إصلاح المال
د. يحي بن إبراهيم اليحي
أقسام الناس في المال:
1- جعل الدنيا أكبر همه فراح فلا يبالي أجمعها من حلال أم من حرام.
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ».
2- يتحرى الحلال في كسبه ولكن شغلت الدنيا أكثر وقته وصيطرت على تفكيره.
3- جمع المال بحقه وأنفقه في حقه فهذا بخير المنازل.
4- أخرق، لا يحسن التصرف فضيع الدنيا وأصبح عالة على الناس يتفضلون ويتصدقون عليه.
5- جعل شغله وعمله في المسألة فأذل نفسه وأهرق ماء وجهه.
6- فتح على نفسه المسألة من أجل الدعوة وخدمة الإسلام، فكانت أعماله أكثر من إمكاناته ولم يعر أي اهتمام لقضية الاستثمار وتغطية نفقاته.
خطر المال وفتنته:
{يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور}.
{إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.
روى الترمذي عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ سَمِعْتُ r يَقُولُ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ. قال البخاري: بَاب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}.
روى البخاري عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ r فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: «هَذَا الْمَالُ» وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ قَالَ لِي: «يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى».
روى البخاري عن ابن عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ».
وروى البخاري عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْئًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ».
روى الإمام أحمد والترمذي والدارمي عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَيُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ.
هوان الدنيا على الله:
روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ فَقَالَ: فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ».
وينظر في عيش الرسول r ولباسه.........
وعن عبيد الله بن محصن الأنصاري الخطمي قال: قال رسول الله r: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» رواه الترمذي.
وعن أنس قال رأيت بين كتفي عمر أربع رقاع.
وعن زيد بن وهب قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى السوق، وبيده درة، وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة، بعضها من أدم. (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص109).
المال محاسب عليه عند الدخول والخروج:
في الترمذي والدارمي عن أبي برزة السلمي قال: قال رسول الله r: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من بين يدي ربه عز وجل حتى يسأل عن ماله، من أين اكتسبه، وفيم أنفقه» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص28).
حظ المسلم من المال:
روى أحمد ومسلم عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ يَقُولُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ».
المال الصالح ومنزلته وآثاره:
في المسند وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله r: «نعم المال الصالح للمرء الصالح» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص32).
أنزل المال لخدمة الدين
روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: «كُنَّا نَأْتِي r إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَيُحَدِّثُنَا فَقَالَ لَنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ إِنَّا أَنْزَلْنَا الْمَالَ لِإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَلَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِ ثَانٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَادِيَانِ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ إِلَيْهِمَا ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ».
أخذ المال بحقه معونة على الطاعة:
روى مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله r: «إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه فنعم المعونة هو».
روى البخاري عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ r: «وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ».
الإنفاق في وجهه:
عن ابن مسعود عن النبي r قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها» متفق عليه.
وعن عبدالله من عمرو أن رجلا سأل رسول الله r: أيّ الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» متفق عليه.
روى مسلم وأحمد عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ r فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا فَوَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَاقَةَ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَجِيءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ دِينُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ أَوْ أَعَزَّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا».
عن ميمون بن مهران قال: «عاد ناس عبد الله بن عامر بن كريز، فتوجع عبد الله وخاف ما بين يديه، فقال له من عنده: ما رأينا رجلاً أكثر عطاءً ولا صدقةً منك - وابن عمر ساكت - فقال عبد الله: ما تقول يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا طاب الكسب زكت النفقة وسترد فترى» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص17).
يصل فيه رحمه ويتقي فيه ربه:
وعن أبي كبشة عمر بن سعد الأنماري أنه سمع رسول الله r يقول: «ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، أو كلمة نحوها. وأحدثكم حديثًا فاحفظوه قال: إنما الدنيا لأربعة نفر:
عبد رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو بنيته، فأجرهما سواء.
وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في مال بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل.
وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء» أخرجه أحمد والترمذي.
يسبقون غيرهم في الدرجات:
وعن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله r، فقالوا: «ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ فقالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله r: أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ماصنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون، وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله r، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله؟ فقال رسول الله r: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» متفق عليه.
وقال محمد بن المنكدر: «نعم العون على الدين الغنى» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص37).
البركة في المال:
روى مسلم عن أبي سعيد أن رسول الله r قال: «من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله مثل الذي يأكل ولا يشبع».
وفي المسند عن خولة بنت قيس أن رسول الله r قال: «إن هذا المال حلوة خضرة، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه، من مال الله ورسوله، ليس له يوم القيامة إلا النار».
يكف به وجهه ويصل به رحمه:
روى ابن أبي الدنيا عن سعيد بن المسيب قال: «لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصل به رحمه، ويعطي منه حقه» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص35).
وقال أيضًا: «ينبغي للعاقل أن يحب حفظ المال في غير إمساك، فإنه من المروءة، يكف به وجهه، ويكرم نفسه، ويصل منه رحمه» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص36).
يحفظ عليه دينه:
وقال سفيان لما رؤي في يده دنانير وقيل له في ذلك قال: «لولا هذه تمندل بنا هؤلاء» يعني الملوك. (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص41).
وقال أيضًا: «المال في هذا الزمان سلاح المؤمن» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص42).
وقال أيضًا: «كنا نكره المال للمؤمن، وأما اليوم فنعم الترس: المال للمؤمن» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص43).
ولهذا جاء الترغيب في العمل والاحتراف:
قال سفيان: «من كان معه شيء فقدر أن يجعله في قرن ثور فليفعل، فإن هذا زمان إذا احتاج الرجل فيه إلى الناس، كان أول ما يبذل دينه» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص41).
وليس العمل دلالة على حب الدنيا فقد قال الحسن: «ليس من حبك الدنيا طلبك ما يصلحك فيها..» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص42).
عن رافع بن خديج قال: «يا رسول الله r أي الكسب أطيب؟ قال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور» رواه البخاري.
وروى البخاري عن المقدام بن معديكرب أنه سمع رسول الله r - ورآه باسطًا يده - يقول: «ما أكل أحدكم طعامًا أحب إلى الله عز وجل من عمل يده».
كان محمد بن سيرين إذا أتاه رجل من العرب قال له: «ما لك لا تتجر؟ كان أبو بكر تاجر قريش» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص73).
وعن عائشة قالت: «كان أبو بكر من أتجر قريش حتى دخل في الإمارة» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص75).
وفي الحديث: «تسعة أشعار الرزق في التجارة» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص73).
وأخرج الترمذي وابن ماجة عن ابن عمر أن النبي r قال: «التاجر الصدوق الأمين المسلم، مع الشهداء يوم القيامة» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص73).
قال عمر بن الخطاب: «يا معشر القراء ارفعوا رؤوسكم فقد وضح الطريق، فاستبقوا الخيرات، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص74).
قال حماد بن زيد: سمعت أيوب يقول: «لو أعلم أن عيالي يحتاجون إلى جزرة بقل، ما قعدت معكم» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص76).
وقال أيوب: «كان أبو قلابة يأمرني بلزوم السوق والصنعة، ويقول: إن الغنى من العافية» (كتاب إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص76).
وقال سعيد بن المسيب: «كان أصحاب رسول الله r يتجرون في بحر الروم، منهم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص76).
وعن الهيثم بن جميل قال: «قلت لابن المبارك: أتجر في البحر؟ قال: اتجر في البر والبحر، واستغن عن الناس» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص77).
وعن ابن عمر قال: «إذا لم يرزق أحدكم في البلد، فليتجر إلى بلد غيره» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص77).
لقي رجل الحسن بن يحيى بأرض الحبشة، معه تجارة، فقال له: «ما الذي بلغ بك هاهنا؟ فأخبره، فعذله الرجل. فقال: أكل هذا طلب للدنيا، وحرص عليها؟ فقال له الحسن: يا هذا إن الذي حملني على هذا، كراهة الحاجة إلى مثلك» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص78).
قال معاوية: «أنا أعلم أرخص ما يباع في السوق وأغلاه، قيل: وكيف؟ قال: أعلم أن الجيد رخيص، والرديء غال» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص86).
أمثلة من الصحابة:
كرم عظيم وزهد كبير:
عن سعدى بنت عوف امرأة طلحة قالت: «قسم طلحة في يوم مائة ألف درهم، ثم حبسه عن الرواح، أن جمعت له بين طرفي ثوبه، كان متحرق الوسط، فقطته ثم أخرجت وسطه ولفقته» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص46).
قال عبد الله بن الزبير: «قال لي الزبير: اشتر لي سرح بني فلان بالحيرة وإن بلغ عشرة آلاف. فقلت: عشرة؟! فقال: وإن بلغ عشرين ألفًا. قلت: سبحان الله! قال: وإن بلغ ثلاثين ألفًا فاشتره، إني والله لأن أعطي مالي أحب إليّ من غصبة أغصبها. فقلت: ما هذا إلا تكاثر الناس وفخرهم! فقال: إنه والله ما بالدنيا بأس، ما تدرك الآخرة إلا بالدنيا، فيها يوصل الرحم، ويفعل المعروف، وفيها يتقرب إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة، فإياك أن تذهب أنت وأصحابك فتقعوا في معصية الله عز وجل ثم تقولون: قبح الله الدنيا، ولا ذنب للدنيا» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص48).
قال رجل لأبي حازم سلمة بن دينار: «إني لأجد شيئًا يحزنني. قال أبو حازم: وما هو يا ابن أخي؟ قال: حبي الدنيا. فقال لي: اعلم يا ابن أخي إن هذا الشيء ما أعاتب نفسي على حب شيء حببه الله تعالى إلي ; لأن الله عز وجل قد حبب هذه الدنيا إلينا، ولكن لتكن معاتبتنا أنفسنا في غير هذا، أن لا يدعونا حبها إلى أن نأخذ شيئًا من شيء يكرهه الله، ولا أن نمنع شيئًا من شيء أحبه الله، فإذا نحن فعلنا ذلك لا يضرنا حبنا إياها» (الحلية 3\244).
وأخرج البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: «قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي r بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّني على السوق. فربح شيئًا من أقط وسمن، فرآه النبي r بعد أيام وعليه وَضَر من صفرة، فقال النبي r:مَهْيم يا عبد الرحمن؟ قال: يا رسول الله، تزوجت امرأة من الأنصار قال: فما سقت فيها؟ فقال وزن نواة من ذهب. فقال النبي r: أولم ولو بشاة» (الفتح 7\317).
وأخرج ابن أبي الدنيا: «أن إمرأة عبد الرحمن بن عوف صولحت بثمنها بثمانين ألفا» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص51).
إصلاح المال وحسن التدبير فيه:
في الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال: «سمعت رسول الله r ينهى عن وأد البنات، وعن عقوق الأمهات، وعن منع وهات، وعن قيل وقال، وعن كثرة السؤال، وعن إضاعة المال».
سأل معاوية الأحنف فقال له: «ما تعدون المروءة فيكم؟ قال: التفقّه في الدين، وبرّ الوالدين، وإصلاح المال. فأرسل معاوية إلى يزيد فقال: اسمع من عمك» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص53).
وقال معاوية: «إصلاح مال في يديك، أفضل من طلب الفضل من أيدي الناس، وحسن التدبير مع الكفاف أحب إليّ من الكثير» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص45).
وقال عمر: «أيها الناس، أصلحوا أموالكم التي رزقكم الله عز وجل، فإن إقلالاً في رفق، خير من إكثار في خرق» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص54).
وقال أحيحة بن الجلاح: «اتقوا الله في أموالكم فإنكم لن تزالوا كرماء على عشيرتكم، ما داموا يعلمون أنكم مستغنون» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص56).
أتى قوم قيس بن سعد بن عبادة فسألوه حمالة، فرأوه في حائط له يلتقط التمر والحشف، ويميز كل واحد على حدة، فقالوا: ما عند هذا خير، ثم كلموه، فقضى حاجتهم، فقالوا: ما أبعد هذا من فعلك الأول؟ فقال: إنما أعطيكم من هذا الذي أجمع» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص56).
وقال هشام بن عبد الملك: «ثلاث لا تصغر الشريف: تعاهد الضيعة، وإصلاح المعيشة، وطلب الحق وإن قل» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص57).
وفي صحيح مسلم كان من دعائه r: «اللهمّ أصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي».
وفي الحديث المخرج في سنن الترمذي والمستدرك عن عبد الله المزني قال رسول الله r: «إذا اشترى أحدكم لحمًا، فليكثر مرقته، فإن لم يصب لحمًا أصاب مرقًا».
وعن سالم بن أبي الجعد أن رجلاً صعد إلى أبي الدرداء، وهو يلتقط حنطة، فقال: إن من فقهك رفقك بمعيشتك» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص64).
وقال أحد السلف: «حسن التدبير مفتاح الرشد، وباب السلامة الاقتصاد» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص69).
وعن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال: «لما قسم سهل بن حنيف بيننا أموالنا، قال: ابن أختي إني موصيك بوصية، إن أخذت بها فهي خير لك من مال أبيك لو خلوت به، اعلم أنه لا مال لأخرق، ولا عيلة على مصلح، واعلم أن خير المال ما أطعمك ولم تطعمه وإن قلّ، واعلم أن الرقيق جمال وليس مالاً، فإن الماشية مال أهلها، وإن النضج تعول الأرض ليس بمال، إنما كان أحدنا في الجاهلية يقوم فيه بنفسه وزوجته وبنيه، ثم يرد بمزيه وحببته عليهم، فلما ركبت فيه الدواب، وأشربت فيه الأدهان، ولبست فيه الثياب قصر أهله، فإن كنت لا بد متخذا شيئا، فاتخذ مزرعة، إن نشطت إليها زرعتها، وإن تركتها لم تغرمك شيئًا» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص93).
في الصحيحين: «من خير أعمالكم الحرث والغنم، وهو من عمل الأنبياء، وصاحب الحرث يؤجر في كل ما أصيب منه بعمله أو بغير عمله، حتى أنه يؤجر فيما ضرب الطير وجرت النملة والذرة» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص91) يرجع إليه.
وفي الصحيحين عن أم بشر قالت: قال رسول الله r: «ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه إنسان، أو سبع أو طائر، إلا كان له صدقة».
الاقتصاد في المال:
عن سفيان الثوري في قوله تعالى: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا} قال: «لم يجعلوه في غير حقه، فيضيعوه. {ولم يقتروا} قال: لم يقصروا عن حقه. {وكان بين ذلك قوامًا} عدلاً وفضلاً».( إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص100).
وقال عمر بن الخطاب: «كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص101).
وعن عبيد الله بن حميد قال: مر جدي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعليه بردة فقال: بكم ابتعت بردك هذا؟ قال: بستين درهما. قال: كم مالك؟. قال: ألف درهم. قال: فقام إليه بالدرة، فجعل يضربه ويقول: رأس مالك ألف درهم، وتبتاع ثوبا بستين درهما؟ رأس مالك ألف درهم، وتبتاع ثوبا بستين درهما؟
وعن أنس قال: قال عمر رضي الله عنه: «إنه لا جديد لمن لا خلق له». (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص112).
وقال معاوية: «ما رأيت تبذيرًا إلا وحقًا مضيعًا» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص101).
وقال النعمان بن بشير: «إن للشيطان مناصب وفخوخًا، ومن مناصب الشيطان وفخوخه: البطر بأنعم الله عز وجل والفخر بعطاء الله عز وجل والكبرياء على عباد الله عز وجل واتباع الهوى في غير ذات الله عز وجل» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص102).
وفي المسند عن عبد الله قال: قال رسول الله r: «ماعال مقتصد» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص102).
المال الحرام أضراره وآثاره:
قال ابن القيم: «ما أخذ العبد ما حرم عليه إلا من جهتين: إحداهما سوء ظنه بربه، وأنه لو أطاعه وآثره لم يعطه خيراً منه حلالاً، والثانية أن يكون عالماً بذلك وأن من ترك لله شيئاً أعاضه خيراً منه، ولكن تغلب شهوته صبره وهواه عقله، فالأول من ضعف علمه والثاني من ضعف عقله وبصيرته». (كتاب الفوائد ص26).
تساهل الناس بكسب المال:
وفي المسند عن أبي هريرة عن النبي r قال: «يأتي على الناس زمان لا يبالي العبد بحلال أخذ المال أم بحرام» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص27).
قال r: «إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته» رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وأبونعيم عن جابر، والبزار عن حذيفة، والحاكم عن ابن مسعود، وأبو نعيم عن أبي أمامة، زاد المعاد 1\78.
قال ابن القيم: جمع النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في قوله «فاتقوا الله وأجملوا في الطلب» بين مصالح الدنيا والآخرة ونعيمها ولذاتها، إن ما ينال بتقوى الله وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشديد والتعب والعناء، والكد والشقاء في طلب الدنيا إنما ينال بالإجمال في الطلب، فمن اتقى الله فاز بلذة الآخرة نعيمها، ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها - فالله المستعان.
قد نادت الدنيا على نفسها
لو كان في ذا الخلق من يسمع
كم واثق بالعيش أهلكته
وجامع فرقت ما يجمع
{فائدة} جمع النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم بين المأثم والمغرم فإن المأثم يوجب خسارة الآخرة، والمغرم يوجب خسارة الدنيا. (كتاب الفوائد ص77).
حرمان استجابة الدعاء:
روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله - عز وجل - أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} قال: ثم ذكر عبدًا أشعث أغبر، يطيل السفر، رافعًا يديه: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لهذا».
عدم قبول النفقة منه:
في البخاري أن رسول الله r قال: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول».
يتحول إلى عبد للمال:
عن أبي هريرة عن النبي r قال: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض» رواه البخاري.
المال يجلب الهموم ويشعبها:
في المستدرك وسنن ابن ماجة أن رسول الله r قال: «من كثر ماله كثر همه، ومن كثر همه افترق قلبه في أودية شتى، فلم يبال الله عز وجل أيها سلك، ومن كان همه همًا واحدًا كفاه الله عز وجل هموم الدنيا» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص25).
فساد للدين:
وفي المسند والترمذي والدارمي وغيرها عن كعب بن مالك قال: قال رسول الله r: «ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم أفسد به من حرص الرجل على المال والشرف لدينه».
انتزاع البركة فيه والحرمان من لذته:
قال الأوزاعي:
المال يذهب حله وحرامه
يومًا ويبقى بعده آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه حتى
يطيب طعامه وكلامه
وبال عليه في الآخرة:
عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: «أيما مال لم يطع الله فيه، ولم يعط حقه، جعله الله عز وجل شجاعًا له زبيبتان ينهسه من قبل القفا، فيقول: ما لي ولك؟ فيقول: أنا الذي جمعتني لهذا اليوم، أنا الذي جمعتني لهذا اليوم حتى يضع يده في فيه فيقضمها» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص29، وأصله في الصحيحين، وأخرجه أحمد بمعناه عن ابن عمر).
عن أبي سعيد أن رسول الله r قال: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرًا قط؟ هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ صبغة في الجنة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مرّ بك شدة قط؟ فيقول: لا، والله، ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط» رواه مسلم.
«هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة» رواه مسلم.
المسألة:
الترغيب في العفاف:
الصحة خير من المال:
في المسند والمستدرك و في الأدب المفرد للبخاري أن رسول الله r قال: «لا بأس بالغنى لمن اتقى الله عز وجل، والصحة لمن اتقى الله عز وجل خير من الغنى، وطيب النفس من النعم» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص32).
وعن أبي هريرة عن النبي r: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي r: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه» رواه مسلم.
وعن حكيم بن حزام أن النبي r قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله» متفق عليه.
روى البخاري عن الزبير أن النبي r قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله، ثم يأتي الجبل، ثم يجيء بحزمة من حطب، فيبيعها فيستغني بثمنها، خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه».
روى البخاري ومسلم عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ».
روى أبو داود وابن ماجة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ فَقَالَ أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ قَالَ بَلَى حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ قَالَ ائْتِنِي بِهِمَا قَالَ فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إِلَى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا فَأْتِنِي بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ نُكْتَةً فِي وَجْهِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ» ورواه أحمد والترمذي والنسائي مختصرًا.
وعن الضحاك بن مزاحم قال: «شرف المؤمن: صلاة في جوف الليل، وعزه: استغناؤه عن الناس» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص96).
وعن عمر بن الخطاب: «مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص97).
وقال أبو وائل: «الدرهم من تجارة أحب إلي من عشرة من عطايا» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص76).
أخطار المسألة وأضرارها:
ترك العمل طريق المسألة:
وقال سعيد بن المسيب: «من لزم المسجد، وترك الحرفة، وقبل مايأتيه، فقد ألحف في السؤال» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص76).
الخضوع والخنوع للبشر:
كان يقال: «ما أقبح الخضوع عند الحاجة، وما أقبح الجفاء عند الغنى» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص70).
يلق الله وليس في وجهه مزعة لحم:
وعن ابن عمر عن النبي r: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس في وجهه مزعة لحم» متفق عليه.
يده سفلى:
وعن ابن عمر أن رسول الله r قال وهو على المنبر، وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: «اليد العليا خير من اليد السفلى. واليد العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة» متفق عليه.
مسألته جمر يوم القيامة:
وفي مسلم عن أبي هريرة عن النبي r قال: «من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا، فليستقل أو ليستكثر».
لا تسد حاجته وفاقته:
وعن ابن مسعود قال رسول الله r: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن.
وأخطره إن كانت المسألة مقابل الدين:
روى مسلم عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ كُنْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَمَرَّ أَبُو ذَرٍّ وَهُوَ يَقُولُ: «بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِكَيٍّ فِي ظُهُورِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ وَبِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ قَالَ ثُمَّ تَنَحَّى فَقَعَدَ قَالَ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ قَالَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا شَيْءٌ سَمِعْتُكَ تَقُولُ قُبَيْلُ قَالَ مَا قُلْتُ إِلَّا شَيْئًا قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّهِمْ r قَالَ قُلْتُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْعَطَاءِ قَالَ خُذْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِكَ فَدَعْهُ».
أخرج ابن أبي الدنيا عن عبد الله بن يزيد الباهلي أنه قال لأبي ذر: «إن أعطياتنا قد ارتفعت اليوم وبلغت، فهل تخاف علينا منها شيئًا؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن تكون أثمان دينكم، فإذا كانت أثمان دينكم فدعوهم وإياها» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص29).
وسأله الأحنف فقال: «ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه اليوم فإن فيه منعة، فإذا كان لدينك فدعه» (إصلاح المال لابن أبي الدنيا ص29).
لاتجوز المسألة إلا لثلاثة:
وعن أبي بشر قبيصة بن المخارق قال: «تحملت حمالة فأتيت رسول الله r أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها. ثم قال: ياقبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال: سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال سدادًا من عيش. فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتًا» رواه مسلم.
وسيلة للشكر والعفاف:
روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه».