السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
الحمدُ لله الذي خلق الإنسان ، وعلَّمه البيان ، والصلاةُ والسَّلامُ على مَن أُنْزِلَ عليه القُرآن ، محمد بن عبد الله ،
وعلى
آله وصحبه ومَن اتَّبعه بإحسان ..
وبعـد ؛؛
يقولُ رَبُّنا تبارك وتعالى : ﴿ ن وَاْلقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ القلم/1 .. قال العلاَّمةُ السعدىُّ في تفسيره لهذه الآية : ‹‹
يُقْسِمُ تعالى بالقلم ، وهو اسمُ جِنْسٍ شاملٍ للأقلام ، التي تُكْتَبُ بها أنواعُ العلوم ،
ويُسطرُ بها المَنثورُ والمَنظوم ... ›› .
القلم :
أداةٌ للكِتابة ، بها يَكتبُ الإنسنُ مُختلف العلوم ، وما تجودُ به قريحتُه مِن خواطرَ وأفكار ، وفوائدَ وأشعار .
القلم :
مُلازِمٌ لأكثر الناس ، لا يُفارقهم بليلٍ أو نهار .
القلم :
صديقُ مَن لا صديقَ له .
القلم :
أداةُ التعبير ، ووسيلةُ التغيير .
القلم :
وسيلةٌ لشحذ الهِمَم ، وطريقٌ يصلُ بصاحبهِ لأعلى القِمَم .
القلم :
قد يُغني عن كثير الكلام ، ويصلُ صوتُه لأكبر عددٍ مِن الأنام .
القلم :
وسيلةٌ للدعـوةِ إلى اللهِ تعالى .
القلم :
بوَّابةُ الدخول إلى القلوب ، ووسيلةُ الكشف عن العيوب .
القلم :
وسيلةٌ لإرشاد التائهين ، وسببُ عودةٍ للحائرين .
القلم :
يأخذُ بيدِ مَن تخبَّط في الدروب ، ويُعينه على التخلُّص مِن الذنوب .
القلم :
طريقٌ مَن سلكه تعلَّم ، ومَن أمسك به لم يندم ، ومَن أحسن استخدامه عاد عليه بالنفع والأجر .
القلم :
استخدامُه ليس بالصعب ، وامتلاكُه سهلٌ يسير ، لكنَّه يحتاجُ إلى بعض التدريب ، كى يستخدمَه صاحبُه
أحسن استخدام ، فلا يَضِلُّ به أو يُضَلُّ .
قلمي مسئوليتي ..
به أصِلُ لغايتي ، وأُحَقِّقُ بعضَ أُمنيتي .
قلمي مسئوليتي ..
بامتلاكه أرى حُرِّيتي ، وأجدُ سعادتي وراحتي .
قلمي مسئوليتي ..
به تعلو هِمَّتي ، وترتفعُ هامتي .
قلمي مسئوليتي ..
لا يستطيعُ أحدٌ أخذَه مِنِّي ، ولا أتصوَّرُ أبدًا غيابَه عَنِّي .
قلمي مسئوليتي ..
في كُلِّ مكانٍ يُلازمُني ، وفي كُلِّ مُناسبةٍ لا يُفارقنُي .
قلمي مسئوليتي ..
صديقي وقتَ ضيقي ، ورفيقي الحقيقي .
قلمي مسئوليتي ..
لا يَمَلُّني ، ولا ينتقدني ، ولا يُبغضني ، ولا يُثَبِّطني .. وقتما أريده أجده .. لا يعتذرُ عن مُقابلتي ، ولا
يسأمُ مِن مُجالستي .
قلمي مسئوليتي ..
عليه أُحاسَبُ يومَ القِيامة ، يومَ يَرى كُلُّ إنسانٍ عمله أمامَه .
القلم :
سِـلاحٌ ذُو حَـدَّيْن ؛ يُستخدَمُ إمَّا في الخير ، وإمَّا في الشَّر .. فمَن عَرَفَ أهميتَه ، وأدرك قيمتَه ،
واستخدمه في الخير ، عاد عليه بالثواب والأجر ، ومَن تغافل عن ذلك ، واستخدمه في الشَّر ، عاد عليه بالذنب والوِزْر .
إنَّنا مسئولون عن أقلامنا ، ومُحاسَبون على كُلِّ ما تَخُطُّه .. ومع دخولنا للشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) ،
تكونُ أقلامُنا في حركةٍ دائمة ، قد يصعبُ إيقافُها ، فكُلُّ يومٍ هُناك الجديدُ والجديد ، مِمَّا يحتاجُ للتنبيه أو التوضيح ..
لكنْ : مَن مِنَّا نظرت إلى قلمها نظرةً فاحِصَةً لترى ماذا تفعل ؟! ولتُراقِب ماذا تكتب ؟! مَن مِنَّا طرأ على خاطرها أنَّ
قلمَها قد يكونُ سببًا في عذابها في الآخرة وشقائها في الدُّنيا ؟! أو سببًا لسعادتها في الدُّنيا والآخِرة ؟! مَن مِنَّا عرفت
لقلمها قيمَتَه ؟! وأدركت غايتَه ؟! مَن مِنَّا أدركت خُطورةَ ما قد يكتُبه القلم ؟! مُجَرَّد أنْ نُمْسِكَ بالورقةِ والقلم ونكتب ما
يحلو لنا ..! مُجَرَّد أنْ ندخلَ للشبكةِ العنكبوتية ونتصفَّح المُنتديات ونرد على ما يستوقفُنا من مواضيع ..!
أكثر الأقلام تتحرَّكُ بلا عِلمٍ وبلا هدف .
فكُلُّ ما يكتبه قلمي مَسئولةٌ أنا عنه ، إنْ خيرًا فخير ، وإنْ شَرَّاً فشر .. الخيرُ في ميزان حسناتي ،
والشَّر ..!.. واليـدُ مسئولةٌ مُستنطَقَة ، ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ النور/24 .
وبمرور الأيام يمـوتُ المـرءُ ويَجِفُّ قلمُه ، لكنْ يبقى ما سَطَّره ، تجري عليه حسناتُه ، أو تُضاعَفُ له
به سيئاتُه ..
وَمَا مِنْ كاتبٍ إلاَّ سيفنى :: ويُبقي الدَّهْرُ ما كتبت يداهُ
فلا تكتبْ بكَفِّكَ غيرَ شئٍ :: يَسُرُّكَ في القيامةِ أنْ تراهُ
وبما أنَّ القلمَ أمانة ، ومسئوليةٌ كبيرة ، وبما أنَّنا مُحاسَبون على كُلِّ ما يَخُطُّه ،
كيف نستفيدُ مِنه ؟ كيف نجعل أقلامَنا تتحرَّكُ بما يُكتَبُ في موازين حسناتنا ؟
الأمـرُ سهلٌ يسير ... لا بُـدَّ مِن توجيـه القلـم .. توجيهـه الوِجْهَـةَ الصحيحـة .. فالقلمُ لا يُحَرِّكُ
نفسه ، ولا يكتبُ ما يشاء ، بل نحنُ المُتحكِّمون فيه ، والمُوجِّهونُ له ، والكاتبون به .. فلنُوَجِّه الوِجهةَ الصحيحة ..
أىُّ وِجهةٍ هذه ؟ فلنُوَجِّهه للخيـر ،، ولنكتب به الحَق .. بمعنى : ألاَّ نكتبَ به ما يُثيرُ الشهوات ، أو يُوْجِدُ الشُّبُهات ،
أو يدعوا إلى الحرام ، أو سئ الكلام.. ولتنبض أقلامُنا بما يدعوا إلى عِبادةِ اللهِ وطاعتِه ،، لتنبض بالنُّصْحِ والمَوْعِظة
، والفائدةِ والتذكرة .
وفي داخل المُنتديات ، وعلى الشبكات ، وفي الصُّحف والمَجلاَّت ، أقـلامٌ تنبضُ بالشَّر ، وتدعوا إليه ، لا
هَمَّ لأصحابها إلاَّ استئصالُ الفضيلةِ مِن جذورها ، وبترُ الخير مِن المُسلمين ، وإبعادُهم عن رَبَّ العالمين سبحانه ..
فيبذلون الغالىَ والنَّفيس ، ويُحَرِّكون أقلامَهم بثمنٍ رخيص ، كى يُحَقِّقوا أهدافهم الدنيئة ، وينشروا الوَباءَ في
المُجتمع المُسلم .. هؤلاء قد تحمَّلوا مسئوليةَ أقلامهم ، لكنها مسئوليةٌ لا تنفعهم في دُنيا ولا آخِرة ، كيف لا وقد قال
رَبُّنا سبحانه فيمَن يُحِبُّون انتشارَ الفاحشةَ في مُجتمع المُسلمين :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ﴾ النور/19 ،
فكيف بمَن ينشرونها ، ويدعون إليها بأقلامِهم ؟!! نسألُ اللهَ
العافيةَ والسلامة .
ولنُلقي نظرةً سريعةً على أقلامٍ كانت لها بَصَماتٌ في حياتنا ، أقلامٍ مات أصحابُها ، ومازال نِتاجُ أقلامِهم
وما خَطَّته باقيًا ، يُضافُ إلى حسناتِهم .. إنَّهم مَشايخُنا وعلماؤنا ؛ ابن تيمية ، ابن القيِّم ، ابن رجب ، ابن قُدامة ،
ابن الجَوْزِىّ ، النووىّ ، ابن حَجَر ، البُخارىُّ ، مُسلِم ، أحمد بن حنبل ، ابن عُثيمين ، ابن باز ، الألبانىُّ ، رحمهم الله
، وغيرُهم كثيرٌ مِمَّن تحمَّلوا مسئوليةَ أقلامِهم ، وأحسنوا استخدامَها ، فكتبوا بها الخير ، وحذَّروا مِن الشَّر ،
وابتعدوا بها عن الفِتَن ، وثبَّتوا المُسلمين بها وقتَ المِحَن .. فـ هنيئًا لأصحاب تلك الأقلام ، التي ما ضاع ما كتبته بمرور الأيام .
لـذا لا بُـدَّ مِن توفُّـر عِـدَّة أشياء ووضعها في الحُسْبان قبل الإمساكِ بالقلم ،
حتى لا نشعرَ يومًا ما بالندم ،، ومِن ذلك :
♥♥ تحديـدُ الهَـدف : لماذا أُمْسِكُ بالقلم ؟ لماذا أُضَيِّعُ وقتي وجُهْدي في الكِتابة ؟ وهل هذا فِعلاً تضييعٌ
للوقت ؟ وليكُن هدفنا [ الدعـوة إلى الله تعالى ] و [ نشـر الخيـر بين المُسلمين ].. وبهـذا لا يضيعُ الوقت ، ولا
نندم على ما بذلناه مِن جُهْـدٍ في الكِتابة .
♥♥ إخـلاصُ النِّيَّـة للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ البينة/5 .. فلا نُحَرِّك أقلامَنا لمُجَرَّدِ الحصول على الشُّهْرة ،
أو كسب مَدْح الناس وثنائهم ، أو تحصيل الأجر المادىِّ ، وإنْ وُجِدَ شئٌ مِن ذلك دُون سعينا له فهو مِن فضل الله
سبحانه ، فلا نغتر به ، ولا نجعله يُغَيِّر مِن نِيَّتنا ، أو يُبدِّل أهدافَنا .
♥♥ اختيارُ ما يُجيدُ القلمُ كتابتَه مِن مواضيع ، وما يُحْسِن تسطيره مِن كلمات ، وما لم يكن بإمكانه ، فلا
داعي للخوض فيه ، لأنَّه رُبَّما ضَرَّ أكثرَ مِمَّا ينفع .
♥♥ أنْ نضعَ أمام أعيننا كلمتين نذكرهما كُلَّما أمسكنا بالقلم ، وهما : [ حسناتٌ أو سيئات ] ، لتكتبَ
أقلامُنا ما يُضافُ لميزان الحسنات ، ولتبتعِدَ عن كُلِّ ما مِن شأنه أن يُكْثِرَ السيئات .
♥♥ لتَخُطَّ أقلامُنا : مواعِـظَ وتذكِـرة ، ونصائـحَ مُفيدة ، وعِلمًا ودعـوة ، وأمـرًا بمعروفٍ ، ونهيًا
عن مُنكـر .. لتَخُطَّ أفكارًا بنَّاءة ، وتُقَـدِّمَ العونَ لِمَن يطلبُه .
♥♥ قـد يكونُ القلمُ عاجزًا عن الكِتابةِ في بِدايةِ نشأتِه ، فيُخطئ دُون عِلمِ صاحبه ، لكنْ لا بُدَّ مِن التعلُّم
وتصحيح الخطأ ، وتدريب القلم على حُسْنِ الكِتابة ، والبُعْد عن السآمةِ والرَّتابة .
♥♥ أنْ نجعلَ أقلامَنا مُبْدِعَةً ، بكثرةِ القراءةِ والإطلاع ، والبحث والسَّماع ، وخِبراتِ الحياة ، ولتكُن
مواضيعُنا مُتجددةً ، لا مُكررةً مُمِلَّة .
وكُلُّ إنسانٍ مسئولٌ عن عمله ، وصاحِبُ القلم مسئولٌ عن قلمه وعَمَّا يَخُطُّه ، طالما أنَّه مِن اختياره ..
وفي الآخِرة سيجدُ المرءُ ما قَدَّم مِن خيرٍ وخَطَّه في كتابه ، وإنْ خَطَّ شرًا سيتمنى لو أنَّ بينه وبين ما خَطَّه بُعْدَ
المَشرقين ،
﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ﴾ آل عِمران/30 ..
ولننتبه جيِّـدًا لقول رَبِّنا سُبحانه : ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ﴾ ، فلنحذر أخواتي
، فإنَّ رَبَّنا سبحانه ( شديد العِقاب ) ، لكنَّه - أيضًا - ( غفورٌ رحيم ) ، يتوبُ على مَن تاب .. فلنَتُبْ جميعًا إلى الله
سبحانه مِن كُلِّ ما خَطَّته أقلامُنا مِمَّا يُغضِبُه ، ولنبدأ صفحةً جديدةً مُشرقةً بأقلامٍ جديدة ، تنبضُ بالخير ، وتدعوا للذِّكر
والشُّكْر ، فإنَّ أعمارنا قصيرة ، وأعمالنا قليلة .. وكُلٌّ مِنَّا مُتَحَمِّلٌ لمسئوليةِ قلمه ..
ولـ نَقُلْ جميعـًا :
[ قلمي مسئوليتي ، به أسعى لتحصيل غايتي ، جَنَّةِ رَبِّي ففيها سعادتي ]
جعلني اللهُ وإيَّاكُنَّ مِمَّن يُحْسِنُ استخدامَ القلم في الدعـوة إليه سبحانه ، وألاَّ يحرمنا أجرَ ذلك ، وأنْ
يرزقنا الإخلاصَ في القولِ والعمل