العولمة
1- التعريف الاول و المختصر:
مفهوم العولمة :
منذ بروز مفهوم العولمة أو الكونية في السنوات القليلة الماضية، والجدل مستمر حول تعريفها بل و حول حقيقتها ، فالبعض يراها دعوة زائفة ، وآخرون يرونها حقيقة تقوم على سند . و العولمة هي الترجمة لكلمة "GLOBALIZATION"
المشتقة من كلمة " GLOBE " أي الكرة و المقصود بالكرة هنا الكرة الأرضية
و يتحدث علماء الاجتماع في مجال التحديث عن " GLOBAL CALTURE " أي الثقافة العالمية و" GLOBALIZATION " اصطلاحاً باللغة اللاتينية تدل على مشروع لمركزة العالم في حضارة واحدة .
فالعولمة لغة : مصدر اشتقاقي لفعل مستحدث عولم يعولم عولمة فيقال إن الحياة تعولمت بعد أن تعولم الاقتصاد وإن السيولة المالية قد تعولمت وكذلك المواصلات والمعلومات
و اصطلاحاً : اندماج أسواق العالم في حقول التجارة العالمية والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى والثقافات ، ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق ، وخضوع العالم لقوى السوق العالمية بما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية ، والانحسار الكبير في سيادة الدولة لفائدة الشركات الرأسمالية الضخمة المتعددة الجنسيات
وقد تعددت التعريفات لمهفوم العولمة ، فمنهم من يراها بأنها :
القوى التي لا يمكن السيطرة عليها للأسواق والشركات المتعددة الجنسية التي ليس لها ولاء لأية دولة قومية .
ومنهم من يقول " إنها حرية حركة السلع والخدمات والأيدي العاملة و رأس المال والمعلومات عبر الحدود الوطنية والإقليمية " .
و يفرق آخرون بين العولمة والنظام الدولي " الذي هو تعاون بين دولة ودولة أو بين عدة دول بينما " العولمة " هي تعاون بين جميع الدول والمؤسسات و غيرها
تبادل شامل بين مختلف أطراف الكون يتحول العالم بموجبه إلي محطة تفاعلية للإنسانية بأكملها .
( نموذج القرية الكونية التي تربط بين الناس والأماكن ملغية المسافات و مقدمة المعلومات بشكل شامل بلا قيود )
نظام عالمي جديد يقوم على العقل الإلكتروني والثورة المعلوماتية القائمة على المعلومات والإبداع التقني غيرا لمحدود دون أدنى اعتبار للحضارات والقيم والثقافات والحدود الجغرافية والسياسية للدول .
حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز و بقيادتها وتحت سيطرتها ، و في ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ "
والخلاصة إن الباحثين قد تعددت مناهجهم في تعريف العولمة .... و في كل الحالات لا
يمكن تعريف العولمة بغير تحديد تجلياتها و أبعادها في مختلف الميادين .
2- التعريف الثاني المفصل
العولمة
تعريف العولمة:
لم يستطع أي واحد من رجال السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع الخ... وضع تعريف واضح لمصطلح العولمة نظرا لكونها تهم كل المجالات الحياتية الشيء الذي يطرح صعوبة في تعريفها.
وهكذا فقد عرفها معجم sاwiber بأنها اكتساب الشيء طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا) 1. وهذا التعريف الذي أورده هذا المعجم يعتبر بعيدا كل البعد عن دلالة اللفظ والمقصود منه اعتمادا على ما هو متعارف عليها اليوم.
أما تعريفها اقتصاديا فيعني "استقطاب النشاط السياسي والاقتصادي في العالم حول إرادة مركز واحد من مراكز القوة في العالم " .
وعلى مستوى الترجمة فإن مصطلح“ La globalisation “ الإنجليزية و“La mondialisation” الفرنسية تمت ترجمتها الى العولمة. وترجمها البعض الآخر بالكونية أو الكوكبة. إلا أن مصطلح العولمة هو الراجع في الاستعمال.
ويثير مصطلح العولمة أو الكونية على غرار مجموعة من المصطلحات التي أصبحت متداولة الكثير من التساؤلات والإشكاليات بين الباحثين والمهتمين على اعتبار أن مفهوم العولمة ما زال مفهوما هشاملا في أغلب المجالات التي وظف فيها هذا المصطلح، ( لأنها مجرد إرادة تتجه للتحقيق الفعلي أو أفق قادم حتى يتبلور بوثيرة سريعة ومطالبة ملحة بهذا التحقيق، وليس فعلا حاصلا) فهي بذلك مجرد مشروع لم يكتمل بعد بنيانه، وهو ما قد يشكل خلطا لدى بعض المتعاملين مع هذا المصطلح وجعل ( بعض النقاد والمبدعين المحللين الاجتماعيين يذهبون مذاهب مختلفة في فهمها وتعريفها وتفسيرها ولذلك تأتي أحكامهم أحيانا غامضة ومتباعدة بسبب غموض منطلقاتهم واختلاف هذه المنطلقات حتى أصبح الباحثون في هذا الموضوع والمتحدثون عنه يتساءلون هل من الأفضل أن تترك هذه الألفاظ والمصطلحات وأمثالها تحديد ربما لأنها بطبيعتها غير قابلة للتحديد> وأن يتحدث عن بعض مظاهرها ونتائجها وعلاقاتها بغيرها اعتمادا على وجود قدر مشترك من الفهم بين المتحدثين عن هذه الألفاظ والمصطلحات يتيح توصيل الآراء والتحليلات إلى الآخرين مهما اختلفوا في التفصيلات والفروع)2.
ومن بين التعاريف التي أعطيت للعولمة أو الكونية ما قاله عنها “MARTIN WALTER” من أنها عملية اجتماعية تتوارى فيها القيود والحواجز الجغرافية والأوضاع الثقافية والاجتماعية وبالتالي فإن الظاهرة لن تحدث بصورة مطلقة مرة واحدة ولكن سوف يتدرج حدوثها من المشاكل التي أخذت صفة العالمية).
يعرفها محمد عابد الجابري بأنها ( ما بعد الاستعمار، باعتبار أن آل-ما بعد - في مثل هذه التعابير لا يعني القطيعة مع آل-ما قبل- بل يعني الاستمرار فيه بصورة جديدة ) 3.
كما يعرفها أيضا نفس الباحث المغربي بأنها ( ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي أيضا وبالدرجة الأولى إيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم)4.
ويعتبرها صادق جلال العظم بأنها ( حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ )5.
أما الباحث "على حرب" فيرى أننا ( إزاء حدث هو من الغنى والكثافة والتعقيد ما يجعله ينفتح على غير معنى واتجاه، ويفتح غير مكان ومجال، بقدر ما يطلق قوى اجتماعية جديدة أو يتيح انبثاق تشكيلات ثقافية مغايرة. والواقع أن من يتابع ما يكتب أو يقال حول العولمة سواء في الصحافة أو في الندوات الفكرية، يجد تعارضا في المواقف هو تجسيد للاختلاف في القراءة والتشخيص)6.
وقد حاول الدكتور محمد عابد الجابري وضع مقاربة للعولمة معتبرا بأنها ( نظام أو نسق ذو أبعاد تتجاوز دائرة الاقتصاد وأنها نظام عالمي يشمل المال والتسويق والمبادلات والاتصال كما يشمل أيضا مجال السياسة والفكر والإيديولوجيا)7.
أما الدكتور صبري إسماعيل فيرى ( أن العولمة ظاهرة تتداخل فيها أمور الاقتصاد والسياسة والثقافة والاجتماع والسلوك يكون الانتماء فيها للعالم كله عبر الحدود السياسية الدولية وتحدث فيها تحولات على مختلف الصعد تؤثر على حياة الإنسان في كوكب الأرض أينما كان. ويسهم في صنع هذه التحولات ظهور فعاليات جديدة هي الشركات متعددة الجنسيات “s’tnc” التي تتسم بالضخامة وتنوع الأنشطة والانتشار الجغرافي والاعتماد على المدخرات العالمية وتعبئة الكفاءات من مختلف الجنسيات وتبرز بفعل هذه التحولات قضايا لها صفة " العالمية " مثل قضية الممتلكات العامة البشرية من بحار وفضاء وقارة قطبية جنوبية وقضية صيانة البيئة وتحركات سكان الأرض وقضية الفقر في العالم وقضية الجريمة المنظمة كما تثور تساؤلات لها صفة العالمية حول دور الدولة في ظل هذه التحولات ودور الجماعات الأهلية في أوطانها ودور المنظمات الأهلية متعددة الجنسيات التي قامت مؤغير جيد في إطار العولمة في الغرب خاصة فضلا عن دور منظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المنبثقة عنها) 8.
والحقيقة أن كل التعاريف التي أعطيت للعولمة تعتبر صالحة لان كل واحد منها يلامس الواقع في أحد جوانبه لأنها واقعة مركبة ومعقدة وتنطبق عليها كل المواصفات التي أشرنا إليها سابقا .
وهكذا يتجلى أن العولمة هي مولود جديد جاء نتيجة تلاحق ظاهرتين اثنتين سبقتها: ظاهرة التدويل " internationalisation " وظاهرة تعدد الجنسيات "mutinationalisation " وفي هذا السياق يرى Perla, R بان ( العولمة هي مجموع المراحل التي تمكن من إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات:
- لفائدة أسواق عالمية " أو ستنظم " وفق مقاييس ومعايير عالمية من طرف منظمات ولدت أو تعمل على أساس قواعد عالمية بثقافة تنظيم منفتحة على العالم وتخضع لاستراتيجية عالمية من الصعب تحديد فضائها " القانوني والاقتصادي والتكنولوجي " بحكم تعدد ترابطات وتدخلات عناصرها في مختلف العمليات "الإنتاجية" قبل الإنتاج وحتى بعده)9.
- ومواكبة لهذه العولمة الاقتصادية والمؤسسات الإنتاجية عرف العالم عولمة الرموز والمؤسسات التي تنتج هذه ألا لآت في مجال الإعلاميات والاتصالات السمعية البصرية حيث أصبح ( إرسال المعطيات بسرعة الضوء 300000 كيلومتر في الساعة ورقمنه النصوص والصورة والصوت والالتجاء لأقمار الاتصالات وثورة الهاتف وتعميم المعلوميات في قطاعات إنتاج السلع والخدمات وتصغير الحواسب وربطها داخل شبكات قد مكنت من خلق انقلاب في نظام العالم)10.
- فعولمة راس المال كما يقول "ريكاروبتريلا" (سارعت وتيرة تدويل الاستثمارات والقطاع الإنتاجي موازاة مع تداخل التيارات التجارية عبر الجهات العالمية الكبرى وقد مكن هذا التداخل بدوره -عبر التنمية الخارجية- من تحفيز عولمة المؤسسات والاستراتيجيات والأسواق من استثمارات مباشرة بالخارج ونقل الصناعات وتحالفات واختصاصات الخ...وهكذا فكل مجموعة صناعية ومالية مهمة تتبع استراتيجية في كل جهات العالم وخصوصا بأمريكا الشمالية وأوربا الغربية وشرق وكذا جنوب شرق آسيا)11.
- ويقاسم نفس الرأي الصحفي المغربي يحيى اليحياوي عندما اعتبر (الغازين الجدد " ذوو قدرات مالية هائلة يتصرفون بفضلها في تخصيص وتوزيع الموارد العالمية يحددون القيم والرهانات والأولويات " ويفبركون " على مزاجهم قواعد اللعبة: " أسياد العالم هم اليوم قلة تتمثل في بضعة مئات أشخاص رؤساء وأعضاء لجن تسيير لمؤسسات قليلة العدد تعمل في ميادين الإلكترونيات والمعلوميات والاتصالات والبرامج والسمعي-البصري والصحافة والنشر والتوزيع ربعهم متمركز في اروبا ومثيل له في آسيا والباقي في أمريكا. وعلى اعتبار التحالفات التي يبرمونها بينهم يمكن القول أن عشرة شبكات عالمية متداخلة وضخمة فقط هي التي تسير الاقتصاد وترسم معالمه المستقبلية على أساس أنه قليلة هي المؤسسات التي تستطيع لوحدها فرض منطقها وسلطتها على السوق العالمي بل حتى مفهوم الأقطاب لم يعد ذو قوة تفسيرية ذات بال فقد انصرف عنه لصالح مصطلح شبكات التحالفات المتعددة الأقطاب لم يعد السوق العالمي في ظل العولمة مجرد فضاء مادي تتم من خلاله العمليات التجارية والمالية كما عهدناه في مرحلتي التدويل وتعدد الجنسية بل أصبح ملتقى إعلاميا كوكبيا يتم في إطاره تبادل المعطيات والتحكيمات المالية على حساب الاقتصاد الواقعي أو المادي " réelle économie ". وخرجت من صلبه مافيا نشيطة ذات خبرة واسعة في مجال المضاربات المالية (وحتى العقارية) واندرجت مفاهيم المنافسة الحرة وقيم الشفافية لصالح الممارسات الاحتكارية وثقافة الارتشاء والتهرب من الضرائب. والعولمة التي صنعتها وكرستها وسايرتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال( من بين عوامل أخرى) لم تسحب السجاد من تحت إقدام مفاهيم القومية ( بمعنى القطرية) والسوق الوطني والحدود الجغرافية فحسب بل سحبته أيضا من تحت أقدام الدولة ( أو الدولة/الأمة) بتشريعاتها ومعاييرها ونظم تسييرها فتحولت الدولة الى مجرد متفرج على قرارات تتخذ داخلها من طرف شبكات المال والأعمال العالمية النشاط فأفرغت بذلك من دورها كفاعل رئيسي في عملية تحديد السياسة الاقتصادية وحتى من سلطتها الجبائية على الموارد " المارة " عبر كيانها الجغرافي)12.
ومن خلال التعريفات التي سقناها يتضح أن العولمة واقع يتميز بتزايد الارتباط والاعتماد المتبادل بين المجتمعات البشرية في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والإعلامية وغيرها من المجالات ساهمت في ترسيخها كتوجه عالمي الثورة التكنولوجيا في مجال المعلومات والتواصل التي منحت للبشرية فرصا وفوائد كبيرة لكنها في نفس الوقت تتضمن أخطارا لا يستهان بها خصوصا إذا لم يتم التعامل معها بحذر.
لقد دق الأمين العام السابق للأمم المتحدة ناقوس الخطر في إحدى محاضراته معلنا " أننا نعيش في غمرة ثورة شملت المعمورة بأجمعه مضيفا بأن كوكبنا يخضع لضغط تفرزه قوتان عظيمتان متضادتان/ انهما العولمة والتفكك ".
والوقع الذي ينبغي أن نومن به هو أن ( العولمة أصبحت ظاهرة معاشة تعبر عن تكتل العالم وتثير أخطر قضايا الساعة كالتشغيل وحدة المسالة الاجتماعية وبعض الجوانب من حقوق الإنسان. وإذا كانت قد توسعت فيها الاستفادة من حجم المبادلات والمواصلات فإن الهوة بين الفقر والغنى ربما تزداد عمقا واتساعا هي الأخرى. ولعل مفهوم العولمة قد ارتبط أساسا بالنمو السريع والكبير الذي عرفه الاقتصاد العالمي منذ أواخر السبعينات. كما أن الشركات المتعددة لجنسيات ساهمت في إشاعة هذا المفهوم لأنها كانت المستفيدة بالدرجة الأولى مما يسمى بالأنماط الشمولية التي تنطبق على مجمل الأبعاد سواء الاقتصادية أو المالية أو الثقافية أو الإنسانية وكذا على مستوى البنى سواء كانت وطنية أم جهوية أم عالمية. وبذلك فان العولمة تكون ظاهرة ناتجة عن تعميم اقتصاد السوق حيث شكلت السوق النقدية منذ بداية السبعينات وبدأت مع عولمة التجارة في إطار " الغات " واستمرت مع المنظمة العالمية للتجارة. وفي نفس السياق استفاد الفاعلون الاقتصاديون من الإجراءات ذات التوجه الليبرالي بإدراكهم أن السوق أكثر أهمية من الدولة في تحفيز الصناعة والزيادة في الإنتاج وضمان النمو) 13.
ونستنتج مما ذكرناه أعلاه أن العولمة أصبحت متعددة الأبعاد ولم تبق منحصرة في المجال الاقتصادي بل امتدت الى المجال الثقافي بمختلف فروعه والى المجال القانوني والتواصلي والإعلامي. وحتى الإجرامي وفي هذا السياق يقول الدكتور بطرس غالي " ليست هناك عولمة واحدة بل ثمة عولمات عديدة فعلى سبيل المثال هناك عولمة في مجال المعلومات والمخدرات والأوبئة والبيئة وطبعا وقبل هذا وذلك في مجال المال أيضا. ومما يزيد الأمر تعقيدا أن العولمة قد صارت تتعاظم في المجالات المختلفة بسرعة متباينة " .
ويمكننا القول بأن العولمة الحقيقية التي ينبغي تبنيها والدفاع عنها هي تلك التي تهدف جعل سكان العالم أشبه بسكان القرية الكونية. ولتحقيق هذا الهدف ينبغي أن يكون هناك وعي بين مختلف طبقات المجتمع المدني العالمي بقضايا هذا العالم في إطار شمولي وموحد يساهم في بنائها وبلورتها وقولبتها المجتمع العالمي بكامله لا أن ينفرد به قطب معين على حساب مصالح الآخرين أو فرض سيطرة جهة على أخرى. وأن يقوم زارعو نبتة العولمة والمدافعين عنها بتغيير لغتهم وخطاباتهم وحوارهم السياسي والأيديولوجي الاستراتيجي مع شعوب العالم وفتح أواصر جديدة للإخاء والتعاطف