أحوال الناس مع الغيبة- كلام نفيس من شيخ الاسلام -رحمه الله –
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
قَالَ شيخ الاسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:في المجموع ج28 ص 263
" فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْتَابُ: مُوَافَقَةً لِجُلَسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَشَائِرِهِ مَعَ عِلْمِهِ: أَنَّ الْمُغْتَابَ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُونَ، أَوْ فِيهِ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ؛ لَكِنْ يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ: قَطَعَ الْمَجْلِسَ، وَاسْتَثْقَلَهُ أَهْلُ الْمَجْلِسِ، وَنَفَرُوا عَنْهُ، فَيَرَى مُوَافَقَتَهُمْ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَطِيبِ الْمُصَاحَبَةِ، وَقَدْ يَغْضَبُونَ، فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ، فَيَخُوضُ مَعَهُمْ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ شَتَّى:
تَارَةً فِي:" قَالِبِ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ"، فَيَقُولُ:" لَيْسَ لِي عَادَةً أَنْ أَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا بِخَيْرِ، وَلَا أُحِبُّ الْغِيبَةَ، وَلَا الْكَذِبَ؛ وَإِنَّمَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهِ". وَيَقُولُ:" وَاَللَّهِ إنَّهُ مِسْكِينٌ، أَوْ رَجُلٌ جَيِّدٌ؛ وَلَكِنْ فِيهِ كَيْت وَكَيْت". وَرُبَّمَا يَقُولُ:" دَعُونَا مِنْهُ اللَّهُ: يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ: اسْتِنْقَاصُهُ وَهَضْمٌ لِجَانِبِهِ، وَيُخْرِجُونَ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ صَلَاحٍ وَدِيَانَةٍ يُخَادِعُونَ اللَّهَ بِذَلِكَ كَمَا يُخَادِعُونَ مَخْلُوقًا؛ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمْ أَلْوَانًا كَثِيرَةً مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَرْفَعُ غَيْرَهُ رِيَاءً، فَيَرْفَعُ نَفْسَهُ فَيَقُولُ:" لَوْ دَعَوْت الْبَارِحَةَ فِي صَلَاتِي لِفُلَانِ؛ لَمَا بَلَغَنِي عَنْهُ كَيْت وَكَيْت"، لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ وَيَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ، أَوْ يَقُولُ:" فُلَانٌ بَلِيدُ الذِّهْنِ قَلِيلُ الْفَهْمِ"؛ وَقَصْدُهُ مَدْحُ نَفْسِهِ، وَإِثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ، وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يَحْمِلُهُ:" الْحَسَدُ عَلَى الْغِيبَةِ"، فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَبِيحَيْنِ: الْغِيبَةِ وَالْحَسَدِ، وَإِذَا أَثْنَى عَلَى شَخْصٍ: أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ تَنَقُّصِهِ فِي قَالِبِ دِينٍ وَصَلَاحٍ، أَوْ فِي قَالِبِ حَسَدٍ وَفُجُورٍ وَقَدْحٍ، لِيُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْهُ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي:" قَالِبِ تمسخر وَلَعِبٍ"، لَيُضْحِكَ غَيْرَهُ بِاسْتِهْزَائِهِ وَمُحَاكَاتِهِ وَاسْتِصْغَارِ الْمُسْتَهْزَأِ بِهِ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي:" قَالِبِ التَّعَجُّبِ!"، فَيَقُولُ:" تَعَجَّبْت مِنْ فُلَانٍ: كَيْفَ لَا يَفْعَلُ كَيْت وَكَيْت!؟، وَمِنْ فُلَانٍ: كَيْفَ وَقَعَ مِنْهُ كَيْت وَكَيْت!؟، وَكَيْفَ فَعَلَ كَيْت وَكَيْت!؟"، فَيُخْرِجُ اسْمَهُ فِي مَعْرِضِ تَعَجُّبِهِ.
وَمِنْهُمْ: مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي:" قالب الِاغْتِمَامَ، فَيَقُولُ:" مِسْكِينٌ فُلَانٌ: غَمَّنِي مَا جَرَى لَهُ، وَمَا تَمَّ لَهُ"، فَيَظُنُّ مَنْ يَسْمَعُهُ: أَنَّهُ يَغْتَمُّ لَهُ وَيَتَأَسَّفُ، وَقَلْبُهُ مُنْطَوٍ عَلَى التَّشَفِّي بِهِ، وَلَوْ قَدَرَ: لَزَادَ عَلَى مَا بِهِ، وَرُبَّمَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ أَعْدَائِهِ، لِيَشْتَفُوا بِهِ، وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ:" أَعْظَمِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْمُخَادَعَاتِ لِلَّهِ وَلِخَلْقِهِ".
وَمِنْهُمْ: مَنْ يُظْهِرُ الْغِيبَةَ فِي:" قَالِبِ غَضَبٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ"، فَيُظْهِرُ فِي هَذَا الْبَابِ: أَشْيَاءَ مِنْ:" زَخَارِفِ الْقَوْلِ!؟"، وَقَصْدُهُ: غَيْرُ مَا أَظْهَرَ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ".