هو ظاهرة فردية تضرب بأعماق جذورها في الحياة الاجتماعية التي منها يأخذ المبدع مادته ، فالإبداع يستمد حيويته من ميول الفرد و يستمد مادته من حاجة المجتمع ، و عليه فالإبداع يكون بالتكامل بين الشروط الاجتماعية و الشروط الذاتية .