أصبح الكثير من الجزائريين يلجؤون إلى الرقاة في كل مرة يصعب عليهم أمرٌ ما أو يتعذر عليهم الحصول على ما يريدونه أو ما كانوا يرجونه، إلا أنه في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة الرقية بالاعتماد على الأجهزة الإلكترونية والوسائل الحديثة في مقدمتها جهاز التلفزيون والهواتف الذكية والآيباد، وهو ما يبرز جليا هوس الجزائري بهذه التكنولوجيات إلى درجة الاستعانة بها، ليرقي نفسه أو أحد أفراد عائلته من خلال صوت المقرئ المحمَّل على هذه الأجهزة.
وقد عرفت هذه الظاهرة انتشارا كبيرا وسط المجتمع الجزائري، الذي أضحى متتبعا وفيا لكل ما يتعلق بالتكنولوجيات الحديثة التي يطلقها العالم الغربي، بل وصارت هذه الأخيرة تلازمه في كل أموره حتى الدينية منها، حيث يكتفي الكثيرُ منهم بتشغيل جهاز التلفزيون على قناة تختص في إذاعة السور القرآنية، أو وضع قرص مضغوط في جهاز الفيديو للاستماع إلى آيات الذكر الحكيم، بدل حمل المصحف بين يديه وتصفح السور والآيات القرآنية وترتيلها والتمعن في معانيها حتى يتذكّر الآخرة ويوم الحساب، فيعمل جاهدا على الالتزام وتجنب المعاصي.
وذهب البعض الآخر إلى أكثر من ذلك حينما أصبح يلجأ إلى هذه الأجهزة بغية رقية نفسه أو أفراد عائلته، حيث يقوم الكثيرون بتشغيل جهاز التلفزيون على قناة من قنوات الرقية الشرعية، التي عجّت بها القائمة التلفزيونية لمجموع الفضائيات، على الرغم من تحذير بعض الأئمة عبر العديد من المنابر من اتباع هذه الطريقة كحل للرقية الشرعية، إذ قال أحد الأئمة السعوديين إن الرقية لا تتم إلا بوجود إمام أو شخص يُحسن تلاوة آيات الذكر الحكيم، لأنه في حالة ما إذا كان الشخص مصابا بمس من الجن وهو يستمع لتلاوة المقرئ عبر شاشة التلفزيون أو الأيباد أو أي جهاز من الأجهزة الإلكترونية الحديثة، فإنه يمكن أن يتأثر ويقع طريحاً على الأرض ولن يجد من يسعفه في هذه الحالة.
وفي ظل التطور الحاصل في التكنولوجيات الحديثة، وكثرة الاختراعات في هذا المجال، تحوّل الكثيرون ممن كانوا يرقون من خلال الفضائيات المختصة في الرقية، إلى رُقية أنفسهم عن طريق السور المحمّلة على جهاز الأيباد والهواتف الذكية وغيرها من الأجهزة الحديثة التي غزت السوق الجزائرية.
وفي تعليقه على هذه الظاهرة عبر الشيخ "جلول قسول" إمام مسجد القدس بحيدرة، عن استيائه الكبير من ركض معظم الجزائريين وراء بعض الرقاة الذين أضحوا يمتهنون الرقية الشرعية ويجنون من خلالها الأموال. كما أكد أن القنوات المختصة في الرقية الشرعية أخذت منعرجا مخالِفا تماما لما أوتيت من أجله الرقية بالاعتماد على آيات القرآن الكريم، حيث قال إن هنالك أشياء مندسّة عبر هذه القنوات، التي يتجلى لك في ظاهرها رقية أما باطنها فهو عبارة عن شعوذة، مؤكدا أنه لا يوجد في ديننا الحنيف أصلا أمرٌ اسمه "الرقية" بالمفهوم الشائع في هذه الأيام، حيث كان السلف الصالح إذا أصيب بحرج ما أو أحس بضيق وقلق فإنه يقصد شخصا معروفا بصلاحه وتقواه ليسمع منه ترتيلا لبعض آيات الذكر الحكيم، لأن القرآن في حد ذاته شفاء من الأمراض. وعن الرقية باستعمال جهاز الأيباد والهواتف الذكية قال محدثنا إنها "غير جائزة وغير صحيحة ومخالفة تماما لما جاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة".