قال المدير : تحت عنوان \" اكتشاف مقام الشيخ بركات \"
كتبت تقول :
ولد الشيخ بركات - قدس الله سره - عام 1100هـ وهو من سلالة سيدنا خالد بن الوليد.. وقد درس على عدد كبير من العلماء منهم فلان وفلان.. ولقد اشترك مع الجيش التركي في إحدى معاركه مع الصليبيين ..
ولما اشتد القتال مع الصليبيين .. استبد به الحماس فنفخ عليهم من فمه .. فآثار رياحاً وزوبعة ضخمة .. رفعت جيش الصليبيين مسافة مائة متر في الهواء .. وسقطوا جميعاً مضرجين بدمائهم..
قال سعيد : ما شاء الله !! ومن أين جاء الصحفي بهذه المعلومات الدقيقة عن الشيخ بركات ؟!!!
قال المدير : هذه حقائق .. أتظنه جاء بها من بيت أبيه ؟!!.. هذا تاريخ ..
قال سعيد : ولكن هذه دعوى وتحتاج إلى دليل.. فالبينة على من ادعى.. وعلي وعليك التثبت من صحة أي دعوى .. وإلا ادعى كل واحد منا ما يحلو له .. قبور .. أولياء .. كرامات ..
ثم صاح بهم سعيد .. يا جماعة .. بصراحة : مقام الشيخ بركات .. قضية مختلقة .. وإشاعة ملفقة .. اخترعتها أنا والأستاذ عادل .. لنثبت بها غوغائية الناس وجهلهم .. وعدم تثبتهم .. وهذا الأستاذ عادل أمامكم فاسألوه إن شئتم ..
فالتفتوا إلى عادل وقالوا : الأستاذ عادل رجل يحب الجدل مثلك .. وكل قضية يطلب عليها دليل.. وهو حاقد على الأولياء والصالحين ..
ومهما ادعيت أنت وعادل .. فنحن مؤمنون بأن الشيخ بركات - قدس الله سره - موجود من زمن الأجداد .. والدنيا لا تخلو من الأولياء والصالحين ومقاماتهم .. نعوذ بالله من الضلال !!
فسكت عادل وسعيد .. وقرع الجرس وانصرف الأساتذة إلى الدروس..
وسار الأستاذ سعيد مذهولاً مما رأى يحدث نفسه : الشيخ بركات .. كرامات .. معقول ؟ غير معقول !..
أيمكن أن يكون كل هؤلاء مخطئين !! ؟ والجريدة كاذبة ؟
غريب ! والمشايخ بالأمـس اجتمعوا في الـدوار وأقـاموا الحضـرة والاحتفال للشيخ بركات ؟
لكن الشيخ بركات اخترعه الأستاذ عادل !! أيمكن أن يكون الخرف أصابهم جميعاً؟ غير ممكن !! غير ممكن !!
وبدأت تتسرب إلى ذهن سعيد فكرة جديدة .. ربما أن الشيخ بركات موجود فعلاً .. وربما أن الأستاذ عادل يعلم ذلك مسبقاً .. لكنه أوهمه أنه هو الذي اخترع وجود الشيخ بركات ..
فكر الأستاذ سعيد في ذلك .. لكنه استعاذ من الشيطان ليبعد هذه الفكرة من عقله .. لكنه لم يفلح ..
وفي اليوم التالي .. استمر النقاش في المدرسة على هذا المنوال .. وكان العام الدراسي في أواخره .. وانتهت المناقشات بذهاب كل أستاذ إلى بلده عندما حانت العطلة الصيفية ..
* * * * * * * * *
وفي العام التالي ركب الأستاذ عادل والأستاذ سعيد الحافلة ذاهبين إلى المدرسـة في القرية ..
وكان الأستاذ عادل قد نسي الموضوع تماماً .. مع أنه هو الذي اخترع القضية وأشاعها ..
لكنه انتبه إلى الأستاذ سعيد وهو يتمتم بلسانه بأذكار وأدعية عندما اقتربوا من دوار القرية ..
وكم كانت دهشتهم كبيرة عندما وصلوا إلى الدوار .. فوجدوا بناءاً جميلاً لمقام الشيخ بركات ينتصب شامخاً على الدوار .. وبجانبه مسجد كبير فخم على الطراز المعماري التركي ..
ابتسم الأستاذ عادل وعلم أن الناس مساكين سفهاء .. وأن الشيطان قد أفلح في نشر الشرك بينهم ..
فالتفت إلى الأستاذ سعيد .. ليشاركه التبسم ..
لكنه فوجئ أن الأستاذ سعيد كان غائباً في ادعيته .. بل صاح سعيد بالسائق .. طالباً منه أن يتوقف قليلاً .. ثم رفع يديه وقرأ الفاتحة على روح الشيخ بركات ..( بتصرف من مقال في مجلة البيان العدد : ، للأستاذ : علي محمد ) .
* * * * * * * * *
ماذا يفعلون هناك ؟
يقصد كثير من القبوريين الأضرحة حاملين معهم الأغنام والأبقار .. والسكر والقهوة والشاي .. وأنواع الأطعمة إضافة إلى الأموال .. ليقدموها قرباناً إلى صاحب الضريح.. وقد يذبحون الأنعام تقرباً أيضاً للولي أو الشيخ.. ويطوفون بالقبر وبتمرغون بترابه.. ويطلبون قضاء الحوائج وتفريج الكربات منه..
بل تجد أن هؤلاء المفتونين .. يحلفون بالأموات والمقبورين .. فإذا أراد أحدهم أن يحلف على شيء لم يقبلوا منه أن يحلف بالله .. بل لو حلف بالله وقال : والله العظيم .. أو أقسم بالله .. ما قبلوا منه ولا صدقوه .. فإذا حلف باسم ولي من أوليائهم قبلوه وصدقوه ..
وقد آل الأمر ببعض هؤلاء إلى أن شرعوا للقبور حجاً.. ووضعوا له مناسك.. حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً وسماه : (مناسك حج المشاهد) مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام..
* * * * * * * * *
بل إنهم مبالغة منهم في البدعة والشرك .. جعلوا لزيارة الضريح آداباً ..
فينبغي أن يخلع الزوار نعالهم الضريح .. احتراماً لصاحب الضريح ..
ويتم دخول القبة بإذن من حارسها..
كما يتولى خادم الضريح (تطويف) الزوار حول الضريح كما يطوف المسلمون حول الكعبة ..
ويتبرك الزوار بالضريح والقبة بطرق شتى : فمنهم من يأخذ من ترابها.. ومنهم من يضع يديه على السياج المعدني الذي حول القبر ويتمسح بها.. ثم يمسح على جسده وملابسه.
وإذا دخلت الضريح رأيت أعاجيب العبادة لغير الله ..
دعاء المقبور والاستعانة به والإلحاح عليه في الدعاء ..
بل ترى المرأة ترفع طفلها .. وتهزه وهي تخاطب الشيخ المقبور راجية منه البركة في صغيرها ..
ترى من يسجد وهو مستقبل القبر ..
إضافة إلى تقديم النذور عند هذه القباب ..
ومن الناس من يعكف عند القبر أياماً وشهوراً .. التماساً للشفاء أو لقضاء حاجة .. وقد أُلحقت ببعض القباب غرف انتظار الزائرين لهذا الغرض ..
كما يظهر على الزائر الخشوع والسكينة والتأثر الذي قد يصل إلى حد البكاء..
فصار هؤلاء المقبورون آلهة من دون الله .. والله لا يرضى أن يعبه نبي ولا ملك .. فكيف إذا عُبد معه غيرهم ..
* * * * * * * * *
تشابهت قلوبهم ..
هؤلاء المقبورون لا يستطيعون نصر أنفسهم .. ولا نفعها ,, فضلاً عن نفع غيرهم ..
وما أقرب حال من يعظمونهم ويخافونهم .. من حال وفد ثقيف لما أسلموا فخافوا من صنم عندهم .. وهو لا يضر ولا ينفع ..
فقد ذكر موسى بن عقبة :
لما تمكن الإسلام في الناس .. بدأت القبائل ترسل وفودها لتعلن إسلامها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ..
فأقبل بضعة عشر رجلاً من قبيلة ثقيف .. إلى النبي صلى الله عليه وسلم .. فأنزلهم المسجد ليسمعوا القرآن ..
فلما أرادوا إعلان إسلامهم .. نظر بعضهم إلى بعض فتذكروا صنمهم الذي يعبدون .. وكانوا يسمونه الربة ..
فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم .. عن الربا والزنا والخمر فحرم عليهم ذلك كله ..
فأطاعوا .. ثم سألوه عن الربة .. ما هو صانع بها ؟
قال : اهدموها .. قالوا : هيهات !! لو تعلم الربة أنك تريد أن تهدمها .. قتلت أهلها .. ومن حولها ..
فقال عمر رضي الله عنه : ويحكم ما أجهلكم !! إنما الربة حجر ..
قالوا : إنا لم نأتك يا ابن الخطاب ..
ثم قالوا : يا رسول الله .. تولَّ أنت هدمها . أما نحن فانا لن نهدمها أبدا ..
فقال صلى الله عليه وسلم : سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها .. فاستأذنوه أن يرجعوا إلى قومهم ..
فدعوا قومهم إلى الإسلام .. فأسلموا ومكثوا أياماً .. وفي قلوبهم وجل من الصنم ..
فقدم عليهم خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في نفر من الصحابة ..
فأقبلوا إلى الصنم وقد اجتمع الرجال والنساء والصبيان ..
وهم يرتجفون .. وقد أيقنوا أنها لن تنهدم .. وسوف تقتل من يمسها ..
فأقبل عليها المغيرة بن شعبة .. فأخذ الفأس .. وقال لأصحابه :
والله لاضحكنكم من ثقيف .. فضربها بالفأس ..
ثم سقط يرفس برجله .. فصاح الناس .. وظنوا أن الصنم قتله ..
ثم قالوا لخالد بن الوليد ومن معه : من شاء منكم فليقترب ..
فلما رأى المغيرة فرحتهم بنصرة صنمهم .. قام فقال : والله يا معشر ثقيف .. إنما هي لكاع .. حجارة ومدر .. فاقبلوا عافية الله واعبدوه .. ثم ضربها فكسرها .. ثم علا الصحابة فوقها فهدموها حجراً حجراً ..
واليوم .. جميع هذه الأضرحة والقبور .. لو جاءها موحّد فهدما على رؤوس أصحابها لما استطاعت الانتقام لنفسها ..
* * * * * * * * *
كيف نشأ الشرك ..؟!
لو تأملت كيف نشأ الشرك على الأرض .. لوجدت أنه الغلو في الصالحين ورفعهم فوق منزلتهم ..
ففي قوم نوح ..كان الناس موحدين ..يعبدون الله وحده لا شريك له .. ولم يكن شرك على وجه الأرض أبداً
وكان فيهم خمسة رجال صالحين .. هم وُد وسواع ويغوث ويعوق ونسر .. وكانوا يتعبدون .. ويعلمون الننس الدين .. فلما ماتوا .. حزن عليهم قومهم .. وقالوا : ذهب الذين كانوا يذكروننا بفضل العبادة .. ويأمروننا بطاعة الله ..
فوسوس الشيطان لهم .. قائلاً : لو صوّرتم صورهم .. على شكل تماثيل .. ونصبتموها عند مساجدكم .. فإذا رأيتموهم ذكرتم العبادة فنشطتم لها ..
فأطاعوه .. فاتخذوا الأصنام رموزاً .. لتذكرهم بالعبادة والصلاح..!..
فكانوا فعلاً .. يرون هذه الأصنام فيتذكرون العبادة .. ومضت السنين .. وذهب هذا الجيل .. ونشأ أولادهم من بعدهم .. وكبروا وهم يرون آباءهم يثنون على هذه التماثيل والأصنام .. ويعظمونها .. لأنها تذكرهم بالصالحين ..
ثم نشأ قوم بعدهم .. فقال لهم إبليس: ( إن الذين كانوا من قبلكم كانوا يعبدونها .. وكانوا إذا أصابهم قحط أو حاجة لجئوا إليها ) فاعبدوها..
فعبدوها .. حتى بعث الله إليهم نوحاً عليه السلام .. فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً .. فما آمن معه إلا قليل .. فغضب الله على الكافرين .. فأهلكهم بالطوفان ..
هذا ما حدث في قوم نوح عليه السلام ..
فكيف نشأ الشرك في قوم إبراهيم ؟ كانوا يعبدون الكواكب والنجوم .. ويرون أنها تتحكم في الأكوان .. تكشف الكربات .. وتجيب الدعوات .. وتهب الحاجات ..
يعتقدون أن هذه الكواكب ( وسطاء ) بين الله وخلقه .. وأنهم موكول إليهم تصريف هذا العالم ..
ثم لم يلبثوا أن صنعوا أصناماً .. على صور الكواكب والملائكة ..
وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها أولاده فيبييعونها .. وكان يلزم إبراهيم للخروج لبيع الأصنام .. فكان إبراهيم ينادي عليها : من يشتري ما يضره ولا ينفعه ؟
فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم .. ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ..
ثم دعا أباه وقومه إلى نبذ هذه الأصنام .. فلم يستجيبوا له ..
فحطم أصنامهم .. فحاولوا إحراقه فأنجاه الله من النار ..
الوارثون للشرك ..؟؟
هذا حال قوم نوح وإبراهيم ..
واليوم نأتي إلى القبوريين فنسأل : كيف تبدأ علاقتهم بالقبر أو الضريح ؟ وكيف تنتهي بهم إلى الشرك ؟
تبدأ العلاقة بتقديس الأشخاص .. ذوي الصلاح والتقوى ..
ومن ثم : تستحب زيارة تلك البقاع .. ليس لتذكر الموت والآخرة .. بل لتذكر الشيخ الصالح والاعتبار به .. ثم دعاء الله عندها رجاء الإجابة .. ثم لمس القبر وتقبيله .. والتمسح به ..
ثم اتخاذه ( واسطة ) و ( وسيلة ) للاستشفاع به عند الله .. ويزعمون أن صاحب الضريح طاهر مكرم .. مقرب معظم .. له جاه عند الله .. بينما صاحب الحاجة متلطخ بالذنوب .. لا يصلح أن يدعو الله مباشرة .. فلا بدَّ أن يجعل صاحب القبر واسطة بينه وبين الله !!
ثم يقذف الشيطان في قلوب الزائرين .. يقول لهم :
ما دام هذا المقبور مكرماً فقد يعطيه الله تصرفاً وقدرة ..
فيبدأ الزائر يعظم المقبور في نفسه .. ويهابه .. ويرجوه ..
ثم بعد ذلك يدعوه .. ويستغيث به .. ثم يبني عليه مسجداً .. أو قبة وضريحاً ..
ويوقد فيه القناديل .. ويعلق عليه الستور .. ويعبده بالسجود له .. والطواف به .. وتقبيله واستلامه.. والحج إليه.. والذبح عنده.. ثم ينسجون حوله الكرامات .. والقصص والحكايات .. فهذه امرأة دعته فرزقت زوجاً .. والثانية أنجبت ولداً .. وهكذا ..
وبعضهم يردد قائلاً .. من زار الأعتاب ما خاب .. أي: من زار الأضرحة والأعتاب ( المقدسة ) .. قضيت حاجته ونال مراده..
بل سئل أحد التجار: لماذا تقسم للزبائن بضريح الشيخ .. ولا تقسم بالله ؟
فقال : إنهم هنا لا يرضون بالقسم باسم الله.. ولا يرضون إلا بالقسم بضريح سيدنا فلان ..
فانظر كيف صار تعظيمهم للضريح أكبر من تعظيمهم لله !!
وما دام الأمر كذلك .. فما الفرق بين كوم تراب .. وحجارة وأخشاب .. أو ضريح ومقام .. أو صور وأصنام .. أو أي شيء من المخلوقات؟.. لا فرق.. المهم وجود (السر) والتوجه إلى صاحبه!.. واعتقاد أنه يضر وينفع .. ويغني ويشفع ..
وما أقرب حال هؤلاء بما حكاه أبو رجاء العطاردي رضي الله عنه .. لما قال :
كنا في الجاهلية نعبد الأصنام .. والأحجار والأشجار ..
فكان أحدنا يعبد حجراً .. فإذا رأى حجراً آخر أمثل منه .. ألقى حجره وعبد الآخر ..
فإذا لم نجد حجراً جمعنا جُثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به..
فخرجنا مرة في سفر .. ومعنا إلهنا الذي نعبده .. حجر قد جعلناه في خُرج .. فكنا إذا أشعلنا ناراً لطعام فلم نجد حجراً ثالثاً للقدر .. وضعنا إلهنا .. وقلنا : هو أدفأ له إذا اقترب من النار ..
فنزلنا منزلاً يوماً .. وأخرجنا الحجر من الخُرج ..فلما ارتحلنا صاح صائح من قومي فقال : ألا إن ربكم قد ضل فالتمسوه ..
فركبنا كل بعير صعب وذلول نبحث عن ربنا ..
فبينما نحن نبحث إذ سمعت صائحاً آخر من قومي يقول : ألا إني قد وجدت ربكم .. أو رباً يشبهه ..
فرجعت إلى موضع رحالنا .. فرأيت قومي ساجدين عند صنم .. فأتينا فنحرنا عنده الإبل ..
فاعجب من جهلهم في جاهلية ما قبل الإسلام .. واعجب أكثر من جاهليتهم اليوم ..
بالله عليك ما الفرق بين يعبد حجراً .. ومن يعبد قبراً ..
بين من ينزل حاجاته بأصنام .. ومن ينزلها برفات وعظام ..
بين من يتعبد لقبور الأولياء .. ومن يتعبد لطين وماء ..
نعم كل هؤلاء يقولون : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ..
وهذا ما أوقع القبوريين في وثنية صريحة لا شك فيها ولا خفاء ..
* * * * * * * * *
أربعة اعتراضات ..
الأول :
قد يقول بعض المتعلقين بالقبور .. الداعين لها .. أنتم تشددون علينا .. فنحن لا نعبد الأموات .. لكن هؤلاء المقبورين أولياء صالحون .. لهم عند الله جاه ومكان .. فهم يشفعون لنا عند الله ..
فنقول : هذا هو شرك كفار قريش في عبادتهم للأصنام ..
فمشركو العرب كانوا مقرين بتوحيد الربوبية .. وأن الخالق الرازق المدبر هو الله وحده لا شريك له .. كما قال تعالى : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ ) [يونس: 31].
ومع ذلك قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم .. واستحل دماءهم .. وأموالهم .. لأنهم لم يفردوا الله عز وجل بجميع أنواع العبادة ..
والآيات القرآنية .. والأحاديث النبوية .. التي حذرت من عبادة غير الله .. بينت أن الشرك بالله هو أن يجعل العبد لله نداً شريكاً في العبادة سواءً كان صنماً أو حجراً .. أو نبياً أو ولياً أو قبراً ..
نعم الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئاً يختص به الله سبحانه سواءً أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية كالصنم والوثن .. أو أطلق عليه اسماً آخر كالولي والقبر والمشهد ..
ولو ظهرت علينا اليوم فرقة جديدة من الفرق .. وادعت أن لله صاحبة وولداً لصار حكمهم حكم النصارى .. وانطبقت عليهم الآيات التي نزلت في النصارى .. وإن لم يسموا أنفسهم نصارى .. لأن حكمهما واحد .. فكذلك عباد القبور اليوم ..
* * * * * * * * *
الثاني ..
وقد يعترض بعض المتعلقين بالقبور .. ويقولون :
نحن نتقرب إلى المقبورين .. من الأولياء والصالحين .. من أجل طلب الشفاعة.. فهؤلاء الموتى قوم صالحون كانوا في الدنيا صوامين في النهار .. بكائين في الأسحار .. فلهم جاه وقدر عند الله .. نحن نطلب منهم أن يشفعوا لنا عند الله ..
فنقول لهم .. يا قوم .. ويحكم أجيبوا داعي الله وآمنوا به ..
إن الله قد سمَّى اتخاذ الشفعاء شركاً .. فقال سبحانه : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) [يونس: 18].
ونقول لهم أيضاً .. نحن نؤمن معكم .. بأن الله تعالى أعطى الأنبياء والأولياء الشفاعة .. وهم أقرب الناس إليه .. لكن ربنا نهانا عن سؤالهم ودعائهم ..
نعم .. الأنبياء والأولياء والشهداء .. لهم شفاعة عند الله .. ولكنها ليست بأيديهم يشفعون لمن شاؤوا .. ويتركون من شاؤوا .. كلا .. بل لا يشفعون إلا بعد أن يأذن الله لهم .. ويرضى عن المشفوع ..
* * * * * * * * *
الثالث ..
وقد يعترض بعض المتعلقين بالقبور فيقولون ..
إن الكثير من المسلمين في القديم والحديث يبنون على القبور.. ويتخذون المشاهد والقباب.. ويتحرون الدعاء عندها .. فهل الأمة كلها على باطل .. وأنتم على الحق ..
فنقول لهم : أكثر هذه المشاهد والأضرحة مكذوبة .. لا تصح نسبتها إلى أصحابها.. كما تقدم ..
وأيضاً .. فإن البناء على القبور وتحري الدعاء عندها .. من البدع المنكرة ..
كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذّر ما صنعوا ) متفق عليه ..
* * * * * * * * *
الرابع ..
وهنا شبهة .. قد يقذفها الشيطان في بعض القلوب ..
وهي أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم قد ضُمّن المسجد النبوي دون نكير.. ولو كان ذلك حراماً لم يدفن فيه.. كما يحتجون بوجود القبة على قبره صلى الله عليه وسلم ..
والجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن حيث مات .. والأنبياء يدفنون حيث يموتون كما جاءت بذلك الأحاديث ..
فدفن في حجرة عائشة رضي الله عنها .. فلم يدفن في المسجد .. وإنما دفن في الحجرة .. هذا في أول الأمر ..
والصحابة رضي الله عنهم دفنوه في حجرة عائشة كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً .. كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .. قالت : فلولا ذلك أُبرِزَ قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ) أخرجه البخاري ومسلم ..
نعم دفن أول الأمر في بيت عائشة .. وكان بيت عائشة ملاصقاً للمسجد من الجهة الشرقية ..
ومضت السنوات .. والناس يكثرون .. والصحابة يوسعون المسجد من جميع الجهات .. إلا من جهة القبر ..
وسعوه من جهة الغرب والشمال والجنوب .. إلا الجهة الشرقية فلم يوسعوه منها لأن القبر يحجزهم عن ذلك ..
وفي سنة ثمان وثمانين .. أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبع وسبعين سنة .. وبعدما مات عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة .. أمر الخليفة الوليدُ بن عبد الملك بهدم المسجد النبوي لتوسعته .. وأمر بتوسعته من جميع الجهات .. وإضافة جميع حُجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .. عندها وسع من الجهة الشرقية .. وأدخلت فيه الحجرةَ النبويةَ حجرةَ عائشة رضي الله عنها .. فصار القبر بذلك في المسجد .. ( انظر: الرد على الأخنائي، ص 184، ومجموع الفتاوى، 27 ـ 323 ، تاريخ ابن كثير، 9/74 ) ..
فهذه قصة القبر والمسجد ..
إذن .. لا يصح لأحد أبداً .. أن يحتج بما وقع بعد الصحابة رضي الله عنهم .. لأنه مخالف للأحاديث الثابتة .. وما فهمه سلف الأمة.. وقد أخطأ الوليد بن عبد الملك – عفا الله عنه - في إدخاله الحجرة النبوية ضمن المسجد.. لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بناء المساجد على القبور .. وكان الأصل أن يوسَّعَ المسجد من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة النبوية ..
وكذلك القبة التي فوق قبره صلى الله عليه وسلم .. فإنها ليس بناؤها منه صلى الله عليه وسلم .. ولا من الصحابة رضي الله عنهم ولا من تابعيهم ولا تابعي التابعين ولا من علماء أمته وأئمة ملته.. بل هذه القبة المعمولة على قبره صلى الله عليه وسلم من أبنية بعض ملوك مصر المتأخرين .. وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملك المنصور في سنة 678هـ..(انظر: تحذير الساجد للألباني، ص 93، وصراع بين الحق والباطل، لسعد صادق ، ص 106 ، تطهير الاعتقاد، ص 43 ) .
* * * * * * * * *
نداء .. نداء ..
أقول للمتعلقين بالمقبورين .. يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ..
بالله عليكم .. هل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبراً.. أو يرجون بشراً ؟ أو يتوسلون بضريح ومقام ؟ ويغفلون عن الملك العلام ؟
وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته.. يسأله قضاء حاجة من الحاجات .. أو تفريج كربة من الكربات ؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين.. والصحابة والتابعين ؟
وانظر إلى الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه في المدينة النبوية .. لما أجدبت الأرض .. وانقطع القطر .. وشكوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه .. خرج بهم ثم صلى صلاة الاستسقاء .. ثم رفع يديه وقال :
اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا بدعاء نبينا لنا فأسقيتنا .. اللهم وإنا نتوسل إليك بدعاء عم نبيك صلى الله عليه وسلم .. ثم التفت إلى العباس رضي الله عنه وقال : قم يا عباس فادعُ الله أن يسقينا .. فقام العباس ودعا الله تعالى .. وأمن الناس على دعائه وبكوا وابتهلوا .. حتى اجتمع فوقهم السحاب وأمطروا ..
فانظر إلى الصحابة الكرام .. وهم أكثر منا فقهاً .. وأعظم محبة للنبي صلى الله عليه وسلم .. لما أصابتهم الحاجات .. ونزلت بهم الكربات .. ما ذهبوا إلى قبر نبيهم صلى الله عليه وسلم .. وقالوا : يا رسول الله !! اشفع لنا عند الله .. كلا .. فهم يعلمون أن دعاء الميت لا يجوز وإن كان نبياً مرسلاً .. أو ولياً مقرباً ..
فهم إذا أرادوا الحاجات .. التمسوا كشف الكربات بالدعوات الصالحات ..
فآهٍ ثم آهٍ .. لمساكين اليوم يزدحمون على عظام ورفات .. يلتمسون منها المغفرة والرحمات ..
يا قومنا .. ويحكم ..
هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل .. نهى عنها عبثاً ولعباً .. أم أنه خاف أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى ؟ بعبادة الصور والتماثيل ؟
وأي فرق بين من يعظم الصور والتماثيل .. وبين من يعظم الأضرحة والقبور .. ما دام كل منها يجر إلى الشرك.. ويفسد عقيدة التوحيد ؟
* * * * * * * * *
ومن وسائل الشرك .. الحلف بغير الله :
فلا يجوز الحلف بالكعبة .. ولا بالأمانة .. ولا بالشرف .. ولا ببركة فلان .. ولا بحياة فلان ..ولا بجاه النبي .. ولا بجاه الولي .. ولا بالآباء والأمهات .. كل ذلك حرام .. لأن الحلف تعظيم لا يصح إلا لله ..
وقد روى أحمد عن ابن عمر مرفوعاً : \"من حلف بغير الله فقد أشرك\" ..
وقال صلى الله عليه وسلم : من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ..
فإذا حلف بغير الله .. وكان الحالف يعتقد أن عظمة المحلوف به كعظمة الله فهو شرك أكبر .. وإن اعتقد أن المحلوف به أقل من الله .. فهو شرك أصغر ..
ومن جرى على لسانه شيء من هذا بغير قصد .. فكفارته أن يقول : لا إله إلا الله ، كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله ) ..
ومن كان الحلف بغير الله يجرى على لسانه .. فيجب أن يجاهد نفسه على تركه ..
وبعضهم يحلف بالله كاذباً .. ولا يجترئ أن يحلف بشيخه كاذباً ..
ومن شرك الألفاظ الذي يجري على ألسنة بعض الناس ..
كقول بعضهم : ما شاء الله وشئت .. أو : لولا الله وفلان .. أو : مالي إلا الله وأنت .. وهذا من بركات الله وبركاتك ..
والصواب أن يقول : ما شاء الله ثم فلان .. ولولا الله ثم فلان ..
* * * * * * * * *
ومن وسائل الشرك :
تعليق التمائم والحروز والأوراق والحجب .. خوفاً من العين وغيرها .. فإذا اعتقد أن هذه مجرد أسباب وطرق لرفع البلاء أو دفعه .. فهذا شرك أصغر ..
أما إن اعتقد أنها تتحكم وتدفع البلاء بنفسها .. فهذا شرك أكبر لأنه تعلق بغير الله .. وجعل لغير الله تصرفاً في الكون مع الله ..
والتمائم نوعان :
من القرآن : كمن يعلق قماشاً أو جلداً .. أو قطعة ذهب .. أو غيرها قد كتب عليه آيات من القرآن .. وهذه لا تجوز .. لأنها لم يرد فعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. وقد تجر إلى تعليق غيرها ..
والنوع الثاني : من غير القرآن .. كمن يعلق ما كتب عليه أسماء الجن .. ورموز السحرة .. وهذا من وسائل الشرك عياذاً بالله ..
قال ابن مسعود : من قطع تميمة من إنسان .. فكأنما أعتق رقبة ..
ورأى حذيفة بن اليمان رجلاً قد علق في يده حلقة من صفر ( حديد ) .. فقال له : ما هذا ؟
قال : من الواهنة .. أي خوف العين ..
فقال : انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً .. لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبداً ..؟؟؟
* * * * * * * * *
وكذلك الرقى .. وهي الأذكار والأوراد التي تقرأ على المريض ..
فالجائز منها ما كان بكلام الله أو بأسماء الله وصفاته .. مثل أن يقرأ الفاتحة والمعوذات على المريض .. أو يدعو بشيء مما ورد في السنة النبوية ..
أما ترديد أسماء الجن ..أو حتى ترديد أسماء الملائكة والأنبياء والصالحين ..فهذا دعاء لغير الله وهو شرك أكبر..
وكيفيتها : أن يقرأ وينفث عل المريض .. أو يقرأ في ماء ويسقاه المريض ..
* * * * * * * * *
ومن الشرك : ادعاء علم الغيب ..
فلا يعلم الغيب إلا الله وحده.. قال تعالى : { قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله } ..
فلا يمكن لأحد أبداً .. أبداً .. أن يعلم الغيب .. لا ملك مقرب .. ولا نبي مرسل ..ولا ولي متعبد .. ولا إمام متبع .. كلا .. كلا .. لا يعلم الغيب إلا الله ..
إلا أن يكون رسولاً يوحى الله إليه شيئاً من المغيبات .. كما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكائد الكفار له .. وأشراط الساعة .. ونحو ذلك ..
فمن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل .. كقراءة الكف أو الفنجان .. أو النظر في النجوم .. أو الكهانة أو السحر ..فهو كاذب كافر ..
وما يحصل من المشعوذين والدجالين من الإخبار بالمفقودات أو الغائبات .. وعن أسباب بعض الأمراض .. إنما هو باستخدام الجن والشياطين ..
وقد يذهب بعض ضعاف الإيمان إلى المنجمين فيسألهم عن مستقبله وعن زواجه .. وهذا حرام .. ومن ادعى علم الغيب أو صدق من يدعيه فهو مشرك كافر ..
ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات .. أو الاتصال هاتفياً على بعض من يدعي معرفة الغيب .. أو سؤالُهم .. كل ذلك حرام ..
* * * * * * * * *
ومن وسائل الشرك : السحر والكهانة والعرافة ..
والسحر هو : عزائم وكلام وأدوية وتدخينات .. وله حقيقة .. وقد يؤثر في القلوب والأبدان .. فيمرض .. ويقتل .. ويفرق بين المرء وزوجه ..
وهو من أعظم الذنوب : قال صلى الله عليه وسلم:(اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : وما هي ؟ قال : الإشراك بالله والسحر )..
فالسحر فيه استخدام الشياطين .. والتعلق بهم .. والتقرب إليهم بما يحبونه .. ليقوموا بخدمة الساحر .. وفيه أيضاً ادعاء علم الغيب .. وهذا كفر وضلال ..
لذا قال تعالى : { إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } ..
وحكم الساحر القتل .. كما فعل جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ..
والعجب أننا أصبحنا في زمان .. تساهل الناس فيه بالسحر .. وربما عدوا ذلك فناً من الفنون التي يفتخرون بها .. ويمنحون الجوائز لأصحابها ..
ويقيمون للسحرة الحفلات..والمسابقات..ويحضرها آلاف المتفرجين والمشجعين ..وهذا من التهاون بالعقيدة
وما أجمل أن يصنع بالساحر ما صنعه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ..
فإنه دخل على أحد الخلفاء فرأى بين يديه ساحراً .. يلعب بسيف في يده .. ويخيل للناس أنه يضرب يقطع رأس الرجل ثم يعيده ..
فجاء أبو ذر من اليوم التالي .. وقد لبس رداءه .. وخبأ سيفه تحته .. ثم دخل على الخليفة .. فإذا الساحر بين يديه يلعب بالسيف .. ويسحر أمام الناس .. وهم في عجب وإعجاب ..
فاقترب منه أبو ذر .. ثم أخرج سيفه فجأة ورفع وهوى به على رقبة هذا الساحر .. فأطار رأسه ..
فسقط الساحر صريعاً .. وقال أبو ذر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : حد الساحر ضربة بالسيف ..
ثم التفت إليه أبو ذر وقال : أحيي نفسك .. أحيي نفسك .. ؟؟؟
* * * * * * * * *
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) .
ومما يجب التنبه له : أن السحرة والكهان والعرافين يعبثون بعقائد الناس .. بحيث يظهرون بمظهر الأطباء .. فيأمرون المرضى بالذبح لغير الله .. بأن يذبحوا خروفاً صفته كذا وكذا .. أو دجاجة ..
وأحياناً يكتبون لهم الطلاسم الشركية .. والتعاويذ الشيطانية ..
بصفة حروز يعلقونها في رقابهم .. أو يضعونها في صناديقهم .. أو في بيوتهم ..
وبعضهم يظهر بمظهر الولي الذي له خوارق وكرامات .. كأن يضرب نفسه بالسلاح .. أو يضع نفسه تحت عجلات السيارة ولا تؤثر فيه ..
أو غير ذلك من الشعوذات .. التي هي في حقيقتها سحر من عمل الشيطان .. يجريه على أيديهم ..
وشياطينهم تخنس عند ذكر الله ..
كما ذكر أحد الشباب أنه سافر يوماً إلى إحدى الدول .. ودخل أحد مسارحها .. وأخذ ينظر إلى ما يسمى السيرك ..
قال : وبينما نحن ننظر إلى الألعاب المتنوعة .. فإذا بامرأة تأتي ثم تمشي على حبل بقدرة عجيبة .. ثم قفزت على الجدار .. ومشت عليه كما تمشي البعوضة .. والناس قد أخذ منهم العجب منها كل مأخذ .. فقلت في نفسي .. لا يمكن أن يكون ما تفعله حركات بهلوانية تدربت عليها .. صحيح أنا عاص .. لكني موحّد .. لا أرضى بمثل هذا فتحيرت ماذا أفعل ؟
فتذكرت إني حضرت خطبة جمعة عن السحر والسحرة .. وكان مما ذكر الشيخ أن السحرة يستعملون الشياطين .. وأن الشياطين يبطل كيدها .. وتفنى قوتها إذا ذكر الله ..
فقمت من على كرسيي .. ومضيت أمشي متجهاً إلى خشبة المسرح .. والناس يصفقون معجبين .. ويظنوني لفرط إعجابي .. أقترب من الساحرة ..
فلما وصلت إلى المسرح .. وصرت قريباً من هذه الساحرة .. وجهت نظري إليها ثم قرأت آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .. ) .. فبدأت المرأة تضطرب .. وتضطرب .. فوالله ما ختمت الآية إلا وقعت على الأرض .. وأخذت تنتفض .. وقام الناس وفزعوا .. وحملوها إلى المستشفى ..
وصدق الله إذ قال ( إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) .. وقال : ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) ..
* * * * * * * * *
ومن وسائل الشرك : تعظيم التماثيل والنصب التذكارية ..
والتماثيل جمع تمثال .. وهو الصورة المجسمة على شكل إنسان أو حيوان ..
والنصب التذكارية : تماثيل يقيمونها على صور الزعماء والعظماء .. وينصبونها في الميادين والحدائق ونحوها ..
وما وقع الشرك في الأرض إلا بسبب هذه التماثيل ..
أما ترى قوم نوح لما صنعوا تماثيل لرجال منهم .. لم يمض عليهم زمن حتى عبدوهم من دون الله ..
لذا نهى صلى الله عليه وسلم عن نصب التماثيل .. وعن تعليق الصور .. لأن ذلك وسيلة إلى الشرك ..
بل لعن صلى الله عليه وسلم المصورين .. وأخبر أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة .. وأمر بطمس الصور .. وأخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ..
* * * * * * * * *
ومن وسائل الشرك : التوسل البدعي :
كالتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم .. أو بذوات المخلوقين أو حقهم .. أو بطلب الدعاء والشفاعة من الأموات .. فلا يجوز أن يقول في دعائه : اللهم إني اسألك بجاه نبيك .. أو بحق فلان .. أو بروح الميت فلان .. كل هذا لا يجوز ..
والتوسل الجائز المشروع .. هو التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته .. كأن يقول : يا رحيم ارحمني .. يا غفور اغفر لي ..
وكذلك التوسل إلى الله تعالى بالإيمان والأعمال الصالحة .. كأن يقول اللهم بإيماني بك وتصديقي لرسلك .. أدخلني جنتك ..
والتوسل إلى الله بدعاء الصالحين الأحياء .. كأن يطلب من عبد صالح حي .. أن يدعوا الله له .. فإن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب .. أما طلب الدعاء من ميت في قبره .. فلا يجوز ..
* * * * * * * * *
فكل ما سبق هو من حقوق الله على عباده .. لا يجوز صرفه لغير الله تعالى ..
ومن الإيمان بالله أيضاً :
اعتقاد أن الله رب كل شيء وأنه المستحق للعبادة ..
وله الأسماء الحسنى والصفات العلى .. { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ } ..
ونؤمن بأن الله يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء .. كما قال : { وكلم الله موسى تكليما } .. والقران وجميع الكتب السماوية .. هي كلام الله ..
ونؤمن بأن الله عالٍ على خلقه بذاته وصفاته ..
وبأنه خلق السموت والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش .. واستواؤه على العرش يليق بجلاله وعظمته لا يعلم كيفيته إلا هو عز وجل ..
ومع أنه عالٍ على عرشه .. إلا أنه يعلم أحوال خلقه .. ويسمع أقوالهم .. ويرى أفعالهم .. ويدبر أمورهم ..
ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة .. قال تعالى : { وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة } ..
وكل ما أخبر الله به في كتابه وما أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات ربنا فنحن مؤمنون بها .. مصدقون بحقيقتها .. على الوجه اللائق به عز وجل ..
* * * * * * * * *
والإيمان بالملائكة :
أن الله خلقهم من نور .. ووكلهم بأعمال يقومون بها ..
وهم عباد لا يعصون الله ما أمرهم .. ويفعلون ما يؤمرون .. هم أكثر منا عدداً .. وأكثر خوفاً وتعبداً ..
روى البخاري ومسلم أن في السماء بيتاً يسمى بالبيت المعمور يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك فيصلون ثم يخرجون منه .. ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ..
وصحّ عند أبي داود والطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( أُذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله عز وجل من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرةُ سبعمائة عام ) ..
يتبع ..