لايخفى عليكم إن مصائب الدنيا كثيرة وهمومها عديدة، ولا يكاد الإنسان يصحو من هم، أو ينجو من مصيبة حتى يبتلى بأخرى.
والمصائب أنواع منوعة وألوان ملونة، فقد يبتلى الإنسان بفقد صاحب، أو مرض صديق، أو إساءة قريب، أو نكران جميل، أو غيرها.
ولو هذه الرزايا والآلام في قلوب الناس وذاكرتهم لكان ذلك بلاءً عظيماً، إذ يجتمع هم على هم، وتتراكم مصيبة على مصيبة، فتعظم البلوى، وتشتد الأزمة، وتسوء العاقبة، ولا يسلم منها إلا من يسلمه الله - تعالى.
لذا؛ من فضل الله على عباده أن رزقهم نعمة النسيان، فينسى الإنسان إساءة المسيئين، وجفوة الجافين، ويجمل الخلق ببعضهم ويسمو ليصل إلى أمر أعظم من النسيان وهو الصفح والغفران.
إن نعمة النسيان نعمة عظمية، فمن أراد راحة البال وحسن العاقبة والمآل فليحاول أن ينسى ما يلقاه من الآخرين، أو ما يُبتلى به من مصائب الدنيا، وليبدأ صفحة جديدة مع إخوانه الذين قصروا في حقه، فإن ذلك من علو النفس وسمو الهمة.
إنك إن فعلت ذلك فسترى كيف يلتف حولك الناس لأنهم يعلمون أن هذه هي أخلاق العظماء الصالحين.
ولكن ينبغي الإشارة إلى أن محاولة نسيان الماضي وعدم تذكر المآسي لا يعني بأي حال أن لا يتعظ الإنسان من الحوادث ولا يستفيد من التجارب، فلا يجوز أن يكون اتعاظ الإنسان لحظياً مؤقتاً.
نحن لا ندعو إلى الغفلة وإنما الذي ندعو إليه هو أن لا تبقى الذكريات السوداء المظلمة عالقة في الذهن تفسد على الإنسان حياته وعلاقته مع الآخرين.