زيارة منتصف الليل
كالبعض من أولئك الشباب المتنمر كان (هاني) مفتول العضلات , ضخم البدن , صلب ذو قلب قاس إذ لا رحمة فيه ولاشفقة , ماأحس يوم بخوف من أحد , كصخر جلمود لايهتز, فلا عين ترمش ولانفس تأنب , متباهى بمخانقاته وبطولاته , غرورا بداخله مارآه إنس أو حتى جان , ذو خلق سيء , سمعة كالحضيض , مهاترات ومشاكل طالت الجميع , فلم يقدر عليه أحد لا أب وأم ولا أهل وجار .
حيه الذي ربى فيه كغابة بالنسبة له إذ هو أسدها وسيدها ومن تسلط عليها , كلهم يهربون منه متلبدين خوف من نظرة عينه وظل جسده , يغدر يضرب يأخذ أموالهم أكراها بالقوة ,ماأستطاع أحد أن يقف في وجه ذاك المسخ البشري .
ذات عصرا بارد إذ الشمس تحجبها سحب وغيم سكنت عائلة في ذاك الحي غير دارية بما ورطة حالها , أنشغلت بنفسها تلملم بيتها أثاثها جاء لزيارتهم بعض أهل الشارع مرحبين بهم محذرين أياهم من التداخل مع (هاني) أو الأقتراب منه .
بعد مرور يومين وقتئذ جاء منتصف ليل شديد البرودة حيث الجميع في داره يرتجف لقسوة الطقس مختبائين ليس في أستطاعتهم الخروج خوفا من مطرا أو ربما ثلج أو قد يرون (هاني)عديم الرحمة مفتعل المشاكل أكثر ضراوة من ليلهم البارد .
كان(هاني) في منزله نائم على غير عادته وإذ بدقات عنيفه تهز بابه ضرب وضجيجا , مما فزه من نومه غاضب غير مصدق على من تجرأ بتلك الفعلة , فتح الباب مستعجلا بل فرح لأنه وجد مشكلة كان يبحث عنها , لكنه تسمر في محله إذ به يجد فتى غريب مارآه من قبل فسأله بتعجب : من أنت , وماتريد ؟
الشاب : أرأيت العائلة الجديدة من سكنت حيكـم ؟
هاني : نعم رأيتها , مابها ؟
الشاب : أنا أبنهم
هاني : حسنا , وماأفعل لك ؟
الشاب : رأيتك تضرب أحدهم أنتابني شعور أنك شجاع قوي , لذا أردت التقرب منك أكثر ,أبحث عن أمثالك مذ كنت صغيرا , فالخوف والجبن يرافقاني أينما ذهبت , في المدرسة والشارع أصبحت محط سخرية للجميع , أتمنى تعلمني وتدربني كي أكون مثلك , فمارأيك؟
قال هاني بعد أن تحير من كل الموقف : أغبي أنت أم مجنون , هيا , هيا اذهب من هنا قبل أن أوسعك ضرب ماجربته قط
الشاب : ارجوك , أن تفهمني سأعطيك المال وماتبقى , لا أريد منك ألا أن تدافع عني ؟
طرده ( هاني ) بعد أن أستهزاء به وضحك منه شامتا لجبنه وغبائه .
في منتصف ليلة تلتها إذ ظلت على طقسها القارس لم تتغير عاد ذات الشاب مرة أخرى إلى (هاني) محاولا أقناعه كي يصبح صديقه الذي طالما تمناه شجاع لايرحم يفتك بالجميع دونما أهمتام لأحد , لكنه لم يلقى ألا قسوة وأهانة فلم يتعاطف معه (هاني) أو يلقي له بالا بل ظل يطرده ويأخذ ماله أحيان أخر بكل غطرسة ورعونة.
بعد أنقطاع دام فترات ليست بالقصيرة جاءت تلك الساعة الموحشة في منتصف ليلها وفي بردها يختبأ شيئا يفك الأضلع ويضرب العظام , إذ طرق الشاب منزل (هاني) باكي بقلب قد كسر أثارت لحظتها دهشته وضيعته في دموعها
فسأل الشاب : لما تبكي أيها الغبي ؟
رد الشاب وقد غص في حزنه : والدي ضربني ضربا مبرحا دون سبب
لم يظهر هاني أية شفقة كعادته فقال : أيها الأحمق , أنه يوبخك تأديبا كي تصبح رجلا فأنت تشبه الفتيات بتصرفاتك تصرخ وتبكي لاتستطيع الدفاع عن نفسك .
سكت الشاب لقسوته مما جعل (هاني) يكمل حديثه : أسمعني أيها الجبان , لا أريد أن اراك متوقف على عتبة داري , لأني سأفعل بك أشياء تتمنى لو أن أمك ماحملت بك
الشاب : ولكني اريد أن اصبح صديقك !
تلك الكلمات أغضبت (هاني) بشدة جعلته أعمى لايرى لم يتمالك أعصابه أخذ يضربه بوحشية
يرفسه ويصفعه حتى أغمي عليه !
فحمله دون أن ترمش عين له أو يرق قلب ورمى به في الشارع كحيوان أصبح جيفة نتنه وعاد إلى منزلــه وغطى في نومه وكأن شيئا لم يحدث .
مرت أربعة أيام نقص خلالها المال لدى (هاني) يفكر ويفكر من أين يأتي بالمال فجميع أهل حيه يهربون حتى قبل خروجه من داره يسمعون خطواته ويختبئون خشية منه .
بعد أن جافاه النوم لشدة حاجته قرر الذهاب لمنزل الشاب رغم مافعله به بكل جرأة وبلا حياء ,أخذ يطرق الباب كأنه يحدث صخبا في بيت تلك العائلة الجديدة كي يروعهم ويقض مضاجعهم لحظات فتح الباب لقوة الدق عليه وإذ به صاحب المنزل
يسأله : ماذا تريد !
هاني : أين أبنـك ؟
رد الرجل مستغربا : عن أي أبن تتكلم ؟
هاني : هيا , هيا , ناد أبنك فهو يعرفني
غلبت الرجل حيرة شديدة قال بعدها مستفسرا : ماذا تقول ياهذا , ألا تفهم أنا لم أتزوج الا قبل شهرين فقط وليس لدي أية اولاد !
قال هاني محتنق : دعك من المزاح يارجل , وقل لأبنك بأني أريد أن اكلمـــه
بانت على ملامح الرجل دهشة ماشعر بها من قبل وقال : ما بك , ألم تسمعني أقول لك بأن لاأبناء لدي إذ لايوجد في منزلي عداي وزوجتي !
أحس (هاني) بأن الرجل يخدعه فبدأ يعلو صراخهم ونياحهم مما أثار حفيظة أهل الحي وجعلهم يجتمعون حولهم ويفرقون بينهم حتى قام الرجل خائف وأتصل بالشرطة كي يأمن شره وينجوا من قبضته .
دقائق مشحونة مرت حضر على أثرها رجال الأمن وبدأوا يسألون عن المشكلة بينهم قال لهم هاني : أني أسأل هذا الرجل عن أبنه لكنه يقول كاذبا بأنه لايعرفه !
قال الرجل للشرطة : أما أنه غبي أو يعاند نفسه فلا يوجد سواي زوجتي في المنزل ونحن لم نتزوج ألا من شهرين , كيف يكون لنا أبن وكبير ايضا !
لم يصدق (هاني) مايسمع أراد أن يخيفهم بصراخه غير مبال برجال الأمن والناس المحيطين به ,ظنا منه بأن الجميع يخشاه وسيفعلون مايقول ولو كان خلاف للواقع , هدأت الشرطة من روعه لتحل المسألة فدخلوا بيت الرجل كي يتأكدوا من أوراقه ومايطابق كلامه وإذ بهم يقتعون ويثبتون صحة ماقاله فلم يكن في البيت عداه وزوجته وأوراقه خالية من أي أحد .
كل من كان متوقف توجس خيفة من (هاني) لما بانت على خطوط وجهه من قسوة وتحدي ودهشة غير مصدقين مايحدث لمسخ حارتهم الذي أوقفها على ساعده يتجبر عليهم بالحديد ويتفنن في تعذيبهم بإبتسامة خبيثة منه .
صمت غلب الموقف دقائق (هاني) يفكر وسيترجع كل ماحدث بينه وذاك الشاب أصابه توترا ماحل به قط خوفا بدأ ينازعه ويفتت قسوة قلبه وحجره نظر إلى الملتفين حوله وقال بخنوع : لما تنظرون إلي هكذا ,ألا تصدقوني , لقد كان هناك شابا يجلس ويتكلم معي في منتصف كل ليلة , أخبرني بأنه يسكن في هذا المنزل .
لكنهم لم يصدقوا (هاني) وكأنهم فرحين بما أصابة ويتشمتون فيه بدواخلهم التي روعها طوال هذه السنين وينتظرون اليوم الذي ينمحي وجوده من حارتهم .
في قمة رعبه وخوفه الذي لم يشعر بهما من قبل نظر إلى الناس والدهشة تزلزله والريبة قد وصلت ركبتاه يفكر ويفكر في ذلك الشاب ينظر هنا وهناك كالمجنون لايعرف ماذا حل به , أصابته حالة من القلق والفزع الشديد وقال : اللعنة , إذا من ذلك الشاب الذي كان يزورني كل ليلة !
بكى أمام المتجمهرين كما لم يفعلها من قبل يقول بصوت مهزوز : يإلهي , لقد قمت بضربه بوحشية !يذهب إلى الواقفين واحد تلو واحد يمسك هذا وذاك باكي وقلبه قد تقطع خوفا طالب نجدتهم إذ يقول :أرجوكم ساعدوني , قد يكون شبحا وسيأتي للأنتقام مني ! لكن أحدا من الملتفين حوله لم يساعده بل أبتعدوا عنه كما كانوا يهربون منه آن كان يضربهم ويتسلط عليهم .
أحتار الحشد مايفعلون معه أمسكوه رجال الشرطة أخذوه معهم إلى مقرهم يحققون معه بلا أية نتيجة فلم يقل لهم شيئا , فالرعب قد عقد من كلماته وفز جسده وفضح سريرته ولسان حاله يردد فقط بتعتعتا ملأها الريبة كمن رآى شبح بجانبه في عتمة الليل ينظر إليه ويبتسم : سوف يأتي ذلك الشاب وسقتلني !
علم رجال الشرطه بأنه فقد عقله الذي طالما تبختر به وخطط داخله بطريقة يؤذي بها الناس ويتجبر عليهم ,فجروه صارخ إلى مستشفى الأمراض العقلية حيث قبع في زاوية أحدى الغرف يضم يديه ورجليه بقوة وحيدا خائفا من أن يزوره يوما ما ذلك الشاب الغريب