همية قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
الأحاديث
المروية عن قراءة سورة الكهف بعضها ورد بفضلها مطلقًا، بصرف النظر عن كونها
يوم الجمعة أو في غيره، كحديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا " من قرأ الكهف كما
أنزلت كانت له نورًا يوم القيامة من مقامه إلى مكة " رواه الحاكم وصححه .
وبعضها ورد بفضلها يوم الجمعة لحديث أبي سعيد أيضًا أن النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ قال " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين
الجُمُعَتين " رواه النسائي والبيهقي مرفوعًا، ورواه الحاكم مرفوعًا
وموقوفًا أيضًا، وقال : صحيح الإسناد . ورواه الدَّارِمي في مسنده موقوفًا
على أبي سعيد . قال الحافظ المنذري : وفي أسانيدهم كلها، إلا الحاكم، أبو
هاشم يحيى بن دينار الروماني، والأكثرون على توثيقه، وبقية الإسناد ثقات،
وفي إسناد الحاكم الذي صحَّحه نعيم بن حماد، وقد وثَّقه جماعة وجرَّحه
آخرون . ( الترغيب والترهيب ) .
وعن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ قال :
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة
سطع له نورٌ من تحت قدميه إلى عَنان السماء، يُضيء له يوم القيامة، وغُفر
له ما بين الجمعتين " رواه أبو بكر ابن مِرْدَوَيْه في تفسيره بإسناد لا
بأس به ( المرجع السابق ) .
ومن مجموع هذه الروايات نرى أن الثواب على
سورة الكهف سيكون نورًا، وهذا النور يوم القيامة، وطوله يقدَّر بالمسافة
التي بين قدَمَيِ القارئ ومكة لمن قرأها في أي يوم، أما من قرأها يوم
الجمعة فيقدر بالمسافة التي بين قدميه وعنان السماء، أي أن التقدير إما
بالامتداد الأفقي، وإما بالامتداد العمودي، وقد يكون المُراد عدم التحديد،
بل الإشارة إلى طول المسافة التي يَغمرها النور، الذي ربما يكون هو المشار
إليه بقوله تعالى : ( يومَ ترى المؤمنين والمؤمنات يَسْعَى نورُهم بيْن
أيديهم وبأيْمَانِهِم ) ( الحديد : 12 ) .
والثواب الثاني لقارئ الكهف
يوم الجمعة هو مغفرة الذنوب التي وقعت بين الجمعتين، وهى الصغائر، ولعل هذا
هو المراد بإضاءة النور ما بين الجمعتين، فنورُ الطاعة يمحو ظلام المعصية (
إن الحسنات يُذْهِبْن السيئات ) ( هود : 114 )، وقراءة الكهف مشروعة لكل
مسلم، يقرؤها في المسجد أو في غيره، بصوت منخفض أو مرتفع، ما لم يترتب على
رفع الصوت ضرر أو إضرار .
أما قراءتها ـ هي أو غيرها ـ من قارئ بصوت
مرتفع يوم الجمعة في المسجد فلم تكن أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
ولا في عهد السلف الصالح، وإنما ذلك أمر حدث منذ قرون في بعض المساجد،
كمساجد مصر والشام، ويدل عليه وجود " الدِّكَك " في المساجد الأثرية التي
يجلس عليها القارئ وأمامه حامل يوضع عليه مصحف كبير، وكان يُعَيَّن من
قِبَل المسئولين.
وقد رأى بعض العلماء منع قراءتها على هذا النحو؛
لأنَّها بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولم يمنعها آخرون، فليس كل ما لم يكن في عهد
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممنوعًا، بل منه ممنوع وغير ممنوع، كما صح
في البخاري أن عمر ـ رضى الله عنه ـ قال في صلاة التَّراويح خلف أبي بن كعب
: نِعْمَتِ البدعة هذه . وحيث لم يرد نهي عن قراءتها على هذا النحو فالأصل
الجواز .
لكن الجميع متَّفقون على أنها إذا قُرئت بألحان غير مشروعة
كانت القراءة مُحرَّمة، وإذا حدث بها إيذاء لمُصلٍّ أو قارئ تُمنع أيضًا،
فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أخرجه
مالك في الموطأ مرسلاً، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وجماعة من وجوه المحدِّثين
متصلاً، وهو حديث حسن . ويؤيده ما رواه أبو داود عن أبي سعيد الخُدْري أن
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة،
فكشف السِّتر وقال "ألا إن كلَّكم مناجٍ لربه، فلا يُؤذِ بعضُكم بعضًا، ولا
يرفع بعضكم على بعض في القراءة "
جاء في ضمن فتوى للشيخ محمد عبده /
بتاريخ رجب 1319 هـ منشورة في المجلد الأول من الفتاوى الإسلامية " ص 53 "
أن القارئ لسورة الكهف ونحوها من القرآن يأثم إذا آذى غيره، أو قرأ حال
اشتغال المُصلِّي بالصلاة، بأنِ ابْتَدأ في القراءة والمصلِّي يصلِّي، لما
في ذلك من تضْييع احترام القرآن الواجب عليه .
وقد صدرت فتوى للشيخ عبد
المجيد سليم منشورة بمجلة الأزهر " المجلد 19ص 839 " بهذا الصدد هذا
نصُّها : وقراءة سورة الكهف كما هو معهود الآن في المسجد يوم الجمعة ـ
بدْعة مُستحدَثة لم تُعرف في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا في زمن
الصحابة والسلف الصالح ويظَنُّ العامة أن قراءتها بهذه الكيفية وفي ذلك
الوقت من شعائر الإسلام، فهي مكروهة لا سيَّما أن قراءتها على هذا الوجه
تُحدث تشويشًا على المصلِّين، وقد خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على
أصحابه وهم يُصلُّون ويجهرون بالقراءة، فقال " أيها الناس، كُلُّكم يناجي
ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض "، وكذلك الحكم في قراءة غير سورة الكهف من
القرآن، وفي الجهر بالتسبيح أو التهليل مما يُحدث تشويشًا على المصلين، بل
نصَّ بعض علماء المالكية على أن ذلك إذا أحدث تشويشًا كان حرامًا .
وقد
صدرت فتوى بذلك في المجلة أيضًا " المجلد 4ص 102 " يُفهَم منها أنه لا ضرر
في قراءتها؛ لأنها عبادة لكن لا يصح لقارئ أن يَقْرأ في مكان يشوِّش عليه
الناس فيه، ولا أن يرفع صوته إذا كان رفع صوته يُحدث تشويشًا على المصلين
فعلاً .
وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ما خلاصته : أن
الحنفية كرهوا رفع الصوت بالذِّكر في المسجد إن تَرتَّب عليه تشويش على
المصلين أو إيقاظ للنائمين، وكذلك قال بالكراهة الشافعية والحنابلة، وجعله
المالكية حرامًا .
وجاء في كتاب " الحاوي للفتاوي للسيوطي " كراهةُ رفع
الصوت بالقراءة والذِّكر إذا آذى المصلين والنيام، وليس ذلك محرَّمًا؛ لأن
الحكم بالتحريم يحتاج إلى دليل واضح صحيح الإسناد غير معارَض، ثم إلى نصٍّ
من أحد أئمة المذاهب، وكلٌّ من الأمرين لا سبيل إليه .
وجاء في فتاوى
النووي في المسائل المنثورة " مسألة " جماعة يقرءون القرآن في الجامع يوم
الجمعة جهْراً، ويَنتفع بسماع قراءتهم ناس، ويشوِّشون على بعض الناس، فهل
قراءتهم أفضل أم تركها؟
الجواب: إن كانت المصلحة فيها وانتفاع الناس
بها أكثر من المفسدة المذكورة فالقراءة أفضل . وإن كانت المفسدة أكثر كُرهت
القراءة . وفي المسألة التي تليها وهي : قراءة القرآن في غير الصلاة، هل
الأفضل فيها الجهر أم الإسرار ؟ إلا أن يترتب على الجهر مفسدة كرياء أو
إعجاب أو تشويش على مصلٍّ أو مريض أو نائم أو معذور أو جماعة مشتغلين بطاعة
أو مباح .......