شارلي* .. ‬كيف* ‬فضحت* ‬عيوبنا؟

الكاتب: صالح عوض

من العيب أن نغمض أعيننا ونمسك ألسنتنا ونصم أذاننا فيما نحن نواجه عمليات إضافية من فقدان التوازن والذهاب في المجهول وتمرير الأكاذيب علينا، ودفعنا إلى المواقف التي تجلب علينا الخسران و التقهقر عن ركب الحياة..فإن ما عشناه في الأيام التي تلت حادثة شارلي يشير بوضوح إلى أننا مكشوفي الظهر وأن لاسقف لنا ولا مرجعية من ثقافة أو سياسة أو.. هكذا فجأة اكتشفنا أننا أمة بلا راع، فكان لغياب المؤسسات الرسمية والمعنوية أثره الواضح في ارتجالية الأداء في معركة لاتحتمل الفوضى لأنها تمس صميم الرسالة والفكرة كما لها علاقة طردية بمستقبلنا* ‬وواقعنا*.‬

إن العوار الأول اتضح لدينا في غياب المنهجية في التعامل مع الإساءات المتكررة من قبل بعض أذرع الاعلام الصهيونية المتغلغلة في المؤسسات الغربية في فرنسا وأمريكا والدنمارك وسواها..حيث استطاعت هذه الأذرع جرنا إلى معركة بعيدة عن ساحة المعركة المباشرة لنغرق في معطيات جديدة ونستنزف في اشتباك لا نعرف من المتسبب فيه وكيف نتعامل معه، لاسيما ونحن كما سبق ذكره أمة بلا راع ولا مرجعية..ومن جديد نكتشف أننا فقدنا القدرة على التمييز وعلى ترتيب الأولويات في خضم ما يثار حولنا من جنون التطاحن والتصادم.

وحتى لايستفز أحد من الطيبين نسارع إلى القول إن ما ارتكبه حفنة من الفرنسين ووساهم من الدنماركيين أو الألمان، محاولين فيه الاساءة للنبي محمد صلى الله عليه وأله وسلم إنما هو عمل خسيس دنيء يستوجب المعاقبة والكبت النهائي لأنه يمس عقيدة مئات ملايين البشر ويسيء الاحترام لمئات ملايين البشر الأخرين الذين يوقرون محمدا رغم عدم التزامهم بالاسلام..نقدم بهذه اللازمة من القول لكي ننطلق فيما بعد نناقش ردودنا التي انبعثت في أكثر من مكان بلا تريث ..ولأن العدو يدرك تماما كيفية أدائنا لأفعالنا وكيفية تشكل منظمات دفاعاتنا النفسية* ‬فهو* ‬يوجهنا* ‬إلى* ‬خارج* ‬دوائر* ‬الصراع* ‬التي* ‬يكون* ‬ضربنا* ‬فيها* ‬على* ‬حلقات* ‬ركزية* ‬من* ‬قضيب* ‬الحديد* ‬المعاند*..‬

ملايين الناس التي خرجت في باكستان والهند وبلاد العرب والعجم منددة ومستنكرة وشاجبة وهاتفة ضد فرنسا والغرب بسبب الإساءات التي تناولتها صحيفة فرنسية عنصرية معتوهة إنما هو يعبر في أحد أوجهه عن تقديس لشخص نبي الاسلام واحترام له عليه السلام..ولكن ينبغي التدبر أكثر والغوص في الظاهرة لتحليلها وعدم التوقف عند سطحها.. وننطلق السؤال: وماذا بعد؟ ولن نتطرق لمحاولات التضخيم والتكبير للمشهد لأن ذلك ليس هو الأصل في الموضوع..ولن نستعرض كيف استفادت الإدارة الفرنسية الاستعمارية أو الكيان الصهيوني من الحدث أو كيف تعامل الإعلام* ‬والقوى* ‬العنصرية* ‬في* ‬الغرب* ‬مع* ‬الحدث* ‬فلذلك* ‬كله* ‬شأن* ‬آخر*..‬وهو* ‬يعبر* ‬في* ‬حقيقته* ‬عن* ‬طبيعة* ‬العدو* ‬الاستعماري* ‬الصهيوني* ‬المدجج* ‬بالجريمة* ‬والنهم* ‬والجشع* ‬والأنانية* ‬والشرور*.‬

ولكن العودة إلينا وإلى فعلنا وأفكارنا تكشف لنا أننا جسد بلا عقل وكيان بلا روح..تنتفض أعصابه عند الاستثارة وتهتز أطرافه عند الوخز وقد تضرب ذات اليمن وذات الشمال، ولكن ذلك كله دون الفعل المؤثر الايجابي، الأمر الذي يعني فقدان طاقة في غير محلها..فماذا يعني أن تبح أصوات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالهتاف مع محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة فعلة إجرامية لحفنة من الاعلاميين الفرنسيين المغمورين..إنها تعني تفريغ شحنات الغضب في الهواء ولن تصل إلى شيء بل تؤسس لسلوك فوضوي قد نرى أثره في النيجر وسواها من حرق للكنائس* ‬وإساءات* ‬للمسيح* ‬عليه* ‬السلام*..‬وكأن* ‬هذه* ‬المحاولة* ‬في* ‬الاساءة* ‬للرسول* ‬صلى* ‬الله* ‬عليه* ‬واله* ‬وسلم* ‬هي* ‬الحلقة* ‬الخطيرة* ‬على* ‬الاسلام* ‬وأمته* ‬وبلاد* ‬المسلمين؟

أين معراج النبي ومسراه، أين الأرض المباركة، أرض الأنبياء لماذا لم تخرج هذه الملايين صاخبة ثائرة عندما تسمع عن غلق المسجد الأقصى في وجه المصلين المسلمين؟ لماذا لاتخرج هذه الملايين غاضبة ثائرة وهي ترى الأرض التي بارك الله فيها تنتهب وتحول إلى ملاهي وخمارات وغصب واستيطان صهيوني؟ لماذا لم تخرج هذه الملايين الصاخبة فيما العراق يحترق وسورية تدمر واليمن يمزق وليبيا تبعثر وفلسطين وقدسها تشتت من الخريطة؟ لماذا لم نر هذه الملايين تنتفض من أجل ملايين السوريين والعراقيين والفلسطينيين الذين يغرقون في مستنقعات الدم والجوع* ‬والثلوج؟

ثم أين هم العمال المسلمون والعرب؟ أين هم التجار العرب والمسلمون؟ أين هم المثقفون والدعاة والاعلاميون؟ هؤلاء جميعا قادرون أن يوجهوا فعلا حضاريا لتحسيس القاضي الفرنسي ورجل السياسة الفرنسي بحجم الخسارة التي تلحق بالدولة الفرنسية جراء تراخيها عن القيام بحماية حريات الناس في معتقداتهم .. كان على العمال العرب والمسلمين الامتناع عن تفريغ سفن فرنسا وطائراتها وتوقف التجار عن الاستيراد من فرنسا في كل المجالات لمدة أسبوع فقط وتوقف المسافرين عن الحج لفرنسا لمدة أسبوع فقط وعدم التعاطي مع أي شيء من فرنسا لمدة أسبوع فقط، ستدرك الادارة الفرنسية أنها لعبة سخيفة عندما يزج بالرسول محمد والاسلام والمسلمين في ساحة اللعب البهلواني، وستنتهي المسرحية إلى الأبد..من المؤكد أنه لابد من مرجعيات لتقوم بهذه المهمة التحسيسية، كما توضع على البلاك ليست أسماء كل العنصريين الغربيين والشركات الغربية* ‬العنصرية* ‬ويمنع* ‬عليهم* ‬دخول* ‬بلداننا* ‬أو* ‬الاستثمار* ‬فيها* ‬حتى* ‬تعلن* ‬توبتها* ‬وإقلاعها* ‬عن* ‬سلوكها* ‬العنصري* ‬الذميم*.‬

كان يمكن أن ينتهي الموضع بسهولة وبرد حضاري محسوب ونوفر فيه طاقة حناجر المسلمين المساكين إلى قضايا طويلة عريضة..بيننا والغرب عشرات ملفات التصادم والاشتباك السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري وكل ملف يعتمد على الأخر وهو يحتاج منا مزيدا من الحشد والطاقة والصبر لأنها ملفات تحدد وجهة مستقبلنا، وهذا هو المعنى الحقيقي لنصرة رسول الله التي لا تتوقف عند استنكار محاولات الاساءة إلى شخصه إنما هي السعي الدائب والقائم والمستمر لاقتفاء خطواته عليه السلام والحفاظ على وحدة أمته ونقاء رسالته والدفاع عن إرثه صلى الله عليه وآله* ‬سلم*..‬

هم يحرقون مساجدنا ويحاولون الاساءة لنبينا ويشوّهون معالم ثقافتنا ويقتلون أولادنا الرضع ويحرقون أجسادنا ويشنعون بمعتقلينا ويسرقون ثرواتنا، ولكننا في مقابل ذلك كله نؤمن بأنه ممنوع علينا ومحرم قتل الصبي أو حرق المعبد أو الاساءة لأي رمز ديني بل نحن من يدافع عن المعابد والأنبياء ويصونون الحلقة الأدمية ونورف كل الخير والرحمة للانسان لمجرد أنه إنسان بغض النظر عن دينه وقومه..ذلك كله لأننا نحمل رسالة رحمة للعالمين، ولن تستفزنا قوى الشر والجهل والتعصب إلى تغيير معالم رسالتنا..تولانا الله برحمته.

» " لن أكون شارلي إيبدو!!!!! "