أسرار الفوفوزيلا والعمل 2010.07.14
عابد شارف
دخلت جمهورية جنوب إفريقيا فضاء
العولمة من بابها الواسع. فبعد القضاء على النظام العنصري وتنظيم كأس
العالم لرياضة الريغبي rugby، تمكنت إفريقيا الجنوبية هذه السنة من تنظيم
كأس العالم لكرة القدم في ظروف جيدة. ورغم فشل فريق جنوب إفريقيا وإقصائه
منذ الدور الأول، فإن الاهتمام بكأس العالم لم يتراجع، ليكون الحفل كاملا
إلى آخر لحظة. وإذا كان "الفوفوزيلا" قد أعطى
نكهة خاصة للطبعة الإفريقية الأولى من كأس العالم، فإن نجاح كأس العالم
ونجاح جنوب إفريقيا السياسي والاقتصادي منذ عشريتين كان يرتكز بصفة أساسية
على شخصية الزعيم نلسون مانديلا. وكان هذا المناضل الكبير في قلب سلسلة من
العمليات التي توالت في جنوب إفريقيا خلال العشريتين الماضيتين، في إطار
مناورات سياسية كبرى حصلت بمساندة دولية واسعة.
ومنذ البداية، كان القرار سياسيا، ومبنيا
على إجماع دولي. وكان القرار الذي يعطي جنوب إفريقيا تنظيم كأس العالم لكرة
القدم ولرياضة الريغبي قرارا سياسيا، يساعد هذا البلد في عملية الخروج من
النظام العنصري، كما يفتح آفاقا جديدة للقارة الإفريقية التي لم تتمكن من
تغيير آفاقها السياسية. ورغم مواقفها السلبية في كثير من القضايا، يجب
الاعتراف أن كل البلدان الكبرى ساندت جنوب إفريقيا لتجعل من هذا البلد رمزا
يمكن أن يصبح أنموذجا في إفريقيا.
لكن اليوم، وبعد أن انتهى الحفل، فإن
التساؤل يبقى كاملا حول ما تربحه إفريقيا من كأس العالم، وما مدى التقدم
الذي من الممكن أن يطرأ على القارة بفضل هذه المنافسة. ويمكن القول مثلا إن
جمهورية جنوب إفريقيا هي البلد الوحيد في القارة القادر على تنظيم هذه
المنافسة وتنظيم الألعاب الأولمبية. وبحسب المعطيات الحالية، يبدو واضحا أن
البلدان الكبيرة الأخرى في إفريقيا مثل مصر ونيجيريا والجزائر مازالت
بعيدة جدا عن هذا المستوى، وليس بإمكانها دخول هذا السوق.
وعجْز هذه البلدان عن تنظيم كأس العالم لا
يقتصر على الجانب المالي، لأن الجزائر قادرة مثلا أن تجد التمويل الضروري
للعملية، ويكفيها لذلك استعمال جزء من الأموال التي يتم تبذيرها سنويا في
المشاريع الكبرى... والعجز الحقيقي يكمن في الجانب التنظيمي والسياسي، وفي
عدم استقرار المؤسسات، وعجز البلدان الإفريقية عن تنفيذ مشاريع طويلة
المدى.
ويتسع هذا العجز إلى الجانب الرياضي كذلك،
حيث أن المشاركة الإفريقية في كأس العالم الأولى التي تم تنظيمها في
القارة الإفريقية كانت ضعيفة جدا. وباستثناء غانا التي قدمت عرضا مشرفا،
فإن المنتحبات الأخرى كانت ضعيفة إلى حد يثير القلق. وأدى سوء التنظيم وضعف
التحضير إلى جلب تلك الفرق نحو الأسفل، ولم يقدم أي فريق عرضا يليق
بلاعبيه باستثناء غانا.
هذا الكلام لا يعني احتقار ما تقوم به
إفريقيا، لكنه يحمل تحذيرا بسيطا حتى لا تغطي الشجرتان الغانية والجنوب
الإفريقية غابة الفشل الإفريقي. فالقارة الإفريقية مازالت بعيدة جدا في
ميدان التنظيم والمنافسة الرياضية. وما يزيد القلق هو أن عددا من البلدان
مثل نيجيريا والكامرون ومصر تعرف تراجعا في الميدان الرياضي، بينما يبقى
عدم الاستقرار سمة أساسية للمؤسسات الرياضية والمحيط العام لكرة القدم.
ورغم أن العامل
السياسي ليس كافيا لضمان النجاح في كرة القدم، فإن الاستقرار السياسي يبقى
عاملا أساسيا للحصول على نتائج مقبولة. والبلدان الإفريقية التي نجحت هذه
السنة هي غانا في الجانب الرياضي، وجنوب إفريقيا في الجانب التنظيمي. وليس
من الصدفة أن تكون جنوب إفريقيا هي البلد الذي يعيش أحسن تجربة ديمقراطية
في إفريقيا، رغم بقايا نظام العنصرية. وليس من الصدفة أن تكون غانا بلد
الاستقرار في الرياضة بعد أن أصبحت أحد البلدان الأكثر استقرارا في الميدان
السياسي.