أمريكا تطويها السنن
دروس عجاب من آيات الكتاب..
أضواء على الأسباب في إنزال العقاب
سامي محمد صالح الدالال
إن المتأمل في حـال الولايات المتحــدة يكاد لا يشـك أنها قد تتعرض إلى عقاب إلهي مدمر، شديد الوطأة، عظيم التأثير، واسع الانتشار، يتناول الناس والحيوان والجمادات، ربما تنهار بسببه الأبنية والمنشآت، أو تتشرذم وحدتها إلى كيانات، والله ـ تعالى ـ أعلم بما هو آت !!.
ما ذكرته أعلاه لا يدخل في باب الكهانة ولا التنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية وما نزل في ذلك من الآيات، في إيقاع العقوبة الإلهية بمن تحققت فيه الصفات: من تكبر وتجبر وافتئات. ولعلنا نبين حال هذه الدولة الآن قبل أن ينزل عليها وابل العذاب من الرب الشديد العقاب.
* أســباب التدمير الإلهي:
نعدد فيما يلي الأسباب التي لأجلها تستحق الولايات المتحدة التدمير الإلهي.
1 - الكفر والصد عن سبيل الله بعد إقامة الحجة:
إن الولايات المتحــدة هي دولة أهــل كتاب؛ فالمسلمون فيها لا يتجاوزون 5% وهم (أي الأمريكيون) مأمورون كغيرهم من عموم أهل الكتاب بتوحيد الله تعالى، وتنزيهه عن الولد، وبالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لكنهم ركبوا رؤوسهم ولم يستجيبوا لــدعوة ربهم. قال ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] . وقـد تولوا؛ وليس لهم في توليهم حجة، بل قــد قامــت عليهم البينة، كما قال ـ تعالى ـ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْـمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ( 1 ) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ( 2 ) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة: 1 - 3] وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار»(1). وقد تبين لكل أحد، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 1002م، أن دعوة الإسلام قد دخلت بيت كل أمريكي ابتداءً من رئيسها وإدارته إلى الأفراد العاديين من الشعب الأمريكي؛ فالحجة عليهم قائمة. ولم تكتف الولايات المتحدة بالكفر بالإسلام بل وضعــت كل إمكاناتها للصـد عن سبيل الله بكل وجه استطاعـته. فلهذا اندرجت في سنة الله في إهلاك الكافـرين والـذين هم عن سبيل الله من الصادين. قـال ـ تعالى ـ: { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ } [آل عمران: 4]. وقـال ـ تعالى ـ: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } [آل عمران: 56] . وقال ـ تعالى ـ: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } [الأنفال: 36]. وقال ـ تعالى ـ: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 44]. وقال ـ تعالى ـ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 1] . فكل من يكفر ويصد عن سبيل الله مستحق للعقاب الشديد من الله تعالى، ولن تغني عنه قوته وسطوته شيئاً إذا جاء أمر الله تعالى. قال الله ـ عز وجل ـ: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 116].
2 - التأله:
لقـد ادعت أمريكا لنفسها من القــدرات ما لا يليق إطلاقه إلا على الله تعالى؛ فهي تمارس عـلاقاتها مع كافة دول العالم على طريقة فرعون عندما قـال : {يَا أَيُّهَا الْـمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]. وعندما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات: 24]. وعندما قال: { مَا أُرِيكُمْ إلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]. فلما وقع للولايات المتحدة مثل هذا الادعاء، ليس بلسان المقال، بل بلسان الحال، كان لا بد أن تتعرض لعقاب الملك الديان؛ ذلك أن خطابها مع كافة حكومات وشعوب المعمورة كان منطلقاً من جوف هذا الشعور المملوء بالغطرسة والتجبر، وكأنها تقول إنها تعز من تشاء وتذل من تشاء، كما وقع ذلك حين خاطب الرئيس الأمريكي بوش رئيس باكستان مشرف بقوله: أمامك خياران: إما أن تدخل في حلف الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، وإما أن نعيد باكستان إلى العصر الحجري !! وحالها أيضاً كحال النمرود عندما قـال لإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ: { أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258] كيف؟ قال: آتي بإنسان حي فأقتله، وآتي بإنسان محكوم عليه بالقتل فأعفو عنه. وهكذا تفعل الولايات المتحدة؛ فمن تريد قتله سلطت عليه آلتها الحربية الجبارة من أمثال الطائرات B 25 أو صواريخ توماهوك (كروز) فأبادته وأحالت أرضه يباباً، ومن أرادت إبقاءه حياً عفت عنه. هكذا هو منطوقها ومفهومها. أي كما يفعل الإله. فسبحان الله ـ تعالى ـ عما يدعيه المتألهون. فبسبب ممارستها ما لا يحق لأحد أن يقوم به إلا الإله الحق استحقت أن يحيق بها العذاب الإلهي، كما حاق بفرعون عندما ادعى الألوهية. قال ـ تعالى ـ: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الذاريات: 40]. وقال ـ تعالى ـ: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137] .
3 - الـذنوب:
صحيح أن الذنوب قد تقع من أي إنسان أو أمة، إلا أن الولايات المتحدة هي أبرز من يقود العالم نحو الموبقات، ومن أهمها الاقتصاد العالمي القائم على البنوك الربوية والبورصات المالية، ثم ما تنفذه من مخططات لتغيير السلوك السوي لدى بني الإنسان من خلال إنتاجها للأفلام الإباحية وأفلام الجريمة، المفعمة جميعها بكل ألوان الانحرافات التي تخطر على بال الإنسان أو لا تخطر. وقد تولت هوليود كبر هذه الطامات العامة الشاملة. هذا إضافة لفرض آرائها الضالة وأفكارها الشاذة في السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها على معظم دول العالم مع تدخلها في الشؤون الداخلية لتلك الدول ومحاولة تغيير هويتها وخصوصياتها تحت مسمى «العولمة». هذا فضلاً عن تهديداتها باستعمال القوة ضد أي دولة تتمرد على السير وفق المخطط الذي تضعه لها ملوِّحةً للجميع بتواجد قواتها في كافة القارات وجميع المحيطات وفي الفضاء وآفاق السموات، وأنها لن تتورع عن استخدامها ضد كل من يقف حائلاً دون تحقيق مصالحها الأنانية الخاصة بها دون غيرها.
ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك، بل أخضعت جميع الأنظمة الحاكمة في العالم لتتبنى الديمقراطية كأسلوب لممارسة الحكم، وأن الدول التي لا تفعل ذلك تعتبر دولاً مارقة. فلهذه الذنوب العظيمة، وغيرها كثير جداً، مما لا يتسع المقام لذكره وتعداده فإن هذه الدولة المتجبرة المتكبرة قد وضعت نفسها في موضع من يستحق أن ينزل عليه الغضب الإلهي والعقاب الرباني، حيث إن سنة الله ـ تعالى ـ قد جرت على هذا النحو في كل من يقترف أمثال هذه الموبقات في الأمم السالفات.
قال ـ تعالى ـ: {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40]. وقال ـ تعالى ـ: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11]. وقال ـ تعالى ـ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ } [الأنعام: 6] . وقال ـ تعالى ـ: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِـــمْ وَمَا كَانَ لَهُـــم مِّـنَ اللَّهِ مِــــن وَاقٍ} [غــافــــــــــــــــر: 21]. وقال ـ تعالى ـ: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا}
[الشمس: 14 - 15].
فهذه الآيات تبين سنة الله في أخذه الأمم والدول بذنوبهم التي يقترفونها، محادين في ذلك لما جاءهم من الله ـ تعالى ـ على ألسنة أنبيائه ورسله. وإن الولايات المتحدة ليس لها عهد عند الله ـ تعالى ـ خاص بها لتستثنى من هذه السنن المضطردة؛ فلذلك يصيبها ما يصيبها بما اقترفت أيديها من الذنوب المهلكات.
4 - الظلم:
لا يختلف اثنان على الحجم الهائل للظلم الذي أوقعته أمريكا على الدول والشعوب والأفراد؛ فهي إضافة للظلم الذي تمارسه من خلال تدخلاتها وضغوطها السياسية، فإنها تضيف إلى ذلك استعمال قواها العسكرية. إن ذكر مسلسل الظلم الأمريكي للبشرية يمتد عبر قرون وذلك منذ إنشائها. فقد مارس المهاجرون الأوائل إليها جميع ألوان التنكيل والقتل والتشريد بالسكان الأصليين لتلك البلاد ممن أطلق عليهم الهنود الحمر. وأما في العصر الحديث فإن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح الذري الرهيب مرتين ضد دولة واحدة هي اليابان في كل من هيروشيما ونغزاكي؛ حيث أبادت الملايين من البشر. ثم بعد الحرب العالمية الثانية استمرت في ممارسة هذا المسلسل الإجرامي الدامي إما بشكل مباشر كما فعلت في فيتنام والعراق ولبنان وكوسوفا والصومال وإيران، وكما لا تزال تفعله الآن في أفغانستان وفي دعمها لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، أو بشكل غير مباشر كما تفعله في دعمها للعدوان الروسي الغاشم على بلاد الشيشان، وكما تفعله في استخدامها للأمم المتحدة لتمرير مخططاتها الإجرامية بحق الدول والشعوب، كالذي حصل لتيمور الشرقية. ولأنها استمرأت الظلم فأصبح جـزءاً لا يتجزأ من ممارساتها المتعجرفة فإنها شرعت باستخدام قوتها ونفوذها للتأثير في أسعار البترول وفي تجميد أو مصادرة أموال دول وشركات ومؤسسات وأفراد، وفي اصطناع حروب بين الدول لإنعاش حركة الصناعة الحربية في معاملها. ولم تكتف أمريكا بذلك بل مدت ظلمها إلى الأفراد الإسلاميين والجماعات الإسلامية متذرعة بحجج لا أدلة لها فيها، كما فعلت بالشيخ عمر عبد الرحمن الذي أودعته سجونها دون توفير أدنى متطلبات الحقوق الإنسانية له رغم كبر سنه ومعاناته لعدد من الأمراض. وكما فعلت في تأليبها للأنظمة الحاكمة في كثير من بلاد العالم على الجماعات الإسلامية لتقزيم أنشطتها أو إيقافها بالكلية مع اصطناع وتلفيق التهم لها بالتآمر ليودع أفرادها السجون، ولتمارس ضدهم مختلف وسائل التعذيب. وبعد أحداث 11 سبتمبر 1002م التي عجزت الحكومة الأمريكية عن تقديم أدلة مقنعة أنها من صنع القاعدة، أعلنت الولايات المتحدة مشروعها الظلامي والذي اســـمته الحــــرب على الإرهـــاب، ولا تقصد من ذلك في الحقيقة سوى ضرب حركات الجهاد الإسلامي أو من يدعمها، فشنت هذه الحرب الضروس الظالمة على طالبان وشعب الأفغان؛ وذلك في إطار مسلسل يتناول الشيشان وكشمير والفلبين وفلسطين وغيرها من الدول والجماعات والتنظيمات. ولقد جمعت أمريكا تحت عباءتها معظم دول العالم ليصبح الظلم ظاهرة عالمية مدعومة بما سموه بالشرعية الدولية، تمارسه هذه الدولة العاتية ومعها حلفاؤها من أعضاء الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان ودول أخرى ضد الشعوب الإسلامية المستضعفة، بغية القضاء على دينها وامتصاص ثرواتها والهيمنة على ممتلكاتها واستثماراتها والسيطرة على أراضيها. إنه ظلم عالمي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لم يشهد له العالم مثيلاً على مر قرونه وتعاقب دهوره، فاستحقت لأجل ذلك كله، مما ذكرته ومما لم أذكره (وهو كثير جداً جداً)، أن ينزل عليها غضب الملك الحق الواحد القهار. وما كان لأمريكا أن تنجو من هذه العقوبة؛ وذلك بسبب ظلمها الفادح وجورها الصارخ، ولأن عقوبة الله ـ تعالى ـ للظالمين، سواء كانوا أفراداً أو شعوباً أو دولاً أو أمماً، هي سنة جارية مضطردة مستمرة، لا تزول ولا تحول. ولأن هذه التصرفات الظالمة لم تقتصر على الحكومة الأمريكية فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى الشعب الأمريكي نفسه، حيث دلـت الاستفتاءات التي أجريت في شهر رمضان 2241هـ أن 58% من الشعب الأمريكي يؤيدون حكومتهم في حربها الظالمة الغاشمة المدمرة علــى شــعب أفغانستان المستضعــف. فلذلك فإن عقــاب الله ـ تعالى ـ لا يقتصر على الحكومة الأمريكية فحسب بل يمتد في قوته وعنفه ليشمل هذا الشعب الظالم المتكبر.
قال ـ تعالى ـ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].
وقال ـ تعالى ـ: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِـمُونَ } [القصص: 59].
وقال ـ تعالى ـ: { إنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِـمِينَ } [العنكبوت: 31] .
وقال ـ تعالى ـ: {فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِـمِينَ}
[إبراهيم: 13].
وقال ـ تعالى ـ: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَـمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِـمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف: 59].
فأحد أسباب هلاك الأمم والدول أن أهلها ظالمون. وإذا وقع عذاب الله عليهم فإنه لا يتناول الشعب فقط، أي بني الإنسان، في تلك المدن أو الدول، بل هو شامل لكل ما فيها من حضـــــارة وعمارة؛ فالإهــــلاك يقـــع عليهم جميعــاً كما قال ـ تعالـى ـ: {فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِـمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ} [الحج: 45] . قال الضحاك: أي قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها(1). وقال ـ تعالى ـ: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ } [هود: 82]. أي يعذبها الله ـ تعالى ـ عذاباً قاصماً، كما قال ـ عز وجل ـ: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِـمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء: 11]. فيصبحون عبرة للمعتبرين. قال ـ تعالى ـ: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِـمِينَ} [يونس: 39]. إن عقوبة الأمم الظالمة تكون إما برجز ينزل عليهم من السماء، كنيازك أو صاعقة، كما قـال ـ تعالى ـ: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ} [البقرة: 59]. وكما قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153]. أو بإغراقهم بالطوفان، كما قال ـ تعالى ـ: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ} [العنكبوت: 14]. وكما قال: {وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إنَّهُم مُّغْرَقُونَ} [المؤمنون: 27]، أو بإرسال الصيحة عليهم، كما قال ـ تعالى ـ: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود: 67] . أو بالريح كما قال ـ تعالى ـ: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: 117]. أو أي عقوبة أخرى، كما قال ـ تعالى ـ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: 227]. وكما قال ـ تعالى ـ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمـــل: 50 - 52] ، أو كما قال ـ تعالى ـ: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165].
5 - البطر:
وهو كفر النعمة. وكفرها يكون إما بجحد المنعم بها وإما بعدم شكره أو باستخدامها في غير ما خلقت لأجله - كصناعة الخمر من العنب، وكالمتاجرة بالجنس، وكتصنيع السلاح لإخضاع الأمم ظلماً وعدواناً، وكتوجيه الأبحاث العلمية فيما فيه ضرر على الإنسانية كالاستنساخ البشري، وما أشبه ذلك.
إن المتفحص لأسلوب ومنهج حياة الأمريكيين يرى أن جميع هذه الطامات الكفرية موجودة فيهم، كل بحسبه، لكنهم جميعاً مشتركون في انتهاج البطر أسلوباً لحياتهم، ومعلوم أن البطر سبب من أسباب هلاك الأمم. قال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّنْ بَعْدِهِمْ إلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58]. قال ابن كثير: بطرت معيشتها، أي طغت وأشرت وكفرت نعمة الله فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال ـ تعالى ـ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْـجُوعِ وَالْـخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِـمُونَ} [النحل: 112 - 113]، وقوله {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} أي رجـعـت خـراباً ليس فيها أحد(2).
ومن أنواع البطر التباهي بالقوة والجبروت واستخدام ذلك للتعدي على الإسلام وعلى الداعين إلى الله وللصد عــن سبيل الله. وهو ما تفعله أمريكا، وتشجع وتؤيــد حلفاءها على فعله واقـترافه. قال ـ تعالى ـ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 47]، فهذه أمريكا قد جالت في البحار والأجواء والبراري بحاملات طائراتها ومدمراتها وبطائراتها وصـورايخها، وبدباباتها ومدرعـاتها متباهية بذلك أمـام شعــوب العالم ومرهبة لهم ليسمعوا لها ويطيعوا. وحالهم كحال قريش عندما خرجوا لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم في بدر؛ إذ قال أبو جهل: لا والله! لا نرجع حتى نرد ماء بدر وننحر الجزر ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان، فكان عاقبة ذلك أن هزمهم الله ـ تعالى ـ شر هزيمة، وأنزل بهم أمحق عقاب فتشرذموا بين قتيل وأسير وفار مذعور، فانكسرت شوكتهم وحزنت نفوسهم. ولذلك نقول إن هذا الصولجان الحربي الذي رفعته الولايات المتحدة في وجه أمم الأرض، بطرة به، قد يحل به من العقاب الإلهي ما يعطل مفعوله ويخمد أنفاسه فيصبح كخردة الحديد (سكراب). وكانوا قد أعدوه للبطش بالدول والشعوب، تماماً كما وصف الله ـ تعالى ـ حال عاد عندما قال لهم نبيهم هود ـ عليه السلام ـ: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 128 - 130].
فهلاَّ اعتبرت الولايات المتحدة بعبر التاريخ، ونظرت في حال الأمم السالفة التي مارست البطش ضد عمــوم البشـــر فكان ذلك سبباً لإهلاكهـم! قال ـ تعالى ـ: {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} [الزخرف: 8]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِـمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ق: 36 - 37]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّـــنْ أَحَــــدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُـــمْ رِكْــــزًا} [مــريم: 98]. وقال ـ تعالى ـ: {كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] قال ابن عباس: «ليس بحين نداء ولا نزاع ولا فرار» أي «نادوا النداء حين لا ينفعهم».
6 - الترف والإسراف:
معلوم لدى جميع قاطني المعمورة أن أعظم دولة تعيش حالتي الترف والإسراف هي الولايات المتحدة الأمريكية. إنه ترف وإسراف في كل شيء، في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمركب والأثاث والترفه (السياحة، الرياضة، الأفلام ـ سينما أو فيديو أو تلفزيون ـ، الإنترنت، وغيرها كثير...)، ومما يساعدها على ذلك أن معدل دخل الفرد فيها هو أكبر معدل بين جميع دول العالم. وقد بين الله ـ تعالى ـ أن من أسباب إهلاكه الأمم ترفهم وإسرافهم، قال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِـمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إنَّا كُنَّا ظَالِـمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 11 - 15]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِءْيًا} [مريم: 74] . وقال ـ عز وجل ـ: {قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 32 - 34]. وقال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}
[طه: 127].
إن الشعب الأمريكي بسبب ما هو فيه من الترف والإسراف استشعر لنفسه التميز دون بقية شعـوب الأرض. وهذا هو شأن المسرفين على مدى التاريخ؛ إذ كان ذلك هـو أحد أسباب تصدي الملأ لأنبيائهم، كما قال ـ تعالى ـ: {وَقَالَ الْـمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا...} الآية، إلى أن قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْـحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِـمِينَ} [المؤمنون: 33 - 41] . وكما قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34]، وكما قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف: 23]. فكما تصدى المترفون لأنبيائهم، كذلك هو حال الأمريكان المترفين الآن؛ فإنهم يتصدون للحق وللإسلام في جميع أنحاء العالم، ولذلك فإنهم قد أتوا فعلاً من الأفعال التي يهلك الله ـ تعالى ـ بها الأمم. قال ـ تعالى ـ: {وَإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
7 - الاستكبار والغرور:
لسنا بحاجة إلى سَوْق النقولات الكثيرة التي صرح بها المسؤولون الأمريكيون المتعاقبون والتي تدل على شدة صلفهم وعتو استكبارهم وعظم غرورهم. إن الحرب العالمية الثالثة التي أعلنتها أمريكا ضد ما سمته الإرهاب ما هو إلا تعبير عن هذه الغطرسة والتكبر والتجبر. إن الشعب الأمريكي وحكومته في عجرفتهم وفي استكبارهم على الحق وعلى أمم الأرض ساروا على نفس منوال الأقوام الذين تصدوا لأنبيائهم ورسلهم، والذين جاء وصفهم في القرآن في آيات كثيرة منها:
قال ـ تعالى ـ: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ}
[الأعراف: 76].
وقال ـ تعالى ـ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ}
[المؤمنون: 45 - 46].
وقال ـ تعالى ـ: {قَالَ الْـمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِيـنَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَ لَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88].
وقد قادت الولايات المتحدة الاستكبار العالمي باسم الأمم المتحدة والشرعية الدولية ضد المستضعفين المسلمين، وخاصة حربها ضد طالبان ومن معهم من شعب الأفغان، فاستحقت التأهيل لأن ينزل بها عقاب الله ـ تعالى ـ الساحق الماحق. تلك هي سنة الله ـ تعالى ـ في المتجبرين والمتكبرين، إنه ينزل بهم عقابه الأليم لذنبهم الجسيم وبما حادوا عن منهاجه القويم.
قال ـ تعالى ـ: {وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 173]. وقال ـ تعالى ـ: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْـحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْـخِزْيِ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ} [فصلت: 15 - 16].
وقال ـ تعالى ـ: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} [إبراهيم: 15] أي: استنصرت الرسل ربها فنصرهم. وقال ـ تعالى ـ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } [غافر: 35].
8 - الإجرام:
الولايات المتحدة هي بيت الجريمة في العالم، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي. فنسبة وقوع الجرائم في داخلها هي أعلى نسبة بين جميع شعوب الأرض. وكذلك نسبة ممارستها الجريمة بحق كافة البلدان وسكانها هي أيضاً أعلى نسبة في المعمورة. وتستجمع أمريكا لنفسها الحظ الأوفى من تنوع الجرائم، سواء على مستوى الأفراد أو الدول. غير أن أبرز ما فيها هو سعة مساحة ممارسة الإجرام الوحشي على مستوى شعوب الدول الأخرى.
فهي لا تتورع لحظة، في سبيل تحقيق مصالحها الذاتية، عن استعمال جميع أنواع أسلحة الفتك والقتل الجماعي، بما في ذلك السلاح الذري أو القنابل الحارقة أو القذائف والصواريخ الماحقة أو الغازات السامة أو غير ذلك مما هو متخم في ترسانتها من مختلف الأنواع التي تــؤدي إلى المجازر العامة. كما أنها أيضاً لا تتوانى في استعمال الحصار الاقتصادي ضد أي دولة لا تستجيب لرغباتها أو تتردد في تنفيذ طلباتها، بقصد تجويع شعب تلك الدولة وإنهاكه اقتصادياً مما يقود إلى إضعافه وإلى تقليص إمكاناته الخدماتية وانتشار الأمراض والأوبئة بين أفراده. ويدخل في مفهوم الحصار الاقتصادي لديها مصادرة أموال تلك الدولة أو تجميدها. وقد أصبح هذا اللون من الإجرام خلقاً راسخاً لدى قيادة الولايات المتحدة؛ إذ مارسته ضد العراق وإيران وأفغانستان وليبيا وغيرها من الدول الإسلامية. وهي في كل ذلك تنطلق من حقد دفين على الإسلام وأهله. ولسنا بصدد تعداد أنواع الجرائم الكارثية التي اقترفتها تلك الدولة الآثمة، فضلاً عن الجرائـم التي لا تزال تبوء بها أو تلك التي في غياهـب جعـبتها. ولكن {اوَلا يَحِيقُ الْـمَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43] .
قال ـ تعالى ـ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعام: 123] . ورغم أن المجرم ينبغي له أن يتوقع نزول العقاب به في أية لحظة، إلا أن هذه الدولة الآثمة غطت عينيها وأشاحت بوجهها عن كل ذلك، متجاهلة قول الله ـ تعالى ـ: {سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ } [الأنعام: 124]، وقوله ـ تعالى ـ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْـمُجْرِمُونَ} [يونس: 50]. وقوله ـ تعالى ـ: {وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْـمُجْرِمِينَ } [يوسف: 110] ، وقوله ـ تعالى ـ: {إنَّا مِنَ الْـمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22]. كما أن الولايات المتحدة لم تلتفت إلى التاريخ لتسـتقي منه العبر وتأخذ منه المواعـظ؛ فكم من الـدول العظيمة قد دمرها الله ـ تعالى ـ بسبب إجرامها الفاحش. قال ـ تعالى ـ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [النمل: 69]. وقال ـ تعالى ـ مبيناً عاقبة جريمة قوم لوط: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 84] . وقال ـ تعالى ـ مبيناً ألوان العذاب التي أنزلها على قوم فرعون بسبب إجرامهم: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْـجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ} [الأعراف: 133]. وذكر الله ـ تعالى ـ عذابه الذي أنزله على عاد قوم هود بسبب إجرامهم: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْـمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 42 - 25]. فلو أن الولايات المتحدة، حكومة وشعباً أصغت أذنها للحق لعلمت أن الإسلام هو الحق المبين، غير أنها ركبت رأسها واستمرأت الجريمة والإجرام، فحاقت بها دعوات المظلومين المضطهدين الذين عانوا من إجرامها وظلمها، كما دعا موسى ـ عليه السلام ـ على فرعــون وقومــه فيما حكـى الله ـ تعالى ـ عنه إذ قال: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} [الدخان: 22]. فماذا كانت النتيجة؟ . قال ـ تعالى ـ: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إنَّكُم مُّتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} [الدخان: 23 - 29] . فهي سنة جارية أن الله ـ تعالى ـ يهلك المجرمين، كما قال ـ عز وجل ـ: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [الدخان: 37] ، ولما كانت الولايات المتحدة قد وقعت فيما وقعت فيه الأمم التي قبلها من الجريمة والإجرام كان لا بد أن تدفع ضريبة ذلك؛ إذ لا استثناء قد حازته من رب العالمين لتكون خارج مسار السنن الإلهية في إهلاكه للمجرمين.
9 - الفسق:
رغم أن حجة الله ـ تعالى ـ قد قامت على الحكومة الأمريكية وكذلك على شعبها إلا أنها واظبت على ركوب رأسها فرفضت الهداية وكفرت بالإسلام، فاستحقت أن يلحق بها وصف الفسق من هذا الوجه. قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إلاَّ الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]. وأما الفسـق بمعنى الفجور وارتكاب المعاصي فحدث ولا حرج. وقد ذكرت شيئاً منه عند الكلام عن الذنوب. فالأمة الأمريكية أمة فاسقة عقدياً وسلوكياً، وإن حالهم كحال الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102]. وبسبب فسقهم اتبعوا قياداتهم وزعماءهم دون أن يكلفوا أنفسهم معرفة وتمييز الحق من الباطل، فصار شأنهم كشأن قــوم فرعــون الذين قال الله ـ تعالى ـ عنهم: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54]. وقد مضت سنة الله ـ تعالى ـ في الأولين في إهلاك الفاسقين، وهي جارية كذلك على وجهها في الآخرين، وليس لأمريكا عند الله ـ تعالى ـ عهد أن يسلها من سنته كما تستل الشعرة من العجين؛ فلا نشك لحظة أنها ستلحق بالغابرين.
قال ـ تعالى ـ: {فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [البقـــرة: 59]. وقال ـ تعالى ـ: {وَإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16]. وقال ـ تعالى ـ: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [الأنعام: 49]. فإهلاك الله ـ تعالى ـ لأمريكا بسبب ما ذكرناه آت في وقته إلا أن يهتدوا. قال ـ تعالى ـ: {بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ}
[الأحقاف: 35] .
يتبع ...