كنت أنا أجوب شوارع العاصمة متجها الى صديقي المسن ...
نعم ...
أبا سعيد هو الحل ...
وأبا سعيد رجل كبير وقور ..
عاش حياته مكافحا ...
تناسى نفسه حتى بدأ يرى أن قطار الزواج فاته وأصبح عجوزا عليه ...
عندما رأني أبا سعيد ...
أحتضنني ...
كان يقول أنني أبنه ...
بكيت بين أحضانه بحرارة ...
حكيت له القصة ...
بدأ غير مصدق ...
ولكنه كان يجاملني كثيرا ...
قال لي : أنني مخطئ بتركي والد ناصر هناك ...
طلب مني أن نتجه نحو بيت والد ناصر
عل الاجابات وحل هذه الاسرار تبدأ من هناك .. ...
وماهي الا دقائق ونحن نطرق باب منزل والد ناصر ..
كانت سيارتي تقف امام المنزل تماما كما تركناها انا ووالد ناصر ..
أتتني الاجابة سريعة هذه المرة بعكس سابقتها ...
كانت والدة ناصر ...
طلبنا منها فتح الباب ...
ووقفنا خلفه ..
نظرت الى أبا سعيد ونظر لي ...
وأشار لي بعينه في دلالة لدفعي الى بداية الحديث ..
بادرت والدة ناصر بالحديث ...
قلت : ياأم ناصر ...
أنتي تعلمين مقدار حبي لناصر ووالده ..
ولكن ...
بدأ القلق عليها ...
قالت : والد ناصر هل حصل له شي ؟؟
تبادلنا أنا وأبا سعيد النظرات ..
لماذا لم تتساءل عن ناصر ؟؟
هل لأنها تعلم شيئا عنه ...
قاطعت تساؤلاتي بقولها : عبدالرحمن أصدقني القول !!
أين والد ناصر ...
لم أكن أكترث هذه المرة لها أو لما قد يصيبها ..
وربما مامريت به هذه الليلة قد خلق فيني هذا الشعور ...
بدأت أسرد عليها القصة ...
كانت تنتحب ...
كانت دموعها تختلط بحرارة مع نياحها ...
ثم قالت : كان يعلم أنهم لن يتركوه ...
حاولوا حرقه ...
بيتنا السابق أشعلوا فيه النيران أكثر من 20 مرة ...
كان الله يحفظنا في كل مرة ..
كانت والدة ناصر تتحدث كمن كانت تنتظروقوع مثل هذا الشي ...
أستوقفتها قائلا : أم ناصر ..
قالت بعصيبة : أنا لست أمه ...
هو السبب ...
هو من دمر حياتنا ...
هو وذلك الكتاب ..
أنهم يريدون الكتاب ...
ماذنب ذلك المسكين زوجي ...
وعادت للبكاء من جديد ...
نظر الي أبا سعيد كثيرا ثم قال : أي كتاب ياام ناصر ؟؟
كانت ماتزال تبكي ..
ثم توقفت فجأة وعادت للصراخ : قلت لك اني لست امه ..
كرر أبا سعيد سؤاله بعصيبة مخيفة هذه المرة ...
أي كتاب ياام ناصر ؟؟
لم تجب علينا ...
بل تحولت من البكاء الى الضحك ...
كانت تضحك بهستيرية ...
كانت ضحكاتها مخيفة ...
ثم سقطت ...
سقطت مغشية ...
وبدون مقدمات ...
" أنها مسحورة أو مصابة بمس شيطاني " ...
هكذا بادرنا الشيخ سلمان الذي حكينا له قصة والدة ناصر ...
الشيخ سلمان رجل معروف بالرقية الشرعية ...
كان يستمع لقصتنا بأهتمام بالغ ...
قرر أن يكلف زوجنه بمرافقته لمتابعة حالة أم ناصر ...
نصف ساعة ثم كنا في منزل والد ناصر ..
الشيخ سلمان هو وزوجته كانا قد بدأ الاعداد للقراءة على ام ناصر ..
كنا نستمع من خارج تلك الغرفة الى ضحكات وحديث طويل وصراخ ..
مضت ساعة خرج علينا فيها الشيخ سلمان ...
قال : مايسكنها هو روح خبيثة ترفض الخروج ...
وزاد بقوله : أن مايسكنها قال أنها جاء لجسدها الليلة من أجل شي واحد ..
أزدادت دهشتي وتساءلت كيف يسكنها روح خبيثة وهي امرأة متحصنة ..
مؤمنة ومصلية و ..
قاطعني الشيخ سلمان : الغضب ياعبدالرحمن أنه من ( مداخل الجن ) **
** ( مداخل الجن ) : حقيقة ..
كلام الشيخ سلمان حقيقي فالجن عندما يوكل من ساحر بسكن انسان فأنه ينتظر اللحظة المناسبة للسكن داخله ..
فمثلا ينتظر لحظة غفلة كسماع غناء او ممارسة معصية ايا كانت ..
او أمرأة عارية ولم تسمي .. أو أمرأة تتزين في الحمام أعزكم الله ولم تذكر اسم الله ..
وأذكر خصوصا الفتيات من مرتادات الزواج والحفلات حيث يجتمع التبرج والغناء والغفلة ..
أو الخوف الشديد ...
أو الغضب وهذا اكثر الحالات ..
علما أن أحد الجن ذكر لأحد المشايخ أثناء جلسة رقية أن أصعب خطوة في حياة الجن هي وقت السكن حيث أنها تستغرق فترة ليست عادية ..
وأن الانسان لو ذكر الله وقت احدى مراحل السكن هذه فأن الجني يحترق ..
هذا والله أعلم ...
عاد الشيخ سلمان للحديث معي ..
وصدمني بطلب هذا الجني ...
قال لي : أنه يشترط للخروج أن تعطوهم الكتاب وتخرجوا منه السكين ...
كان الامر غامضا وبدا غير مفهوم ...
تعجبنا انا وابا سعيد وقلنا : أي كتاب ...
قال أنه يقول أنك ياعبدالرحمن كنت الليلة في المقبرة التي بجانب المزرعة المذكورة ..
والكتاب دفنه ابو ناصر قبل 14 سنة هناك ..
أبحثوا عنه هناك وأتركوه في تلك المزرعة المهجورة وسينتهي كل شي ....
نعم سينتهي كل شي ...
ساد صمت طويل بعد مقولة الشيخ ..
أحسست أن الشيخ سلمان كان مترددا في قول شي ...
قلت له ياشيخ : ماالامر ؟؟
قال : امر غريب ..
قلت : اي امر ياشيخ ؟؟
تردد قليلا ثم قال : طلبهم كان غريب ...
أنهم يطلبون كتابا حرم على الانسان قراءته ...
كتاب خبيث ....
كتاب ملعون ...
يحتوي على طلاسم وعبارات سحر وشعوذة باللغة السيرالية ...
لها معاني شرك ويستخدم في تحضير الجن والسحر ...
والمعروف انه له العديد من الكتب التي تشرح الطلاسم ومعناها ...
وهو كتاب ضخم من ثلاث مجلدات ..
وقد قالوا انهم لديهم النسختين ...
ويريدون النسخة الثالثة التي دفنها والد ناصر في نلك المقبرة ...
وعليك ياعبدالرحمن ان تذهب وحيدا لانهاء مايريدون ..
هناك في تلك المقبرة ...
توقف الشيخ سلمان قليلا وعيناه بدت دامعتين ...
ثم قال : ياعبدالرحمن ...
لااخفيك سرا ...
أنهم يريدون هذا الكتاب ...
ماهذا ؟؟
كتاب ملعون ..
دفنه والد ناصر قبل 14 سنة ..
في نفس المقبرة التي كنت فيها الليلة ..
هكذا كان يردد الشيخ سلمان هذه العبارات على مسامعي ..
كنت انا شاردا بتفكيري بعيدا ...
بعيدا ...
هناك حيث المقبرة ..
وحيث البئر المهجور ...
الذي انتهت اثار اختفاء ناصر حوله ..
ذلك البئر الكئيب الملئ بتلك الرائحة المنتنة ..
كنت كمن يتقاتل مع عقله ..
اتساءل ..
كيف سأجد ذلك الكتاب في تلك المقبرة ؟؟
كيف لشاب مثلي أن يظل يحفر ويبحث بين تلك الحفر ..
ياترى أي مصيبة قد تنتظرني هناك ؟؟
هل حان الدور علي الان ؟؟
هل ستكون هذه الليلة هي اخر ليلة أشهدها ؟؟
اااااااااه ...
ماأطول هذه الليلة !!
نعم ؟؟؟
كيف فاتتني هذه ؟؟
لماذا هذه الليلة طويلة ؟؟
الساعة الان تشير الى الساعة الواحدة صباحا ...
شي عجيب فعلا يحدث ...
كل هذه الاحداث مرت ببطء وكأن عقارب الساعة متوقفة ...
" تذكر جيدا ياعبدالرحمن " ...
أنتشلتني تلك العبارة من تفكيري والشيخ سلمان يرددها بحذر ..
تذكر ياعبدالرحمن لاتنسى ذكر الله ...
وخذ هذه الزجاجة معك ..
كانت زجاجة ماء عادية لونه صافي وبها قطع لم اعرفها ..
قال لي الشيخ سلمان انها رقية وأستخدامها فيه الخير ان شاء الله ..
كانت دموع ابا سعيد تنهمر ..
كان يرثو لحالي ..
قرر ان يرافقني لتلك الرحلة ..
رحلة العودة الى تلك الاماكن المهجورة ...
لكن الشيخ سلمان عارض ذلك وبقوة ..
قال : عليك العودة وحيدا ياعبدالرحمن ..
هم يريدونك وحيدا لتنهي المهمة وتذهب ..
وقد حذرني ذلك الشيطان الذي يسكن والدة ناصر من خطورة ان يرافقك احد ..
وأقسموا ان يقتلوها ان خالفت اوامرهم ..
بدأت الدموع تتساقط من عيني الشيخ سلمان ..
كان يردد هذه التحذيرات وهو يعتصر ألما ..
يعلم ماقد يمكن ان يفعله هؤلاء الخلق ..
نعم خلقهم الله ووهبهم من القدارت مالايدركه عقل الانسان ..
انهم يستطيعون التشكل والتحول ..
يمكن لهم أن يتقمصوا هيئة الانسان كما جاء في الرجل الذي كان يتردد على أبو هريرة ..
وهيئة الحيوان ..
وربما كانوا على شكل شجرة او صخرة . **
** حقيقة
كان الشيخ سلمان يحاول مواساتي والتخفيف علي ...
ثم التفت ابا سعيد الى الشيخ سلمان وقال : سأرافقه ..
ودار بينهما جدال ...
فالشيخ سلمان كان حتما يعلم أشياء نجهلها نحن ..
يعلم ماسيحدث لمن يرافقني ..
لذلك حتما سأذهب وحدي ..
نعم ...
" سأذهب لوحدي " ..
قاطعت جدالهم بهذه العبارة ..
تركتهم وهم ينظرون لي ..
مندهشين ..
ومتعاطفين ..
كانوا فقط يدعون ..
ويرجون الله أن تنتهي هذه الحادثة بخير ...
غادرت منزل والد ناصر ..
أتجهت صوب سيارتي ..
كانت كما تركتها انا وابو ناصر قبل اتجاهنا لتلك المنطقة واختفاءه ..
ادرت المحرك ..
كان كل شي فيها كما هو ..
حتى ذلك الجوال الخاص بتلك الميتة كان كما هو ..
أنطلقت بسرعة ..
تجاوزت تلك الشوارع المزدحمة وأتجهت الى الطريق السريع المؤدي الى تلك المنطقة ..
وصلت بداية تلك الطريق المهجورة ..
كانت هناك سيارة تتبعني من بعيد ..
كانت بعيدة بدرجة لم تمكنني من معرفة هويتها ..
الحقيقة تلك السيارة رغم انها كانت تتبعني الا اني كنت اشعر بالطمأنينة أكثر ..
كيف لا ...
وهناك على الاقل من يرافقني في هذه المنطقة المهجورة ..
كنت أقترب من تلك المزرعة المهجورة ..
وتساءلت : هل أتوقف للبحث عند تلك المقبرة ؟؟
أم أواصل حتى تلك المزرعة المهجورة علني أجد ماقد يساعدني هناك ..
وبينما أنا غارق في هذه الاختيارات والتساؤلات ...
حدثت مفاجأة من العيار الثقيل ...
كان هاتف تلك الميتة يطلق نغمة أرعبتني ...
نغمة معروفة لكل مستخدمي الجوالات عامة ..
نغمة تعلن عن تلقي رسالة ...
نعم رسالة نصية ...
أوقفت السيارة فورا بحركة لاارادية ...
لم ألمس ذلك الجوال وهو يردد تلك النغمة ..
فقط كنت أتساءل ...
كيف يعمل هذا الجوال ؟؟
تلك القطعة النحاسية التي توضع بداخله ليتدفق وينبض فيه الارسال غير موجودة ..
أي سحر هذا ؟؟
مزيج من الخوف والتردد والفضول كانت تمتزج بداخلي ...
وكانت النصرة للأخير ..
نعم الفضول ..
ألتقطت الجهاز ..
وفتحته ..
وصدق ظني ..
كانت رسالة نصية ..
رسالة كانت تنظر القراءة ..
وكانت من رقم واحد ..
رقم معروف جدا ..
أنه اللص ..
علي ..
سائق الاسعاف ..
كانت الرسالة غامضة ..
فقط كانت تحوي عبارة واحدة ورقمين ..
كانت الرسالة تقول ..
" المقبرة 14 " !!
أندهشت كثيرا ...
مالذي تعنيه هذه الرسالة ؟؟
كان يساورني شك أن مرسل هذه الرسالة هو من يطلب الكتاب ..
ورسالته هذه كانت مساعدة منه لي ..
كانت أشبه بالمفتاح ..
ولكن ؟؟
أين القفل ؟؟
نعم أين القفل حتى يمكنني أستخدام هذا الحل ..
المقبرة تلك كبيرة ..
كيف سأجد ذلك الكتاب ؟؟
كانت تساؤلاتي تلك تبدو بلا نهاية ..
صرت أشعر وكأن أطرافي بلا حراك ..
وكأنها ترفض الاستمرار في هذا الرعب ..
الان فقط عرفت أن تلك المعلومة التي قرأتها في تلك المجلة صحيحة ..
المعلومة كانت تقول :
أنه كلما أزداد المرء حيرة وغموض صار أقرب الى الشلل النصفي **
**حقيقة علمي
أقسم أنني أشعر وكأنني مشلول تماما ..
كنت ماازال اسير ...
تجاوزت تلك المقبرة ..
لااعلم لماذا كنت اتعمد تجاوزها ..
كنت امني نفسي بالذهاب الى تلك المزرعة المهجورة على أمل أن أجد والد ناصر ..
أو ناصر ..
أو حتى اللص علي ..
رغم صعوبة الموقف عند مواجهتهم الا انني افضل صحبة احدهم على البقاء وحيدا هكذا ..
عدت للنظر حولي ...
أترقب تلك المزرعة من بعيد ..
ثم ...
ماهذا ؟؟
غير معقول !!
كانت الاضاءة الخاصة بالوقود مضيئة ..
وأضاءتها كانت تعلن قرب نفاذ الوقود من سيارتي ..
كيف يحدث ذلك ؟؟
لقد تزودت قبل وصولي الى هذه المنطقة بالوقود ..
كيف يحدث هذا ؟؟
واصلت السير حتى توقفت تماما أمام تلك المزرعة المهجورة ..
كانت تماما كما هي ..
البوابة الرئيسية مفتوحة ..
ترددت كثيرا في الدخول ..
في تلك اللحظة كانت هناك رائحة وقود واضحة ..
كانت قوية جدا ..
بدأت بالدوران حول سيارتي ..
وفعلا ..
وجدت ماكنت أخشاه ..
شخص ما عبث بخزان الوقود ..
كان مثقوبا ..
شخص ما تعمد ذلك ..
شخص كان قد تعمد أن يثقب الخزان بطريقة ذكية ..
طريقة تضمن عدم خروجي من هنا ....
على الاقل .....
كان الشيخ سلمان يتبادل نظرات القلق مع ابا سعيد ..
ابا سعيد كان رجل يجيد قراءة تعابير وجه من امامه ..
كان يستشعر أمرا ما من تصرفات الشيخ سلمان ..
كان يشعر بأن الشيخ سلمان يخفي أمرا ما ..
قطع الصمت بينهما طرقات زوجة الشيخ سلمان لباب الصالة كتعبير لنداء زوجها ..
كانت تتهامس والشيخ سلمان بصوت خفيف ..
لم يكن ابا سعيد يستطيع تمييز أي شي من هذا الكلام ..
كل ماكان يجول بخاطره وقتها ..
أن الشيخ سلمان يخفي أمرا ما ...
أمرا مجهول عن الجميع ..
مضت دقائق ...
ثم عاد الشيخ سلمان ...
كان يرى القلق البادي على وجه ابا سعيد ..
بدى الشيخ سلمان مرتبكا على غير عادته المعروفة بالهدوء ..
كان ابا سعيد يطيل النظر في الشيخ سلمان ..
مما جعل الشيخ السلمان يعاجل بقوله :
أبا سعيد لدينا مشكلة ..
أجاب ابا سعيد بحذر ...
أي مشكلة ؟؟
أستطرد الشيخ : أم ناصر تعاني من نوبات شيطانية وعلاجها يتطلب أن نحصن الغرف ومحيطها وأسقفها بالحناء المذكور عليه اسم الله **
** حقيقة ..
بعض الجن يهوى العبث تماما كما يهواه بعض الناس ..
فهو يسكن المريض حتى اذا ماذهب المريض الى شيخ أو راقي فسرعان مايهرب اذا احس بخطورة القراءة ..
وهنا يختلف ذكاء وقوة وحنكة القراء وخبراتهم ..
فيتم وضع حناء ممزوج بماء مرقي ويتم تلطيخ اجزاء من الجدران والاسقف وزوايا المكان حتى تصبح كالسجن لذلك الشيطان ..
ومن رحمة الله ان الشيطان لايستطيع الهرب من هذه الحيلة ..
تعجب ابا سعيد قليلا ثم قال : توكل على الله أذن ..
ثم أنصرف الشيخ تاركا ابا سعيد في تلك الغرفة واغلق الباب بهدوء وراءه ...
ظل ابا سعيد قرابة الـ 20 دقيقة ينتظر ..
الغريب هو الهدوء الذي كان يلف المنزل ..
كان يتوقع أن يسمع صرخات أو ضحكات كالتي سمعها وقت القراءة ..
ولكن لااثر لكل ذلك ..
بدأ القلق يتسلل الى نفس ابا سعيد ..
فبدأ ينادي ياشيخ سلمان ...
ياشيخ سلمان ..
لم يجيبه أحد ..
كرر النداء ..
ولكن مامن مجيب ..
اتجه ابا سعيد الى باب الغرفة ليستطلع الخبر ...
ولكن ...
كانت هناك مفاجأة ...
الباب كان مغلقا من الخارج ...
والشيخ سلمان تعمد حبس ابا سعيد ...
لماذا ؟؟؟
بدأ القلق يدب في كل أنحاء جسمي ...
أصبحت عليقا في هذا المكان ..
سيارتي بلا وقود ...
ماذا سأفعل الان ؟؟
كررت النظر الى ذلك المنزل المهجور ..
كان كما هو ...
مخيفا ..
كئيبا ...
والغريب ان صوت الانين الذي سمعته سابقا لازال يتكرر بصوت خافت ..
لااعلم مصدره ..
كان وكأنه ينتشر في الفضاء ..
تراجعت وقررت العودة الى المقبرة ..
نعم هناك مفتاح كل الاسرار ...
يجب ان ابحث عن ذلك الكتاب مهما كلف الثمن ..
أنطلقت أركض ..
كانت سيارتي وقتها قد فرغت تماما من الوقود ..
سأقطع كل تلك المسافة أجري ..
لايهم سأجري ...
وأنطلقت بسرعة لم أتذكر أنني عدوت بمثلها من قبل ..
كان الخوف هو الوقود الاول لي ..
واصلت حتى بدت تظهر لي تلك المقبرة ..
كانت كما هي ساكنة ..
كان ذلك البئر يتوسطها كأم تحتضن طفل رضيع ..
كان بينهما تناسق غريب وعجيب ..
وصلت الى المقبرة تماما ..
توقفت لحظة ..
لااعلم لماذا توقفت ؟؟
هل كنت أريد ألتقاط أنفاسي ؟؟
أم أن حالة التردد بدأت تعود من جديد ...
كانت فكرة تعطل سيارتي وصعوبة الخروج من هذا المكان ..
أضافة الى امنيتي بالعثور على صديقي ناصر ووالده تدفعاني دفعا الى تلك القبور ..
كنت اسير بين تلك القبور كالضائع ..
مئات من القبور ...
كيف لي أن أبحث بداخلها ؟؟
كان الامر محيرا ..
بل ومحيرا جدا ...
بدأت أقلب بيدي التراب حول بعض القبور علي أجد مايمكنني الاستدلال به ..
بدأ التعب يعتليني ...
واصلت بحثي ..
وجدت نفسي أنساق الى ذلك البئر ...
نظرت فيه ..
كانت المياه راكدة ..
وتصدر منها رائحة كريهة ...
لم يكن هناك أي شي واضح حول هذا البئر ..
أحسست بالتعب ..
ألقيت بجسمي على الارض ...
كنت أعيد شريط بداية الاحداث ..
وكيف بدأت تلك الامور ..
أمور قديمة يجمع الكل على أنها قبل 14 سنة مضت ..
كيف لي أن .....
نعم ...
صحيح ...
كيف نسيت تلك الرسالة ...
رسالة اللص علي ..
كانت تقول : " المقبرة 14 "
أنا الان في المقبرة كما طلب ...
ولكن ماذا يقصد بـ 14 ؟؟؟
كررت النظر الى المقبرة ..
لم أجد مايمكن أن يسوقني الى الرقم 14 ..
أعدت النظر الى البئر ..
هو كذلك لم يكن يرشدني لشي ...
أحسست بالضياع ..
تقدمت قليلا ..
فخطرت لي فكرة ...
سأبدأ بعد القبور ..
لماذا لااختار العد من احدى الجهات ..؟؟
فربما توصلت لحل ..
كانت المقبرة ذات شكل دائري ..
مما يصعب عليك اختيار جهة كبداية للعد ..
ثم خطرت لي الفكرة ...
البئر هو الحل ...
صعدت على حافته ..
بدأت أراقب المكان ..
كنت أرى هناك في طرف المقبرة صخرة كبيرة ..
غريبة ..
كيف لم أشاهدها من قبل ؟؟
نزلت بسرعة ...
كنت أتنقل بين القبور حتى وصلت اليها ..
كانت تحتل ركنا واضحا من المقبرة ..
والاغرب كانت القبور التي تبدأ من تحتها تصطف بشكل غريب ..
وكأنها قطار متتالي ..
كانت تختلف عن القبور الاخرى لمن ينظر اليها من هذه الجهة فقط ..
كانت وكأنها صنعت لهدف ما ...
تركت التفكير في كل الاجابات ..
وبدأت العد ...
1
2
3
.....
حتى وصلت الى الرقم 14
كان قبرا عاديا كسابقيه ..
تأملته ..
كانت عليه نقوش غير واضحة ..
كانت مكتوبة على رأس القبر ..
بدأت أحاول جاهدا بيدي أن أنظف تلك النقوش حتى أستطيع فهمها ..
كنت أفرك بشدة ..
ثم ...
أحسست بشي غريب ...
شي أشبه بالزلزال ..
كانت الارض تتحرك من تحتي ...
أبتعدت ..
كان ذلك القبر ينهار جزءه العلوي تماما ..
سقط الى الاسفل تاركا سحابة صغيرة من التراب تتطاير ..
بقيت متجمدا لحظات ..
حتى عاد الهدوء الى المكان ..
ثم تقدمت بهدوء ..
كنت أرى ذلك القبر بوضوح ..
سطحه العلوي لم يعد موجودا ..
تقدمت أكثر ...
حتى وصلت حافة القبر ...
وكانت تنتظرني مفاجأة قلبت الموازين تماما ..
ذلك القبر ...
لم يكن قبرا عاديا ...
بل كان يحتوي على سلم ..
نعم سلم خشبي قديم يقود الى أسفل ..
وكان واضحا أنه بات لزاما علي أن أنزل ..
وكان واضحا أنني أسير في الطريق الصحيح ..
نعم الطريق الذي أجهل نهايته ..
ومع كل هذا ...
بدأت في النزول ...
النزول الى الجحيم ...
والى الضياع ...
كانت سيارة الشرطة تقطع تلك الطريق بتباطئ ...
كان قائدها قلقا بعكس زميله الذي كان يغوص في تفكير عميق ..
كان كمن يخشى شي ..
أو فوات شي ..
قاطع هذا الصمت السائق وهو يخاطب زميله :
أتمنى أن أعرف مالذي يجعلنا نطارد هذا الشاب الى العاصمة ثم ألى هنا ؟
كان زميله صامتا وغير مبال بتساؤلاه ..
فواصل السائق قائلا :
هل تعتقد أنه ساحر ؟
هذه الاماكن موحشة ومرعبة ؟
ماذا سيفعل فيها ..
ثم أنك تقول أن سيارته غير مسجلة ..
لم يكن يحصل ذلك السائق على اجابات ..
فصرخ بشدة ..
لماذا لاترد على أسئلتي ..
كان زميله مايزال صامتا ويفكر بشرود ..
وفجأة توقف السائق بالسيارة وصرخ في زميله :
لماذا تتجاهلني هل تريد أرعابي ؟؟
هل لأن رتبتك أعلى مني ستجعلني كالخادم معك ؟؟
لن نواصل مطاردة ذلك الشاب وسأعود بالسيارة الان الى ....
لم يكد ينهي جملته الاخيرة حتى تفاجأ بزميله يخرج مسدسه ويطلق عليه النار ..
نعم ..
أطلق رصاصتين أستقرت في رأس السائق المسكين ..
لم يكن منظر سائق سيارة الشرطة وهو غارق في دمائه قد هز أي شي بداخل زميله ..
بل ترجل من مقعده ..
وأزاح جثة ذلك المسكين عن مقعد السائق ..
ثم قذف به في الطريق ...
وأعتلى مقود السيارة ..
وهو يقول : هكذا أصبحت أنعم بالهدوء .. ياله من ثرثار أبله ..
وأنطلق ..
أنطلق قاصدا تلك المزرعة المهجورة ..
تماما حيث كانت سيارة عبدالرحمن تقف ..
وحتما كان يريد شيئا ما ...
شيئا غامضا ..
كان ذلك السلم يبدو بلا نهاية ..
أو هكذا الظلام جعلني أشعر ..
كانت هناك بالاسفل ..
نقطة ضوء صغيرة ..
مما يعني وجود شيئا ما هناك ...
واصلت نزولي بسرعة ..
كان الفضول بدأ يقتلني ..
نزلت بسرعة ...
وبدأ ذلك الضوء يوضح ..
وصلت الى الارض ..
ووجدت شي غريب ..
كان هناك نفق ..
بدأ أنه سيوصلني الى مكان ما ..
كان ذلك المكان مضاء بشئ غريب ..
كانت هناك السنة لهب ..
السنة متعلقة في الهواء ..
تماما كتلك التي كانت تشتعل في الاشجار وتختفي ..
كنت اشق طريقي بسرعة ..
كنت اعدو بسرعة ..
أحسست بطول ذلك الممر ..
اكثر ماكان يدفعني للمواصلة ..
هو أمنيات بنهاية لهذه الاحداث ...
كم أتمنى أن أعود لحياتي الطبيعية ..
اللعنة على ذلك الكتاب ..
متى ينتهي كل هذا ؟؟
أنتزعني من تساؤلاتي هذه مشاهدتي لسلم اخر أمامي ..
كان شبيها تماما بذلك السلم السابق ..
لم أتردد لحظة في الصعود ..
واصلت صعودي حتى وصلت الى قمته ..
كانت نهاية القمة كباب يلزمني دفعه ..
دفعته بحذر وهدوء ..
لاح لي من خلاله وكأني وصلت الى غرفة ما ..
كانت أضاءتها ضعيفة جدا ..
رفعت جسدي وصعدت الى تلك الغرفة ..
كانت خالية ..
وبدأ لي صوت أنين عالي ...
كان مصدره الغرفة المجاورة ...
توقفت بحذر قليلا ..
ثم أقتربت من أحدى النوافذ وحاولت أستشفاف مابالخارج ..
وكانت صدمة مذهلة ...
نعم مارأيته خارجا كان مذهل بحق ...
لقد رأيت طرفا من سيارتي وسيارة والد ناصر خارجا ..
وهذا لايعني سوى شي واحد ..
نعم ...
أنا الان في تلك المزرعة المهجورة ..
وتحديدا ..
في داخل ذلك البيت المهجور ..
بدأ الرعب يأخذني أكثر فأكثر ..
كان ذلك الصوت يزعجني ..
صوت الأنين ..
أخذت في الاقتراب من تلك الغرفة الجانبية بحذر ...
أقتربت أكثر ...
ثم وقفت أمام بابها ...
ورأيت منظرا كان غاية في البشاعة ..
كان رجلا كبيرا في السن ..
ولكنه مقطوع الايدي والارجل ..
وذا جسد نحيل ...
كان يبتسم لي ..
وكأنه يتوقع مجيئي ..
والاغرب بجانبه تماما ..
كانت هناك منضدة صغيرة ..
وموضوع عليها كتاب قديم ..
وكان يتوسط ذلك الكتاب ..
سكين ..
سكين كانت تخترق كل صفحاته ..
حاول أبا سعيد جاهدا أن يفتح ذلك الباب ..
لكنه كان موصدا بأحكام ..
تساءل ابا سعيد عن السر في حبسه ؟؟
ولماذا يمكن أن يفعل الشيخ سلمان مثل هذه الفعلة ؟؟
كانت الشكوك تحاصره ..
قرر أن لايقف حائرا ..
كان يدرك أن هناك شي غير طبيعي يحدث هنا ..
بدأ بالدوران حول نفسه ..
كان يتفحص تلك الغرفة جيدا ..
لاحظ وجود فتحة للتهوية ..
كسر الحاجز الخشبي الذي يفصلها عن الممر الداخلي ..
وقفز قفزة كانت أصغر من عمره بكثير ..
ولكنها أقوى غريزة يمتلكها الكائن الحي ..
أنها غريزة الرغبة بالبقاء ..
نزل من الناحية الاخرى ..
كان قد وصل الى ممر الصالة ..
قصد مسرعا أحدى الغرف ..
وأصابه الذهول حين وصل الى أحدى الغرف ..
ماشاهده كان مخيفا ...
كان يرى الشيخ سلمان ملقى على الارض وبجانبه تماما زوجته ..
ولم يكن هناك أثر لأم ناصر ...
وكأن الارض أبتلعتها ..
كان واضحا أن الشيخ سلمان وزوجته ليسا بوعيهما ...
أسرع ابا سعيد الى الغرفة الجانبية وشاهد شيئا غريبا ..
شيئا جعل شعر رأسه يقف ..
شاهد أم ناصر تتوسط الغرفة تماما ..
ولكنها كانت بدون رأس ..
بل كان الجسد فقط موجودا ...
كنت أراقب ذلك العجوز المبتسم ...
كان يضحك ثم قال لي : عبدالرحمن ...
لقد أتعبوك كثيرا الليلة ..
أجلس ولاتنظر للكتاب أو تفكر بفك السكين عن صفحاته ..
أنهم يريدون به خراب ودمار كثير من البشر ..
أرجوك لاتعطهم هذا الكتاب ..
ثم تحولت ضحكاته الى بكاء طويل ..
وصار يرجوني بشدة أن أمتنع عن هذا الكتاب ..
أحسست وقتها أنني أبتلعت لساني ..
حاولت جاهدا الكلام ..
ثم نطقت اخيرا ..
قلت له : من أنت ؟
عادت أبتسامته المخيفة تعلو وجهه وهو يقول :
أنا والد ناصر الحقيقي ..
وواصل حديثه ...
أنا أعتزلت الناس من سنين طويلة بسبب هذا الكتاب ..
عندما كنت أحفر داخل تلك المقبرة ..
كنت أعمل على تجهيز القبور للأموات ..
حتى عثرت على هذا الكتاب ..
قرأته بل وأحسست أني مشدود أليه ..
لم أكن أسنطيع مقاومة سحره ..
جمعتهم من كل حدب وصوب ..
كانوا يخدمونني كل الجن ..
حتى تزوجت منهم أم ناصر ..
نعم ..
جميلة جميلات الجن ..
ثم ساد خلاف كبير بين أقوامها بسببي وبسبب هذه الزيجة ..
كانوا يريدون الكتاب ليتخلصوا مني ومن نفوذي عليهم ..
قررت العمل بنصيحة الكتاب ووضعت السكين بداخله ..
وكانت هذه تعويذة لكف الجن عن الكتاب ..
كانوا يريدون هذه النسخة لاكمال المجموعة ..
المجموعة ذات الـ 3 كتب ..
علموا بناصر ..
وبمقدمه للحياة ..
حاولوا الا تختار امه له التشكل كأنسي ..
ولكنها فعلت فقتلوها ...
قطعوني كما ترى ..
فقط حينما أحاول الصراخ أو أرفع صوتي لاأملك سوى الانين ..
قاموا بتربية ناصر حتى سن الثالثة ..
كانوا يرون فيه بطلهم الذي سيكبر ويحرر هذا الكتب ..
وفاء لجنس امه على الاقل ..
ولكن ...
قاطعته أنا قائلا : ولكن والد ناصر المسكين الذي وجده ورباه كان هو الضحية ..
بدأت بالبكاء معه ...
كنت أنظر حولي ..
وياللعجب ..
خلي هناك في الغرفة الاخرى ..
كان هناك باب واضح للمنزل ..
أذن كيف لم أشاهده وأنا خارج المنزل ؟؟
كان الرجل لايزال يطلق ذلك الأنين المخيف ...
حاولت الأقتراب من ذلك الكتاب ..
ولكن ..
كنت أشعر بشي يدفعني لفك السكين ..
ولكن كلام هذا الرجل يخيفني ..
كنت واقعا في بحر من الحيرة ...
من أصدق ؟؟
كيف لي أن أعرف الحقيقية لأنهي كل هذا الخوف ..
ثم قررت أن أنهي ماجئت من أجله ..
سأخرج السكين وليحدث مايحدث ..
تقدمت بقوة وذلك الرجل يزداد أنينه ..
كان وجهه يتغير الى اللون الاسود ..
تجاهلته تماما ..
وأنتزعت السكين ...
وأنفتح الكتاب ...
لم أكد أبتعد عن الكتاب ألا وأشتعلت نيران مخيفة ..
كنت أشعر بحرارتها ..
هربت الى الغرفة الثانية ..
أبحث عن المخرج ..
ولكن ..
كانت هناك جثث ملقاة وجميعها بلا رؤوس ..
كلها كانت لابا سعيد ..
والشيخ سلمان وفيما يبدو زوجته ..
وأمرأة أخرى يبدو أنها والدة ناصر ...
جن جنوني ...
هل ماأراه حقيقة ؟؟
أين وعدهم لي بترك ناصر ووالده وعودة الامور الى ماكانت عليه ..؟
أنهم كاذبون ...
نعم حتى لو قالوا ووعدوا أنهم كاذبون ...
كانت النيران تزداد أشتعالا ..
دفعت ذلك الباب بقدمي ..
فأنفتح بكل سهولة ..
في الخارج ..
كما رأيت تماما ..
كنت داخل ذلك البيت المهجور وهاأنا ذا الان أرى بوابة المزرعة ..
كل ماأريده الان هو الخروج والهروب من هنا كيفما كان ..
ركبت سيارتي بسرعة ..
أدرت المحرك ..
لكنه لايستجيب ..
عاودت المحاولات أكثر فأكثر ولكن بدون فائدة ...
لمحت تلك الاضاءة التي تعني نفاذ الوقود ..
تذكرت ماحل بخزان الوقود ..
وقعت عيني على زجاجة ماء بجانبي ..
تناولتها وهربت ..
قررت قطع الطريق ماشيا ..
ولكن !!
كيف لم أنتبه ؟؟
كانت خلفي بأمتار قليلة تقف سيارة من سيارات الشرطة !!
ترى هل هي حقيقية ؟؟
تقدمت نحوها ..
كان محركها يعمل ..
ولكن مالذي جاء بها هنا ؟؟
هل هي تلك السيارة التي كانت تتبعني قبل مجيئي الى هنا ؟؟
تركت كل تلك الاسئلة جانبا ..
صعدت الى السيارة ..
أحكمت أغلاق كل الأبواب ..
وأنطلقت ..
نعم لن أتوقف ..
لن ألقى حتفي هنا ..
كنت قريبا من تلك المقبرة ..
ثم رأيت جثة شرطي ملقاة على الطريق ..
كانت تتوسط الطريق ..
ترى مالذي حدث له ..؟؟
تجاوزنه قليلا متعمدا أن لاأقترب منه كي لاأدهسه ..
ثم أنعطفت قليلا ...
وأذا بشخص يحاول أن يفتح باب السيارة الجانبي ..
لم أكن أستطيع تمييز ملامحه ..
كان فقط يحاول أقتحام السيارة ..
ثم قررت الأنطلاق بلا تردد ..
لكنه كسر زجاج السيارة الجانبي ..
زدت من سرعة السيارة ..
لكنه ظل متعلقا بيد وحيدة ..
نظرت حولي ..
لم أجد سوى زجاجة الماء تلك التي أعطاني أياها الشيخ سلمان ..
قذفت بها على يده ..
تحطمت الزجاجة وتناثرت محتوياتها على يده ..
ليعقبها صرخة مدوية منه ..
صرخة هزت كياني ..
كان يتألم ..
ثم سقط تاركا السيارة ..
والمخيف ..
أنه سقط ..
تاركا ذراعه التي أنقطعت داخل السيارة ..
أنقطعت بفعل تلك المياة الطاهرة ..
نعم ..
المياة التي ذكر اسم الله عليها ..
كان شكل اليد المقطوعة مخبفا ...
بدأت أستعيد كل شي ..
ذلك الرجل الذي أنقطعت يده قبل قليل لم يكن سوى ذلك الشرطي الذي أوقفني حين عودتي الاخيرة للرياض ...
أيعقل هذا ..
هل باتوا يعيشون ويتكاثرون حولنا ونحن لانعلم ..
هل أصبحوا يخالطوننا حتى أصبح من الصعب تمييزهم ..
كنت أنطلق بقوة متجاوزا تلك المزارع والاحراش ..
فقط لي هدف واحد سأقف عنده ..
نعم ..
سأتجه الى مركز الشرطة ..
بل أقرب مركز شرطة ..
كان الفجر قريبا وباتت خيوطه في الارتسام ..
قطعت المسافات سريعا ..
تجاوزت تلك الطرق ..
وأخيرا ..
هاهو ذا مركز الشرطة ..
أوقفت السيارة بشكل عشوائي على الطريق ..
ودخلت مسرعا الى ذلك المركز ..
وصلت الى غرفة أحد الضباط ..
كان ينظر لي بخوف ..
ثم قال لي : ماذا حدث لك ..
طلبت منه ماء ..
فأعطاني ...
ثم طلب بالجرس مجموعة من المساعدين ..
كانوا مندهشين لحالتي ..
طلب منهم الضابط تركي لأارتاح ..
ثم بدأت أحكي لهم القصة ..
نعم ..
كل القصة ..
بكل تفاصيلها ..
وبكل صغيرة وكبيرة ..
كانوا يسجلون كل شي ..
كل شي ..
ثم ...
سقطت أنا في غيبوبة ..
غيبوبة تامة ..
كنت أفتح عيني جاهدا ..
كان ضوء الشمس يملأ المكان ..
وكنت ماازال كما أنا بحالتي الرثة ..
ولكني كنت على أحد الاسرة البيضاء في مستشفى على مايبدو ..
كانت غرفتي تحوي الكثير من الأطباء والضباط ..
كانوا يتبادلون الحديث ..
كنت أسمعهم بوضوح ..
دون أن ينتبهوا لي ..
كان أحد الضباط يقول :
لقد أرسلنا رجال الشرطة للتأكد من المزرعة التي يقول ولكننا لم نجد هناك مزرعة أصلا ..
ثم بحثنا عن المقبرة والقبر التي يقول ولكن لاوجود لها في تلك المنطقة ..
وسألنا بعض من يعيشون هناك عن رؤيتهم لشاب بمواصفاته ولكنهم أنكروا رؤية مثل ذلك ..
ثم قاطعه ضابط اخر :
حتى بيتهم الذي يقول في الرياض لم نعثر عليه بل أن الموقع الذي وصف لنا فيه بيتهم كان هو موقع مقبرة كبيرة في الرياض ..
ومحله الذي يدعي ان اللص صاحب الاسعاف كان يتردد عليه فيه ليس له وجود ..
بل أن مكان وصفه كان يوجد أرض خالية كانت معروضة للبيع ..
حتى ابا سعيد الذي ذكر والشيخ سلمان وناصر صديقه ووالده ليس لهم وجود وحتى عناوينهم كانت لمنازل خاطئة ..
كان كبير الضباط ينظر بحيرة اليهم ..
ثم واصل ضابط اخر :
حتى وصوله الى مركز الشرطة صباحا كان بدون سيارة فكيف يقول انه جاء بسيارة شرطة ..
ثم أننا خاطبنا كل الجهات المعنية ومراكز الشرطة في كل الدولة فلم يبلغوا عن مقتل أو أختفاء أي فرد منهم ..
فكيف يقول أنه رأى شرطيا مقتول وقطع يد اخر ؟؟
تدخل كبير الاطباء وخاطب الضباط قائلا :
أيها السادة لقد أخبرتكم مرارا أن هذا الشاب مريض نفسي ..
وهو مصاب بمرض الفصام ** الذي هو واحد من الأمراض الذُّهانية أو العقلية الرئيسية ..
والاكيد أن هذا الشاب مصاب بما يعرف بالفصام الظناني أو الباروني ..
وهو ناتج عن الضغوط التي قد يتعرض لها
مرض الفصام :
يعتبر مرض الفصام الذهاني (schizophrenia) أهم الأمراض العقلية ..
ومن الأخطاء الشائعة ما يسميه البعض بانفصام الشخصية ..
ويشكل المصابون بهذا المرض أكثر نزلاء مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية نظراً لصعوبة هذا المرض وتأثيره على المريض وعائلته وكذلك على المجتمع...
وهذا المرض موجود منذ زمن بعيد وأول وصف لهذا المرض يرجع الى عام 1400 قبل الميلاد .
دخل في ذلك الوقت شرطي اخر ...
سلم رسالة ما الى كبير الضباط ..
فتحها ذلك الكبير ثم قال موجها حديثه للضباط والاطباء :
الغريب أنهم الان وجدوا سيارة تخصه ..
ولكن !!
يقولون أنهم وجدوها في قرابة أحدى مقابر المدن الشمالية !!
والاغرب أنهم عثروا على زجاجها الجانبي محطم ..
وعلى المقعد الجانبي كانت هناك يد مقطوعة كما أدعى ..
ولكن الغريب انها لم تكن يد أنسان كما أدعى ..
بل كانت ..
يد ..
كلب !!
قرر الأطباء أن حالتي صعبة وتحتاج الى علاج مكثف ..
والان هاهم ينقلونني في عربة الاسعاف الى مستشفى الامراض النفسية بالعاصمة ..
سيتم أيداعي هناك حتى تتحسن حالتي ..
من يعلم !!
قد أكون عاقلا بين مجانين رفضوا تصديقي ..
وقد أكون مجنونا يحتاج الى علاج ..
هذه التجربة ستظل محفورة بعقلي وذاكرتي ماحييت ..
أقسم أن ماعشته حقيقي ..
مارأيته حقيقي ..
ولايهمني أن يصدقني أحد ..
دعوني أبقى في هذا المستشفى ..
دعوني فربما كان عقلي بحاجة الى راحة طويلة جدا ..
لقد تحمل مالايطيقه انسان ..
دعوه يرتاح حتى لو كان الثمن أتهامي بالجنون ..
لايهم ..
لقد مرت علي ليلة من اصعب ماعاشه الانسان ..
ثم أغمضت عيني ..
ورحت في نوم عميق ..
ولكن ..
لم أكد أنعم بتلك الغفوة ألا بصوت باب سيارة الاسعاف يفتح ..
كنت مقيدا كمتهم ..
وكانوا يسوقونني كمجرم ..
ياالله ..
هربت اليهم طالبا النجدة عاقلا ..
فأخرجوني من مركزهم مريضا ومختلا ..
كانوا يقولون أن المستشفى يتخذ أجراءات أحتراسية لاستقبال حالتي الحرجة ..
وصلت ..
وكانوا يقودونني الى حجرة خاصة ..
حجرة كنت أرى اللوحة التي كتبت عليها ..
كانت " عنبر الحالات الخطرة " ..
وصلنا ..
فتح الباب الاول ..
ثم سرنا قليلا ففتح الباب الثاني ..
ثم وصلنا الى باب ثالث ..
كانت تبدو خلفه حجرة معزولة وكئيبة ومظلمة ..
كنت أتساءل قبل أن ندخل ..
ماذا لو مات شخصا هنا ..
مع كل هذه الابواب والمسافات ..
هل سيكون هناك من يسمعه ؟؟
أبتسمت وتذكرت ..
من سيهمه موت مثل هؤلاء الشريحة من المجتمع ..
أنهم مجانين وميتين بعيون الاصحاء ..
أوصلني الممرض وزميله الى فراشي الابيض والذي كنت أميزه بصعوبة بالغة بسبب ضعف الاضاءة ..
أستلقيت بجسدي الهالك أبغي الراحة ..
حتى لو كانت هنا بين هؤلاء المجانين ..
كان يشاركني الغرفة 3 نزلاء ..
هؤلاء هم رفقتي ..
كنت أتساءل واناأنظر أليهم ..
ياترى هل بينهم عقلاء أتهمهوهم بالجنون ؟؟
هل فيهم من مر بتجربة ما فرفض المجتمع تصديقه ؟؟
أبتسمت من جديد سخرية بهذا المجتمع ..
كنت أهم بالاستلقاء والنوم ..
النوم بعمق ..
ولكن !!
أنتبتهت لحركة أحد هؤلاء المجانين الذين يرافقونني ..
ثم تبعه المريض الثاني ..
وأصطف ورائهم الثالث ..
كانوا يمشون ببطء ..
زيقتربون مني ..
حتى أقتربوا من سريري ..
وكأنهم كانوا بأنتظاري ..
وبأنتظار لحظة دخولي ومغادرة الممرضون ..
كانت تعلو محياهم أبتسامة واحدة ..
أٌقتربوا أكثر ..
أضأت المصباح الذي كان يعلو سريري ..
ثم ...
أصابتني صدمة لاحدود لها ..
كانت الوجوه الثلاثة معروفة جدا بالنسبة لي ..
أقسم أنها كذلك ..
أنهم ..
ناصر ..
ووالده ...
واللص علي ..
سائق الاسعاف ..
وسارق الاموات !!