أقسام الناس في الصيام
للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
استقرت أحكام الصيام فكان الناس فيها أقساما عشرة:
القسم اﻷول: المسلم البالغ العاقل المقيم القادر السالم من الموانع، فيجب عليه صوم رمضان أداء في وقته .. القسم الثاني: الصغير فﻼ يجب عليه الصيام حتى يبلغ
لكن يأمره وليه بالصوم إذا أطاقه تمرينا له على الطاعة ليألفها بعد بلوغه اقتداء بالسلف الصالح رضي الله عنهم .
القسم الثالث: المجنون وهو فاقد العقل فﻼ يجب عليه الصيام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثﻼثة» (الحديث)
وﻻ يصح منه الصيام ﻷنه ليس له عقل يعقل به العبادة وينويها ..
القسم الرابع: الهرم الذي بلغ الهذيان وسقط تمييزه فﻼ يجب عليه الصيام وﻻ اﻹطعام عنه؛ لسقوط التكليف عنه بزوال تمييزه فأشبه الصبي قبل التمييز،
فإن كان يميز أحيانا ويهذي أحيانا وجب عليه الصوم في حال تمييزه دون حال هذيانه، والصﻼة كالصوم ﻻ تلزمه حال هذيانه وتلزمه حال تمييزه.
القسم الخامس: العاجز عن الصيام عجزا مستمرا ﻻ يرجى زواله كالكبير والمريض مرضا ﻻ يرجى برؤه كصاحب السرطان ونحوه،
فﻼ يجب عليه الصيام ﻷنه ﻻ يستطيعه وقد قال الله سبحانه: {فاتقوا الله ما استطعتم}
وقال: {ﻻ يكلف الله نفسا إﻻ وسعها}
لكن يجب عليه أن يطعم بدل الصيام عن كل يوم مسكينا؛ ﻷن الله سبحانه جعل اﻹطعام معادﻻ للصيام حين كان التخيير بينهما أول ما فرض الصيام، فتعين أن يكون بدﻻ عن الصيام عند العجز عنه ﻷنه معادل له.
ويخير في اﻹطعام بين أن يفرقه حبا على المساكين
لكل واحد مد من البر ربع الصاع النبوي، ووزنه - أي: المد - نصف كيلو وعشرة غرامات بالبر الرزين الجيد،
وبين أن يصلح طعاما فيدعو إليه مساكين بقدر اﻷيام التي عليه .
القسم السادس: المسافر إذا لم يقصد بسفره التحيل على الفطر، فإن قصد ذلك فالفطر عليه حرام والصيام واجب عليه حينئذ، فإذا لم يقصد التحيل فهو مخير بين الصيام والفطر
سواء طالت مدة سفره أم قصرت، وسواء كان سفره طارئا لغرض أم مستمرا كسائقي الطائرات وسيارات اﻷجرة
لعموم قوله تعالى: {فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر وﻻ يريد بكم العسر}
فإذا كان صاحب سيارة اﻷجرة يشق عليه الصوم في رمضان في السفر من أجل الحر مثﻼ فإنه يؤخره إلى وقت يبرد فيه الجو ويتيسر فيه الصيام عليه،
واﻷفضل للمسافر فعل اﻷسهل عليه من الصيام والفطر،
فإن تساويا فالصوم أفضل ﻷنه أسرع في إبراء ذمته وأنشط له إذا صام مع الناس، وﻷنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
وإذا سافر الصائم في أثناء اليوم وشق عليه إكمال صومه جاز له الفطر إذا خرج من بلده؛ ﻷن النبي صلى الله عليه وسلم صام وصام الناس معه حتى بلغ كراع الغميم، فلما بلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام أفطر وأفطر الناس معه .
القسم السابع: المريض الذي يرجى برء مرضه وله ثﻼث حاﻻت:
إحداها: أن ﻻ يشق عليه الصوم وﻻ يضره، فيجب عليه الصوم ﻷنه ليس له عذر يبيح الفطر.
الثانية: أن يشق عليه الصوم وﻻ يضره فيفطر لقوله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}
ويكره له الصوم مع المشقة ﻷنه خروج عن رخصة الله تعالى وتعذيب لنفسه، وفي الحديث: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» ( صحيح بشواهده )
الحال الثالثة: أن يضره الصوم فيجب عليه الفطر وﻻ يجوز له الصوم لقوله تعالى: {وﻻ تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}
وإذا حدث له المرض في أثناء رمضان وهو صائم وشق عليه إتمامه جاز له الفطر لوجود المبيح للفطر،
وإذا برئ في نهار رمضان وهو مفطر لم يصح أن يصوم ذلك اليوم ﻷنه كان مفطرا في أول النهار , والصوم ﻻ يصح إﻻ من طلوع الفجر،
ولكن هل يلزمه أن يمسك بقية يومه؟
فيه خﻼف بين العلماء بين قائل بالامساك وقائل بجواز الاكل والشرب .
وإذا ثبت بالطب أن الصوم يجلب المرض أو يؤخر برءه جاز له الفطر محافظة على صحته واتقاء للمرض،
فإن كان يرجى زوال هذا الخطر انتظر حتى يزول ثم يقضى ما أفطر،
وإن كان ﻻ يرجى زواله فحكمه حكم القسم الخامس، يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا.
القسم الثامن: الحائض فيحرم عليها الصيام وﻻ يصح منها
وإذا ظهر الحيض منها وهي صائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل صوم يومها ولزمها قضاؤه إﻻ أن يكون صومها تطوعا فقضاؤه تطوع ﻻ واجب.
وإذا طهرت من الحيض في أثناء نهار رمضان لم يصح صومها بقية اليوم لوجود ما ينافي الصيام في حقها في أول النهار، وهل يلزمها اﻹمساك بقية اليوم؟ فيه خﻼف بين العلماء سبق ذكره في المسافر إذا قدم مفطرا.
وإذا طهرت في الليل في رمضان ولو قبل الفجر بلحظة وجب عليها الصوم؛ ﻷنها من أهل الصيام وليس فيها ما يمنعه فوجب عليها الصيام،
ويصح صومها حينئذ وإن لم تغتسل إﻻ بعد طلوع الفجر كالجنب إذا صام ولم يغتسل إﻻ بعد طلوع الفجر فإنه يصح صومه لقول عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتﻼم ثم يصوم في رمضان» .
والنفساء كالحائض في جميع ما تقدم.
القسم التاسع: المرأة إذا كانت مرضعا أو حامﻼ وخافت على نفسها أو على الولد من الصوم فإنها تفطر لحديث أنس بن مالك الكعبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الله وضع عن المسافر شطر الصﻼة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم أو الصيام»
ويلزمها القضاء بعدد اﻷيام التي أفطرت حين يتيسر لها ذلك ويزول عنها الخوف كالمريض إذا برأ.
القسم العاشر: من احتاج للفطر لدفع ضرورة غيره كإنقاذ معصوم
المعصوم: اﻵدمي المحرم قتله. من غرق أو حريق أو هدم أو نحو ذلك، فإذا كان ﻻ يمكنه إنقاذه إﻻ بالتقوي عليه باﻷكل والشرب جاز له الفطر، بل وجب الفطر حينئذ ﻷن إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب، وما ﻻ يتم الواجب إﻻ به فهو واجب، ويلزمه قضاء ما أفطره.
وكل من جاز له الفطر بسبب مما تقدم فإنه ﻻ ينكر عليه إعﻼن فطره إذا كان سببه ظاهرا كالمريض والكبير الذي ﻻ يستطع الصوم،
وأما إن كان سبب فطره خفيا كالحائض ومن أنقذ معصوما من هلكة فإنه يفطر سرا وﻻ يعلن فطره لئﻼ يجر التهمة إلى نفسه، ولئﻼ يغتر به الجاهل فيظن أن الفطر جائز بدون عذر.
وكل من لزمه القضاء من اﻷقسام السابقة فإنه يقضي بعدد اﻷيام التي أفطر لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر}
من محاضرات مجالس شهر رمضان للشيخ ابن عثيمين رحمه الله بتصرف مني وحذف بعض الإستدلالات منعا للاطالة .