أصناف الناس في الحساب يوم القيامة
الناس في الحساب على صنفين: الصنف الأول: من لا حساب عليهم، ولا عذاب: وهؤلاء قلة لا يتجاوزون السبعين ألفًا، نسأل الله تعالى من فضله، ففي الصحيحين من حديث ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ. والنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ. والنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ. إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي. فَقِيلَ لِي: هذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ. وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ. فَنَظَرْتُ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ الآخَرِ. فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ. فَقِيلَ لِي: هذِهِ أُمَّتُكَ. وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ». ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللّهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِالله، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ فَقَالَ: «مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ؟» فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، فَقَالَ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ»، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ»[1].
فـائدة: جاء في الحديث لفظ: « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ » وهي رواية شاذة انفرد بها مسلم عن البخاري، ولا تصح لعدة وجوه منها: أنها مخالفة لهدي النَّبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يرقي أصحابه - رضي الله عنهم-، ولأن في الرقية إحسانًا للغير، فإن الراقي محسن على غيره فكيف يُمنع هذا الفضل، ولأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال في آخر الحديث: «وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» وعمل الراقي لا منافاة بينه وبين التوكل، بخلاف المسترقي، والمكتوي والمتطير، «لاَ يَسْتَرْقُونَ »: أي لا يطلبون الرقية، «وَلَا يَكْتَوُونَ »:رواية جاءت في الصحيحين(2)؛أي: لا يتعالجون بالكي، «وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ »: والتطير هو التشاؤم.
وسمِّي بذلك؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يتشائمون بالطير.
والجامع لهذه الأوصاف الثلاثة قوله: «وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، والتوكل لا بد له من أمرين:
الأمر الأول: تفويض الأمر لله - جل وعلا- واعتماد القلب عليه، مع صحة الإيمان، والمعتقد.
الأمر الثاني: فعل الأسباب التي أمر الله بها، سواء كانت دينية، كأداء الفرائض، والبعد عن النواهي، أو كانت دنيوية كالحرث، والزراعة، والتجارة ونحوها؛ لأن النصوص كثيرة في الأمر بالتوكل، ولابد من فعل السبب، وأما أن يقول الإنسان: لن أفعل السبب لأنني متوكلٌ على الله جلَّ وعلا؛ فهذا فهم خاطئ، وتصرُّف يُسمَّى تواكلاً، لا توكلاً.
ومما يدل على فعل السبب:
أ- قول الله - عزّ وجل -: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ﴾[آل عمران: ١٥٩]، فالعزيمة سبب لابد منه مع التوكل.
ب- وأيضًا أفعال النَّبي صلى الله عليه وسلم تدل على فعله للسبب مع توكله، وهو إمام المتوكلين فقد كان يُعدُّ العدّة قبل خوضه للمعارك، ويهيئ أسبابها، ويرفع يديه للسماء يدعو: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِىَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ؛ اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ »[2]، وأرشد في طلب الرزق من الله -جل وعلا- التوكل عليه وفعل السبب فقال صلى الله عليه وسلم: « لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ، فَيَحْتَطِبَ، فَيَبِيعَ، فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ»[3].
والنُّصوص الدالة على ذلك كثيرة، وأيضًا دلالة العقل عليها فليس من التوكل أن يترك الإنسان الأسباب في جلب الولد، مثلًا كالنكاح، ويقول أريد بتوكلي على الله - جلَّ وعلا - أن يرزقني ولدًا، وكذا في الرزق وغيرها من الأمور، فلا بد من الشرطين: حقيقة الاعتماد على الله - جل وعلا-، مع فعل الأسباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التحفة العراقية:" التوكل المأمور به هو ما اجتمع فيه مقتضى التوحيد، والعقل والشرع، فالالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشَّرع ".
فعدم طلب الرقية، والاكتواء، والتطير، مع التوكل على الله - جلَّ وعلا - سبب في دخول الجنة بغير حساب، ولا عذاب، والإنسان مع الرقية على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يطلب الرقية، فهذا يدخل مع الذين (يسترقون)؛ فيفوته الفضل.
المرتبة الثانية: ألا يمنع الرقية إذ عُرضت عليه، فهذا لا يفوته الفضل؛ لأنه لم يطلبها، وإنما عُرضت عليه.
المرتبة الثالثة: أن يمنع الرقية إذا عُرضت عليه، فهذا خلاف السُّنة، لأنّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع عائشة - رضي الله عنها - حين رقته، وكذا الصحابة رضي الله عنهم كان يرقي بعضهم بعضًا، فليس في الرقية حين تُعرض عليه فيقبلها مخالفة؛ فقد رقى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت:" كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَقَاهُ جِبْرِيلُ قَالَ: « بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ»[4].
♦ الصنف الثاني: وهم الذين عليهم حساب، وهم على نوعين:النوع الأول: من يحاسب حسابًا يسيراً.
وهؤلاء لا يناقشون الحساب، أي: لا يدقق عليهم، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم، ثم يتجاوز الله عنهم.
ففي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « يُدْنَى الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ. فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ. فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَعْرِفُ. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ: هؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ»[5].
فما أعظم حِلم الله – تعالى - على عبده، وطوبى لمن كان حسابه في ذلك اليوم يسيرا، فيتجاوز الله - تعالى- عنه.
قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق:7-8].
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حساب المؤمن: " ومع ذلك فإنَّه - سبحانه وتعالى- يضع ستره، بحيث لا يراه أحد، ولا يسمعه أحد، وهذا من فضل الله - عزّ وجل- على المؤمن، فإن الإنسان إذا قررك بجناياتك أمام الناس، وإن سمح عنك، ففيه شيء من الفضيحة، لكن إذا كان ذلك لوحدك، فإن ذلك ستر منه عليك "[6].
وفي الصحيحين من حديث عائشةُ - رضي الله عنها -: " أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: « لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الإنشقاق أصناف الناس في الحساب يوم القيامة] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ» [7].
وفي رواية: « إلَّا هَلَك »، ومعناه: أن الحساب اليسير إنما هو العرض، عرض ذنوب المؤمنين عليهم، وأما لو نوقش، وحوسب لعُذِّب بالنار، - نسأل الله السلامة والعافية[8].
قال النووي رحمه الله:" قوله صلى الله عليه وسلم: « من نوقش الحساب يوم القيامة عذب » معنى نوقش: استقصى عليه، قال القاضي: وقوله (عُذِّب) له معنيان: أحدهما أن نفس المناقشة وعرض الذنوب والتوقيف عليها هو التعذيب لما فيه من التوبيخ. والثاني أنه مفض إلى العذاب بالنار ويؤيده قوله في الرواية الأخرى (هلك) مكان عذب، هذا كلام القاضي.
وهذا الثاني هو الصحيح، ومعناه أن التقصير غالب في العباد، فمن استقصى عليه ولم يسامح هلك، ودخل النار، ولكن الله - تعالى- يعفو، ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء"[9].
وهناك من عصاة الموحدين من قد يطول حسابهم، ويعسر، ويشتد بسبب عظم ذنوبهم، وكثرتها - نسأل الله السلامة والعافية - ومن ذلك:
♦ (المرائين): ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَـكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَـكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ»[10].
♦ (ومنهم الذين يتظاهرون فينهون عن المنكر أمام الناس، وهـم مقيمون عليه، ويأمرون بالمعروف، وهـم تاركون له).
ففي صحيح البخاري من حديث أسامة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ »[11].
وليس المقصود به من يأمر بالمعروف ولا يأتيه، أو ينهى عن المنكر ويأتيه بسبب ضعف اعتراه، أو تقصير طارئ حل بـه، وهو مجاهد نفسه على الخلاص منه، فإن الإنسان غير معصوم عن الخطأ، وإنما الحال فيمن يتظاهر بهذا الخلق، وهو متهاون فيه، فلا يجعل العبد من هذا الحديث مدخلًا له في ترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وهناك غيرهم من أصناف العصاة الذين هم تحت مشيئة الله - تعالى- فإن شاء عذبهم، وإن شاء تجاوز عنهم:﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء:48]، فيا خسارة من لم يتجاوز الله - تعالى- عنه فخف ميزانه، فحاسبه، وعذَّبه، ولاشك أن هناك من الموحدين من سيدخل النار، كما جاءت بذلك الأحاديث - نسأل الله السَّلامة والعافية -.
النوع الثاني: من يحاسب حسابًا عسيرًا:
فالكفار يحاسبون حسابا عسيرا شديدا كما قال الله تعالى: ﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾ [الفرقان:26]، وقال: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا ﴾ [الطلاق أصناف الناس في الحساب يوم القيامة]، وذكر الله - تعالى- أنهم حينما يرون دقة الحساب، ماذا يقولون؟: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف:49]، وتقدَّم قريبا، قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: «وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ: هؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ»[12].