الغراب الأحمق
طار العندليبُ على فرع شجرة كبيرة، وراح يُغنِّي بصوته الحلو، ويُرفرِفُ بجناحَيْه في سعادة، تجمَّعت الطيور حوله تستمع لغنائه، وتُصغِي لصوته الجميل العَذْب، وهي مسرورة تتمايل طربًا، وتُصفِّق بجناحيها استحسانًا لصوته.
على الشجرة المقابلة وقف الغراب ينظر إلى العندليب في حسدٍ، ويقول في نفسه: إن هذا الطائر المغرِّد ذو حظٍّ عظيم، هذه طيور الحديقة جميعُها أقبلت كي تسمعَ غناءَه البديع، وها هي تُصغِي له وتُصفِّقُ إعجابًا به، وتُقبِل عليه وتُحيِّيه، فلماذا لا أفعل مثله كي أُطرِبَ الطيور فتلتفَّ حولي لسماعي والتصفيق لي إعجابًا بصوتي وغنائي؟!
انتظر الغراب حتى فرغ العندليب من غنائه، ثم بدأ يرفع صوته بقوة ويُغنِّي، كان صوته قبيحًا كئيبًا، حاول أن يُقلِّدَ العندليب فراح يُحرِّك رأسه وجناحَيْه، لكن صياحه ونعيبه كان مزعجًا، وشكله كان مضحكًا.
نظرتِ الطيورُ إليه في سخرية وقالت: أيها الغراب، أنت لم تُخلَق للغناء، ولا تملك الصوت الحسن، فلا تُقلِّد غيرك، عليك أن تبحث عن مواهبك أنت، وتعرف ما يصلح لك وما تصلح له.
رفض الغراب نصيحةَ الطيور، وظل ينعق بصوته القبيح، استاءت الطيور وطارت بعيدًا عن الحديقة وهي تُردِّد: هذا الغراب أحمق، وصوته كئيب لا نُطِيق سماعه.
نظر الغراب حوله فلم يجد أحدًا يستمع إليه، فكفَّ عن الصياح، ووقف صامتًا ينظرُ يمينًا ويسارًا باحثًا عن الطيور، ثم جلس وحيدًا حزينًا يُفكِّر، وندم على ما فعل وراح يلوم نفسه قائلاً: لقد ارتكبتُ حماقة كبرى عندما فكَّرت أن أُقلِّد العندليب، وأقوم بعمل لا أصلح له.
أقبل العندليب وتقدَّم من الغراب، ينصحه قائلاً له: أيها الغراب، يجب أن تعرف قدرك ولا تتجاوزه، وتعرف دورك في الحياة، فالنجاح والفلاح أن يعرفَ كلُّ مخلوق دورَه ويُؤدِّيه بإخلاص وجد، بدلاً من حسد الآخرين وتقليدهم تقليدًا أعمى، فيصبح أضحوكة، ويسخر منه الآخرون ويبتعدون عنه؛ فكل مخلوق ميسَّر لعمل شيء خُلِق من أجله.