"عيّرتني بالشيب وهو وقار ..
ليتها عيرت بما هو عار
إن تكن شابت الذوائب مني ..
فالليالي تزينها أو الأقمار"
بهذه الأبيات، التي نظمها المستنجد بالله العباسي، تصوير لجور المحبوبة ومعايرتها لمحبوبها حينما يغزو الشيب رأسه.
غير أن المعادلة، هنا، مختلفة؛ حيث بات كثير من الرجال يعايرون زوجاتهم لا بالشيب فحسب، بل بالسمنة وظهور التجاعيد...، إلى جانب مقارنتهن بالفنانات الحسناوات، ما يؤثر في نفسية الزوجة سلبا، بعد عشرة دامت أعواما تقبّلت فيها زوجها كما هو من دون أن تأبه لما تركه الزمن من آثار على جسده كما جسدها.
هذا هو حال الخمسينية أم محمد، التي تقول إن زوجها يذكرها دوما بأنها كبرت، وتغيرت ملامحها للأسوأ، وأصبحت امرأة متقدمة في السن، ورغم كل ما تفعله بنفسها لإرضائه، غير أنه يعتبر أن جمالها أصبح منسيا.
وتستغرب ريم (32 عاماً) كيف أصبح زوجها لا يظهر إعجابه بها بعد إنجاب ابنها الأول، ورغم اهتمامها، غير أنها تشعر بأنه لا يولي جمالها الخارجي أي اهتمام، بل يقول لها إنها لم تعد صبيّة مثلما عرفها في أيام الخطبة.
وتنزعج ريم من هذا السلوك، قائلة إن زوجها أيضا، وبعد مرور خمس سنوات، أصبح شعره غير كثيف، بل "أصلع"، وتقول "رغم صلعه، إلا أنني أحترمه، كما هو، وأحفظ الحب الذي أكنّه له منذ فترة".
من جانبها، تعزو المتخصصة في العلاقات الزوجية الدكتورة نجوى عارف، هذا السلوك إلى أنانية الرجل، الذي ومنذ الأزل، لا يهتم بجوهر المرأة، وهو نتاج التنشئة الاجتماعية المتوارثة.
وتضيف عارف أن الأم تقدم نصيحتها للفتاة بأن تهتم بنفسها من أجل زوجها، وخوفا من ضياعه، غير أن هذا الأمر يعود إلى قناعة الفتاة، بأن الاهتمام بمظهرها يجب أن ينطلق، أساسا، من إنسانيتها، ومن ثم لمراعاة الطرف الآخر.
وفي المقابل، تؤكد عارف أن الرجل ينطلق من حصيلة ما تربى عليه من عادات وتقاليد، جعلت منه متلقيا غير مرسل، حيال ما ينشأ من تغيرات على المرأة، في حين لا ينظر إلى نفسه، وإلى التغيرات التي تظهر عليه على مدار السنوات.
وتؤكد أن من حق المرأة أن ترى رجلاً بهندام جميل ونظافة واهتمام بالمظهر، لأن الأديان حثت على النظافة، غير أن التنشئة والبيئة والعادات أثرت على توازن العلاقة بين الطرفين.
وعلى قاعدة "إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع"، تنصح عارف المرأة بأن تهتم بنفسها من أجلها ثم من أجل الرجل، لأن الهدف بالأساس هو اهتمام الفرد بنفسه، فكلما اهتمت المرأة بنفسها، زاد الأمر من تحسن نفسيتها ورفع معنوياتها إلى الأفضل.
وكنصيحة للرجل، تقول عارف، إن عليه الابتعاد عن "معايرة" المرأة، كونها تعد من الإهانات التي تدمر العلاقة الزوجية، وهي سلاح قد يحطم كل ما بناه الزوجان في حياتهما.
والأهم هو "الاحترام المتبادل"، كما تشير عارف، فإذا غدت الإهانة سائدة في العلاقة بسائر أشكالها الاجتماعية، فإن العلاقة الزوجية، لا محالة، آيلة إلى التحطم.
وتؤكد عارف أن الإعلام جعل الاهتمام بمظهر المرأة الأساس، وأهمل الجوانب الأخرى، ما دفع أفراد المجتمع إلى الاقتداء بمثل تلك المشاهد.
وفي المقابل، يتعجب الستيني أبو نضال من سلوك بعض الأزواج ومن سخريتهم من مظاهر زوجاتهم، مؤكدا أن الإنسان، في الوقت الحالي، أصبح يركز على الجسد والمظهر، متناسيا الجهد الذي تبذله المرأة لإسعاده وأبنائه.
ويضيف أبو نضال أنه، وطوال علاقته، لم يتفوه بكلمة تجرح زوجته؛ لأنه يعرف أن العمر سيّان، وأن جهود الطرفين متماثلة، والكبر لا يطال شخصا دون آخر، إلا أن المظاهر الكاذبة والصورة التي أصبحت تروج للمرأة، أسهمت في تشكيل نموذج معين لها في خيال الرجل.
أما رهام عبدالحافظ (28 عاما)، فترى أن سخرية الزوج من زوجته بعد "عشرة" عمر طويل تعد "ظلما وإجحافا" بحق المرأة، و"إهانة لفظية وعنفا"، وفقها.
وتضيف أن زوجها حتى اليوم لم يغير نظرته أو كلماته إليها، لكنها ليست متأكدة من ديمومة الأمر، "كنتيجة حتمية لما يضمره الرجل الشرقي حيال المرأة".
بدوره، يعتبر أستاذ علم النفس نظام أبو حجلة، أن مثل تلك السلوكيات تعد ذروة التسلط وإشعار الآخر بالنقص، مشيرا إلى أن ذلك يعزز من تحطيم نفسية المرأة، خصوصا وأن المجتمع لا ينصفها في مثل هذه الأمور.
ويعتمد بعض الرجال، وفق أبو حجلة، على استراتيجية تؤثر على نفسية المرأة، خصوصا عندما يكون موقفها ضعيفا، إذ إن عدم التقدير على مدار العمر، يؤدي بالمرأة إلى الشعور بالإحباط، والذي قد ينجم عنه مرض نفسي؛ كالاكتئاب وغيره.
أما أستاذ علم الاجتماع، المشارك في جامعة البلقاء التطبيقية، د.حسين الخزاعي، فيؤكد أن أهم سبب من أسباب معايرة المرأة يعود إلى التنشئة الاجتماعية، وإلى بعض السلوكيات التي يراها الابن بين الأم والأب.
ويضيف أن الضغوطات التي تواجه الزوج في حياته ومسؤولياته المتعددة، تجعله يرى في منزله ملاذا لهذه الضغوطات، غير أن بعض النساء لا يستطعن إخراجه منها، نتيجة لانشغالهن بأمور متعددة.
ويقول إن المجتمع المحلي، اعتاد فيه الرجل أن يعيش ضمن الروتين نفسه، ما يجعله يردد عبارات "المعايرة"، لمحاولة جذب اهتمام الطرف الآخر، فغالبا ما يأتي الرجل إلى البيت وزوجته مشغولة بأمور العائلة.
والرجل يفضل أن تكون المرأة داخل البيت متأنقة، والبيت عامل جذب، من لبس وطعام ونظافة، أما القضية الأهم، وفق الخزاعي، فتتمثل بعدم إيلاء الطرفين الوقت الكافي لبحث أمور خارج نطاق الأسرة.
والمعرفة عن الزواج تكون ضحلة من قبل الطرفين، بحسب الخزاعي، ما يؤدي إلى اعتماد الابن ما يراه في منزل أهله ومحيطه كأسلوب حياة لمستقبله الزوجي، ويظل الزوجان غير مدركين بأن عليهما واجبات ومسؤوليات مستمرة في الحياة الزوجية، وهي في الغالب مشتركة.
الغد