حفيظ دراجي : جريدة الشروق
"لا تقتلوا فينا الحلم"،.. نداء يوجهه دون أدنى شك كل واحد منا وكل يوم للجميع خاصة ونحن نستعد للاحتفال بذكرى خمسينية الاستقلال واسترجاع السيادة
الوطنية التي نريدها مناسبة
لاستعادة الشرعية الديمقراطية على حساب الشرعية التاريخية والثورية، ومناسبة لإحياء وإعادة بعث أحلام وآمال أجدادنا وأبنائنا في وطن يجمعنا ولا يفرق بيننا
مهما اختلفنا، ووطن يسوده
الأمن والطمأنينة والعدل والمساواة، وطن نقدر ونحترم فيه النساء والرجال والمؤسسات، ولا نقدس فيه الأشخاص، ووطن أفضاله علينا ولا فضل لنا عليه مهما
عملنا، وطن نبنيه بدمائنا ودموعنا وعرقنا، وليس بالشعارات والوعود الكاذبة، وطن لا تحتكره فئة دون أخرى، ولا جهة دون غيرها، وطن جزائري يسع الجزائريين
دون استثناء.
وطن يحلم فيه البطال بوظيفة، ويحلم فيه الموظف بالكرامة وراتب يغنيه عن السؤال، ووطن يحلم فيه كل طفل بالأمن والأمان وبتحقيق أماله في كنف الحب
والأخوة والوئام، وتحلم فيه المرأة
بتكافؤ الفرص والاحترام والتقدير لدورها ووظيفتها، ويحلم فيه المريض بالشفاء والمعوق بالعناية والجاهل بالتعلم، والعالم بالاحترام والتقدير، ويحلم فيه كل منا
بتحقيق طموحاته المشروعة في العيش
الكريم دون خوف ودون شعور بالحقرة والإقصاء..
وطن يحلم فيه الجميع بسكن محترم ورعاية صحية ضرورية ومنظومة تربوية لائقة وعدالة اجتماعية سيدة، ومرافق اقتصادية وتربوية وصحية وثقافية
وسياحية ورياضية، ومنشآت قاعدية إضافية
تلبي حاجياتنا المتزايدة، ومستقبل مشرق لوطن لا يقتل ولا يأكل أبناءه ويملك كل المقومات والإمكانات التي تغنينا عن الهجرة أو الحرقة والموت
في عرض البحار..
نداء القلب والعقل نوجهه للأولياء والأساتذة والأئمة والمديرين والوزراء وللرئيس أيضا.. لنقول: لا تضيعوا علينا وعليكم فرصة العمر، ولا تقتلوا فينا
أحلامنا المشروعة، ولا تتركوا لليأس منفذا لقلوبنا وعقولنا
ما دمتم أوصياء علينا، ومادامت الجزائر تملك كل المؤهلات والمقومات، ومادام الشعب صبورا ومتفهما وواعيا بالتحديات في ظرف يتميز بحراك
داخلي وخارجي لا يرحم كل متردد أو مشكك في أن الأجيال
الصاعدة لن تتخلى عن حقها في العيش الكريم، وواجبها في بناء وطن للجميع، ولن تسمح بالمزيد من التراجع.
أقول هذا الكلام في ظرف يتميز بالجمود والتردد وفقدان الأمل لدى الكثير من فئات المجتمع، ويتميز بتراجع رهيب في صناعة الأمل وتسويق
الحلم في أوساط أبنائنا الذين لا يجدون أمامهم من يقتدون
بهم ومن يثقون فيهم في ظل الشك والتشكيك السائدين في كثير من الأوساط، ورغم الجهود والنوايا الحسنة لبعض الرجال والمؤسسات
التي تؤمن بأن المستقبل يصنعه جيل الاستقلال المتسلح بالإرادة
والعلم والكفاءة وحب الوطن، والذي سيسعى بدوره إلى تسليم المشعل للأجيال اللاحقة إيمانا منه بأن لكل جيل زمانه ودوره، ولا يمكن
لأي كان أن يعيش زمنه وزمن غيره..
لقد حرمنا بعضنا البعض من التمتع بالديمقراطية الفعلية والحرية، والتمتع بخيرات الوطن وقدراته، وحرمنا جيلا بأكمله سنوات التسعينيات
من العيش في الأمن والأمان، وحرمنا أنفسنا وشعبنا وبلدنا من بناء
دولة القانون والمؤسسات بعيدا عن تقديس الشخصيات والزعامات في ظل افتقادنا لتلفزيون عمومي قوي يصنع الرأي ويفسح مجال التطلع
إلى التغيير ويسوق الحلم ويرافق المبادرات ويتفتح ويفتح النقاشات
للجيل الجديد لكي يعبر عن نفسه ويتحدث عن طموحاته في بناء مستقبله..
بترددنا في الذهاب نحو تغيير ما يجب تغييره، وإصلاح ما أفسده المفسدون، وتصحيح هفوات المخطئين سنتراجع ونضيع المكتسبات
ونحرم الوطن من الانتقال إلى عهد جديد يكفر بالشرعية التاريخية في هذه
الألفية الثالثة ولا يؤمن سوى بشرعية الكفاءة وسنة الحياة في التغيير دون إراقة قطرة دم واحدة، ودون تكسير أو تخريب للمنشآت والمكتسبات..
أرجوكم لا تقتلوا فينا الحلم والأمل في رسم مشروع مجتمع حديث نخطط له ونرصد الإمكانات لتجسيده، والحلم في رؤية الوطن يرقى
إلى مستوى قدراته، ورؤية الشعب ينعم بخيرات بلده، ويحقق طموحاته
في كنف الحرية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، هذا الشعب الذي يحتاج حاليا إلى قلب يحكمه ويحضنه وليس إلى عقل يتحكم فيه،
ولنا في تاريخنا وتجاربنا وفيما يحدث عند غيرنا عبر ودروس نحلم أيضا
بتجاوزها وعدم تكرارها لأننا ندرك قسوتها ومرارتها وما فعلت بنا وما تركته من جرح عميق.