شكوى قلم

يهرع الكثير من الناس إلى أقلامهم ،،

ليبثوا من خلالها أشواقهم ،، أفراحهم ،، أحزانهم ،، همومهم ،، و آلامهم ،،

لكن ،، ماذا عن القلـم ،،

ذلك الصامت المنفذ للأوامر دون نقاش ،،

ماذا يريد ،، و ماذا يحب ،،

و هل هو راضٍ عما يُكتب به ؟!

الشاعر ،،

يهرب إلى القلم لينفس عن همومٍ لم يعد قادراً على حملها ،،

أو ليشاركنا أفراحاً غلبت سعادته فيها الوصف ،،

أو ليرسم بخياله صوراً و حكاياتٍ لم تُروى بعد،،

أما القلم ،،

فيكتب بصمتٍ و صبرٍ على صاحبه ،، متغاضياً عن أبيات النفاق ،، متغاضياً عن التشدق و المغالاة ،،

يكتم ضحِكاته أمام ركاكة الأسلوب ،، و افتراء التمكن من الشعر ،،

و يحبس دمعاته أمام أبيات حزنٍ تقطّع القلبَ ،،

العاشق ،،

يعزف مشاعره لمعشوقته على أنغام الكلمات المعسولة ،،

و ينسج أحلاماً ورديةً و مواقف شاعريةٍ في خياله ،،

و ينقل ما فاض به وجدانه إلى قرينه ،،

أما القلم ،،

فينحت بصمتٍ قصص العشق ،، و ما نابه من العشقِ شيءٌ ،،

و ينقل الوجدان من نفس صاحبه إلى نفس محبوبته ،، و ما أتى عليه شيءٌ من هذا الوجدان ،،

يُشاطر به العاشق أحاسيسه ،، و يُحرم القلم من مشاطرة أحاسيسه ،،

السياسيُّ ،،

يتفجر في كتاباته سعادةً ،، أو غيظاً ،، أو شماتةً ،،

ينسُج بقلمه أفكاراً ،، فيخلط الواقع بالافتراضات ،، و الحقيقة بالآراء ،، و الحق بالافتراءات ،،

أما القلم ،،

فيقف مغلوباً على أمره أمام الأكاذيب و الافتراءات ،،

و يصمت بمضضٍ عن بعض المبالغات ،،

الداعية إلى الله ،،

يستل القلم فتنساب المواعظ انسياب السيل ،،

و تُنقش أعظم الكلمات ،، كلام الله و هدي نبيه و سيرة صحابته الأطهار ،،

فيطير القلم فرحاً و سعادة ً ،،

لكن ما يلبث الداعية أن يحرف غايات نصوص الهدي الرباني ،،

فيحرم حلالاً ،، و يحلل حراماً ،،

ليرضي جبروت بني الطين زوراً و بهتانـاً ،،

و يأكل حقوق المستضعفين في الأرض ،، و يضيّع المقدسات ،،

أما القلم ،،

فينقُش مُكرهاً مبللاً الورقَ بدموعه ،،

ينقُش من غير رضى معاني الكذب و النفاق و الحسد و الحقد ،،

و تتبخر أحلامه بحسن نية هذا الداعي ،، لكنه لا يقوى سوى على الاستنكار ،،

الشاب ،،

يُمسك القلم ليكتب به خواطراً ،،

يبث من خلاله هموماً و أحزاناً ،،

و ينشر من خلاله آراءً و أفكاراً وليدة عصره ،،

أما القلم ،،

فيبكي تارةً حزناً على هموم صاحبه ،،

و يضحك تارةً أخرى على سذاجة صاحبه ،،

و تبدل آرائه بين ليلة و ضحاها و تناقضها ،،

و لا يملك سوى الكتابة بصمتٍ ،، و إطاعة سيده ،،

كل هذه المشاعر يعبر عنها القلم بصمتٍ عبر صريره ،، لكنه لا يجد سامعاً و لا مبالياً بشكواه ،،

أتيته اليوم لأشكو همومي ،، فرفض صارخاً قائلاً ،،

أتيت إلي تشكو منشداً همومك ،، و ما سمعت يوما همومي ،،

أخذتني الدهشة و أنصت له بصدمة ،، فقال ،،

كلكم يبكي الهموم ،، و أكثركم يصطنعها ،، لم أشك يوماً لأحد أني مهموم ،،

أما آن لي أن أحدّث أحداً بما اعتراني من هموم ؟!

حينها فقط توقفت عن الكتابة ،، و عاهدته ألا أثقل كاهله بهمومٍ اصطنعها ،، أو فلسفةٍ يبغضها ،،

قلت له ،، منذ اليوم فصاعداً ،، أنا القلم و أنت الكاتب ،،

حدثني همومك ،، و سأطلع العالم عليها ،،

سأكتب همومك ،، و أبلغ الظالمين لك بظلمهم ،،

اكتب بي ما شئت ،، و انتقم لنفسك ،،

نعم انتقم لنفسك ،، من كل من سولت له نفسه يوماً أن يظلمك ،، و يثقل كاهلك ،،

أشكُ يا قلمي ،، فشكواك اليوم مسموعة ،،

شكرا لك سارة على موضوعك القيم و الرائع
الله يعطيك الف عافية

» يا سامعا لكل شكوى