من القواعد المساعِدة لحفظ القرآن الكريم
اعتنِ بالمتشابهات
هناك الكثير من الآيات المتشابهة في القرآن الكريم، قد تختلفُ الآية في سورةٍ عن شبيهتِها في سورة أخرى في كلمة واحدة، أو حتى في حرف واحد، وقد تتطابقُ الآية تمامًا مع آية أخرى في سورة أخرى، والأمر في بدايته قد يكون سهلاً، ولكن عند تراكمِ حصيلة الحفظ، فإنه قد يكون صعبًا على الحافظِ أن يُتقِن الحفظ دون ملاحظةِ الفروق بين المتشابهاتِ، وهنا في هذه القاعدة أنبِّه على أنك إذا حَفِظت آية من آيات القرآن، وشعرتَ أنك قد حَفِظت قبلها آيةً مشابهة في أسبوع سابق، أو حتى في سنة سابقة، فابحث عن الآية الأخرى، ثم قارن الآيتين بدقة، واحسب الفروق بينهما، ويا حبذا لو ذهبتَ إلى كتب التفسير لتنظر السبب وراء هذا الاختلاف الطفيف بين الآيات، وأحيانًا يكون السبب واضحًا ومبيَّنًا في كتب التفسير، وأحيانًا لا تظهر لنا الحكمة من وراء الاختلاف، وعلى كل حال ستستفيد من المقارنة، وتستفيد من التفسير.
ومن أمثلة المتشابه:
1- قول الله -تعالى- في سورة الأنعام: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ [الأنعام: 151]، وقوله في سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [الإسراء: 31].
فالفروق بين الآيتين ثلاثة: ﴿ خَشْيَةَ ﴾ بدلاً من ﴿ مِنْ ﴾ - ﴿ نَرْزُقُهُمْ ﴾ بدلاً من ﴿ نَرْزُقُكُمْ ﴾ - ﴿ إِيَّاكُمْ ﴾ بدلاً من ﴿ إِيَّاهُمْ ﴾، فإن رجعت إلى تفسير الآيات وجدت تبريرًا واضحًا لطيفًا لهذا الاختلاف:
ففي الآية الأولى في سورة الأنعام يقول الله - عز وجل -: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾؛ أي: إنكم الآن في حالة فقر فعلاً، ومع ذلك لا تقتلوا أولادكم، فإن الله - عز وجل - سوف يرزقكم أنتم لرفع حالة الفقر الموجودة فعلاً، ويرزق معكم الأولاد ﴿ وَإِيَّاهُمْ ﴾، فقال: ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ ﴾ في حالة فقركم الآن، ﴿ وَإِيَّاهُمْ ﴾؛ أي: الأولاد.
ولكن في الآية الثانية في سورة الإسراء، فإن الله - عز وجل - يقول: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ﴾؛ أي: خوفًا من الفقر مستقبَلاً عندما ترزقون بالأولاد؛ أي: إنكم الآن لستم في فقر، وإنما تخافون الفقر مستقبلاً، فطمأنكم الله - عز وجل - أنه سيتكفَّل برزق هذا الذي سيأتي مستقبلاً وهو الولد، وسيرزقكم معه - إن شاء الله - فقال: ﴿ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ ﴾؛ أي: الأولاد، ﴿ وَإِيَّاكُمْ ﴾، وبغير أن تعرف التفسير سيكون من الصعب جدًّا تذكُّر الخاتمة الصحيحة للآية.
2- ما جاء في سورة البقرة: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58]، وما جاء في سورة الأعراف: ﴿ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 161]، ﴿ وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ ﴾ قيل بدلاً من ﴿ قُلْنَا ﴾، وليس هناك ﴿ لَهَمُ ﴾ - ﴿ اسْكُنُوا ﴾ بدلاً من ﴿ ادْخُلُوا ﴾ - ﴿ هَذِهِ الْقَرْيَةَ ﴾ مكررة بتمامها، ﴿ وَكُلُوا ﴾ بدلاً من ﴿ فَكُلُوا ﴾ - ﴿ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ ﴾ مكررة بتمامها، - وليس هنا رغدًا - ﴿ وَقُولُوا حِطَّةٌ ﴾ وهي هنا مقدمة على ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ﴾ - ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ﴾ بدلاً من ﴿ خَطَايَاكُمْ ﴾ - ﴿ سَنَزِيدُ ﴾ بدلاً من ﴿ وَسَنَزِيدُ ﴾ ﴿الْمُحْسِنِينَ ﴾ مكررة بتمامها.
3- ما جاء في سورة آل عمران: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]، ثم ما جاء في سورة الأنفال: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [الأنفال: 10] ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى ﴾ [الأنفال: 10]، بدون ﴿ لَكُمْ ﴾ - ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴾ بدلاً من ﴿ قُلُوبُكُمْ بِهِ ﴾ - ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ بدلاً من ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾.
4- في سورة النحل: ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 14]، أما في سورة فاطر: ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [فاطر: 12] ﴿ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ ﴾ بدلاً من ﴿ مَوَاخِرَ فِيهِ ﴾ - ﴿ لِتَبْتَغُوا ﴾ بدلاً من ﴿ وَلِتَبْتَغُوا ﴾ - ﴿ مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ مكررة بتمامها.
5- في سورة الأعراف: ﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [الأعراف: 111]، وفي سورة الشعراء: ﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ ﴾ بدلاً من ﴿وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [الشعراء: 36].
6- في سورة الكهف: ﴿ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 78]، وفي سورة الكهف أيضًا: ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82] ﴿ ذَلِكَ ﴾ بدلاً من ﴿ سَأُنَبِّئُكَ ﴾ - ﴿ تَأْوِيلُ ﴾ بدلاً من ﴿ بِتَأْوِيلِ ﴾ - ﴿مَا لَمْ تَسْطِعْ ﴾ بدلاً من ﴿ تَسْتَطِعْ ﴾ - ﴿ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ مكررة بتمامها.
7- مثال سابع متطابق تمامًا: في سورة النمل: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [النمل: 3]، وكذلك في سورة لقمان: ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [لقمان: 4].
والمتشابهات في القرآن كثيرة جدًّا، فهناك أكثر من ألفي آيةٍ فيها أحدُ أوجه التشابه! لدرجة أن كتبًا قد أُلِّفَت لتبحثَ فقط في المتشابهات، والفروق بينها، والحكمة من وراء الاختلاف الطفيف.
وفي هذه القاعدة أودُّ أن أشير إلى أمرين:
الأول: هو أنه لا ينبغي الالتفاتُ إلى المتشابهات إلا بعد إتقانِ الحفظ تمامًا، وإلا سيؤدِّي ذلك إلى اضطراب في الحفظ.
والثاني: أحيانًا تجد صعوبة في البحث عن الآية المتشابهة في القرآن، وهنا يمكنك الاستعانة بأحد هذه العوامل المساعدة لإيجاد الآية؛ مثل المعجم المفهرس للقرآن الكريم - القرآن الكريم المحمل على قرص كمبيوتر - أحد حفَّاظ القرآن الكريم.