أما بعد: ومن أشراط الساعة معاشر المسلمين، استكمالاً لما سبق، وما زلنا في علامات الساعة الصغرى وبقي علينا الكبرى، انتشار وكثرة شرب الخمر في هذه الأمة، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، نعم ولا غرابة أن يستحل بعض هذه الأمة ما حرم الله، روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أشراط الساعة)). وذكر منها: ((ويشرب الخمر)). وعند الإمام أحمد وابن ماجة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه)). لقد ابتلي عدد غير قليل من المسلمين بشرب الخمر والعياذ بالله، وابتلي به أكثر أصحاب الأموال والترف، وأصحاب الوجهات، لأسباب منها: أن الحصول عليه يحتاج إلى ميزانية، لارتفاع سعره، وهذا ما لا يتمكن منه الفقير الفاسق، ومنها :أن هذه الطبقة من المجتمع، تقليداً لأشباههم الكفار الغربيين، يعتبرونه من مكملات الوجاهة ومن تتمات البروتوكولات – زعموا – لكن مع ذلك الفرق كبير بين المُقلِدّ والمُقَلَّد، فالكفار مع كفرهم، لكنهم أعقل ممن قلدوهم من المسلمين في تناول الخمر، يذهبون عقولهم لكن بعقل، وفي أوقات محددة، وبعضهم تحت إشراف طبيب، أما أصحاب الترف، وأصحاب الملذات واللعب من هذه الأمة، مع كونهم مسلمين، ومع أنهم يعلمون حرمته، لكنهم يذهبون عقولهم بغير عقل، نسمع عن بعضهم أنهم لا يشربون الخمر بالكأس بل بالسطل، حيوانية وبهيمية متناهية، وبعضهم يبقى بالأربع والخمس أيام فاقداً للوعي، لا يترك لنفسه فرصة ولا دقيقة واحدة ليعود إليه عقله. لقد كثر الخمارين في أوساط الناس، وكثر أيضاً الخمارات، وكل هذا تحقيقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، أما كثرة الخمارين، فإن الواقع يشهد لذلك، قبيل سنوات، كان المبتلى بالخمر، لا أحد يعرف عنه، يتستر حتى من أهل بيته، أما الآن، فلكثرة البلوى به، أصبح عند الناس تبلد إحساس وعدم اكتراث بهذا الأمر، فلا يبالي إذا عرف الناس عنه أنه يتعاطى المسكرات ذهب الحياء حتى من الناس، أصبحنا نسمع في واقعنا وكأن الأمر عادي جداً فلان أتانا وهو سكران، فلان يشرب في بيته، فلان .. وهكذا وكأن الأمر لا شيء، أما كثرة الخمارات، فلو اتيحت لك فرصة أن تجلس لبضع دقائق مع أحد أعضاء الهيئات، ليعطيك بعض أخبار الخمارات، فأظنك لا تصدق العدد في البلد الواحد، كالخبر مثلاً ليس بالآحاد، بل بالعشرات وربما أكثر، مصانع داخلية في الشقق والبيوت، وأكثر البلوى والمصائب كما بلغنا من العمالة الأجنبية، فهم سبب لكثير من المفاسد في البلد، يجتمع العشرة وربما أكثر في الشقة الواحدة، وليس بينهم متزوج، ومع غياب متابعة الكفيل، يفعلون كل شيء، فيفتحون لهم مصنعاً، وأحياناً يكون السبب هو الكفيل نفسه إذا أخرّ رواتبهم، وهم بحاجة إلى المال، ماذا يفعلون؟ فيغريهم الشيطان إلى مثل هذه الطرق، لكن المصيبة على من يبيعون؟ تتم البيعة على أولاد البلد، ممن يتوفر في أيديهم المال، فاتقوا الله عباد الله، الأب يتابع ولده، والكفيل يتابع ومكفوله وكلنا نكون رجال هيئة، نتعاون مع الأعضاء الرسميين، لنخفف الشر المنتشر في كل مكان. أيها المسلمون: لقد تحقق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم في انتشار الخمر، وليس أعظم انتشاراً من أن تباع جهاراً ونهاراً، وتشرب علانية في بعض البلدان الإسلامية، وتحت غطاء رسمي يحمي ذلك كله، فلا حول ولا قوة إلا بالله. من كان يتصور أن يصل الحال بالمسلمين، أن يرضوا ببيع الخمر في بلادهم، الكفار حكوماتهم كافرة، وليس بعد الكفر ذنب، ولكن العجب فيمن يدعي الإسلام، ثم يرضى ببيع الخمر بين المسلمين، إن كان استحلالاً، فإن من استحل الخمر كافر، يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل كافراً مرتداً، تضرب عنقه، ثم لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يرمس بثيابه في حفرة بعيدة، لئلا يتأذى المسلمون برائحته، وأقاربه بمشاهدته، ولا يرث أقاربه من ماله، وإنما يصرف ماله في مصالح المسلمين، ولا يدعى له بالرحمة، ولا النجاة من النار، لأنه كافر مخلد في نار جهنم إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا . هذا المستحل، أما غير المستحل فهو عاصي لله فاسق خارج عن طاعته، مستحق للعقوبة، وعقوبته في الدنيا الجلد، وقد كان يفتي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن من تكرر منه شرب الخمر فإنه يقتل في الرابعة، عند الحاجة إليه، إذا لم ينته الناس بدون القتل. وهذا والله عين الفقه، فإن الصائل على الأموال إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، فما بالكم بالصائل على أخلاق المجتمع، وصلاحه وفلاحه، لأن ضرر الخمر لا يقتصر على صاحبه، بل يتعداه إلى نسله ومجتمعه، ولعل هذه الفتوى أنسب فيمن يسمحون ببيع الخمور في ديار المسلمين. ومن أشراط الساعة: زخرفة المساجد والتباهي بها، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أشراط الساعة أن يتباهى الناس بالمساجد)) رواه النسائي وابن خزيمة بسند صحيح. وعند الإمام أحمد: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)). زخرفة المساجد، هو نقشها، وعلة النهي والله أعلم أن ذلك علامة الترف والتبذير والإسراف، إضافة إلى أنه يشغل الناس عن صلاتهم، أضف إلى ذلك قول ابن عباس كما في صحيح البخاري أنه من عمل اليهود والنصارى: ((لتُزخرفُنّها كما زخرفت اليهود والنصارى)). لهذا ولغيره ورد النهي، لمّا أمر عمر بن الخطاب بتجديد المسجد النبوي على عهده، نهى عن الزخرفة وأكد على ذلك فقال: ((أكنّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ، فتفتن الناس)). رحم الله الفاروق عمر، فإن من أتوا بعده، لم يأخذوا بوصيته، ولم يقتصروا على التحمير والتصفير، بل وتعدوا ذلك إلى النقش كما ينقش الثوب. معاشر المسلمين: إن التباهي في بناء المساجد، صار أمراً ظاهراً لكل أحد، ومنذ القديم، والسلاطين والملوك والخلفاء، يتباهون في بناء المساجد وتزويقها وزخرفتها، حتى أتوا وعلى مر التاريخ بالعجب، ولا زالت بعض هذه المساجد قائمة حتى الآن في الشام ومصر وتركيا، وبلاد المغرب والأندلس والهند، وغيرها. ولا تزال هذه العادة مستمرة إلى يومنا هذا، التباهي، والزخرفة، الأول يبني مسجداً يتباهى بأنه صاحب أطول مئذنة في العالم، والثاني أكبر قبة، والثالث أوسع، والرابع أجمل، والخامس أحسن، المهم أنه على وزن أفعل – ما في العالم، ويمكن أن يلحق ما هو على وزن أفعل: أسوء، وأقبح، إذا كان مخالفاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. إن عمارة بيوت الله جل وتعالى إنما تكون، بالطاعة والذكر والصلاة، وتحقيق ما وجدت المساجد في هذا الدين من أجله، يكفي في المسجد أن يقي الناس الحر والبرد والمطر. إن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في وقته من جريد النخل لكنه كان مكاناً للصلاة والذكر، وكان مقراً لاجتماع مجلس الشورى، وكانت قاعدة عسكرية، ينطلق منها جحافل الإيمان إلى أصقاع المعمورة، يفتحون البلاد وينشرون دين الله، وكانت جامعة تخرج منها الفقهاء والمحدثين والمفسرين، وكانت مأوى للفقراء والمساكين، كأهل الصفة وغيرهم. إلى غير ذلك مما وجد المسجد في الإسلام لأجله، أما اليوم فصحيح أن مساجدنا، أطول، وأكبر، وأوسع، و .. و .. لكن المقاصد الشرعية الأخرى للمساجد عطلت، فأصبح أسوء، وأبشع، وأبعد من السنة. لقد جاء الوعيد من نبيكم بالخبر الصحيح بالدمار إذا زخرفت المساجد وحليت المصاحف، روى الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم)). والذي عليه الشافعية كما نقله المناوي رحمه الله: (أن تزويق المساجد ولو الكعبة بذهب أو فضة حرام مطلقاً، وبغيرهما مكروه). فنسأل الله جل وتعالى العفو والعافية. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . نفعني الله وإياكم. . . |