في فجر أحدي الليالي الباردة في الصحراء الغربية
ومع أنبلاج أول ضوء لنهارالتاسع عشر من نوفمبر عام 2006
اتوبيس القوات المسلحة ينتقل ببطء بين الارض المعبدة
في طريقه لأحدي المطارات الحربية التابعة للقوات الجوية المصرية
فجاه يصدر محرك الاتوبيس حشرجة مكتومة كأنسان يحتضر
ثم يتأرجح للامام وللخلف ثم يتوقف في سكون وصمت وكأنه كالجسد التي خلت من الروح
يهبط مستقلي الاتوبيس :
- ايه الحل ؟ المسافه للمطار 7 كيلو وفاضل ساعه علي جدول المظلة ؟
- مفيش ال حل واحد هنجري هنعمل ايه يعني ؟
- ماهو لو اخذنا المسافة دي جري هنوصل بعد ساعه وربع وفاضل ساعه بالظبط ؟
- الحل اننا مانضيعش وقت ونبدا في الجري من دلوقتي وبسرعه ؟
- هتجري سرعتك العادية 5 كيلو في الساعه والطريق كله رمله يعني سرعتك هتقل مش بعيد
تبقي 4 كيلو في الساعه ؟
- بلاش يأس يلا بينا ولما نوصل للمطار نبقي نبعت للصول فتحي ميكانيكي يشوف الاتوبيس
ينطلق الجمع الغفير المكون من 18 طيار حديثي التخرج لا يصدر منهم سوي صوت تنفسهم البطيء المنظم
وبعد ربع الساعه من الجري المتواصل يتوقف احد الافراد فجاه .
- ايه يا عبدالله وقفت ليه ؟
عبدالله - انا سامع صوت طفل بيبكي ؟
تعم الدهشه الجميع وينصتون في محاولة لسماع الصوت وفجاه ينطلق احدهم باتجاه 25 درجة يسار
- تعالوا تعالوا شوفو لا حول ولا قوة الا بالله .
ينطلق الجميع والفضول يقتلهم لمعرفة ماشاهده زميلهم
وكانت الدهشه من نصيب الجميع
طفل لم يتجاوز اسبوعه الاول قد لف بملاءات بيضاء وبرزت قدمه الزرقاء من وسط الملاءات
بفعل البرودة الشديدة للجو ؟
- ايه الحل ؟
عبدالله - حل ايه مفيش الا حل واحد
يسرع عبدالله بخلع جاكتته الميري ويلف بها المهد الصغير ويحتضنه ويعاود الجري من جديد
سليمان عامر - يلا مستنيين ايه ؟
احمد جلال - ده زمانه هيموت من البرد والجوع ربنا يولع فيها امه ال رمته كده ؟
شوقي الطحاوي - وفر نفسك للجري وادعي اننا نوصل قبل ما الواد يموت بين ايدينا ؟ ده صوته بيوطي شوية بشوية
ينطلق الجمع من جديد والحماس والخوف علي الطفل الصغير يقتلهم ولم يتوقفو عن الجري
الا بعد ان شارفت ابواب المطار الحربي علي الظهور واصبحت علي بعد أمتار قليلة
يدخل الجمع القليل بوابة المطار وكان صوت بكاء الطفل قد انقطع ولم يعد يصدر اي اصوات
يسرعون باحضار طبيب من الطاقم الطبي ويسرع عبدالله بوضع جسد الطفل الصغير علي مكتب
ضابط امن البوابة وينزع الطبيب الملاءات عن جسد الطفل ليكتشف ان جسده اصبح ازرق بكامله
وانه صامت وساكن كسكون الموتي وماهي الا ثواني ويكون الطبيب قد فرغ من كشفه علي الجسد
الصغير .
الطبيب - خلاص ربنا رحمة
سليمان عامر- لاحول ولا قوة الا بالله
عبدالله يتناول يد الصغيربأحدي اصبعيه فيرتجف من البرودة الشديدة التي سرت في اصبعيه
تامر عبدالحميد - عبدالله البس جاكتتك الجو ثلج هتبرد
عبدالله بشبه دموع - برد ايه تعالي شوف البرد الحقيقي
محمد فريد - الله يرحمه مات من الجوع والبرد
احمد الدسوقي - ربنا ياخد امه البس ياعبدالله
الطبيب - انتم لاقيتوه فين
سليمان عامر - عند نهاية الطريق المقطوع الاتوبيس عطل نزلنا واخدناها جري لاقيناه هناك
الطبيب - لازم الشرطة تيجي تستلمه
عبدالله - امتي بقي دي فيها نص يوم لحد ما اي قوة من القسم تيجي
في هذا الوقت يحضر مدير امن المطار
يلا ياشباب مفيش وقت كفاية التاخير والوقت ال ضاع فيه
عبدالله - انا اسف مش هقدر اطلع دلوقتي
مدير الامن
هتصل بالقائد بتاعك اخد رايه ولو اني شايف ان الموضوع مش مستاهل لكل ده
- مش مستاهل ايه يا افندم روحه طلعت بين ايديا
- الله يرحمه بس طيرانك من عدمه مش هيفيده بحاجه ده تلاقي امه من البدو وغلطت وهي ال رمته كده
لم نستطيع انا والزملاء ان ننسي صوت الطفل وملامحه الجميلة حلوة التقاسيم علي الرغم امتلاء وجه بالزرقه بفعل البرودة الشديدة والبرد القارص
المسكين مات جوعا وبردا تري في اي جنه يعيش وتري اتنعم امه بالراحه الان
لعنه الله عليها في كل مكان
هذه قصه حقيقية عشت فيها وحضرتها وحضرتها دموع عيناي التي لم تذكر حتي الان وجه الملاك
الصغير ووتخيله وهو يبتسم علي الرغم انها لم تشاهده ال وهو يبكي ودموعه القليلة تملء وجه الصغير
حسبي الله ونعم الوكيل