التنمية المستدامة في الجزائر بين حتمية التطور وواقع التسيير
مقدمة:
في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية (cnued)الذي انعقد في ريو دي جانيرو، البرازيل، في الفترة 3-14 حزيران/ يونيه 1992، تم الإعلان عن سلسلة من المبادئ بشأن الإدارة القابلة للاستمرار اقتصادياً . ويتعلق أحد هذه المبادئ، بصفة خاصة، بحماية البيئة التي ينبغي أن تشكل جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية.
تم في ذلك المؤتمر اعتماد عدة وثائق منها "اعلان ريو" المعروف باسم "قمة الأرض" وجدول أعمال القرن 21 الذي هو برنامج شمولي يبين الأعمال الواجب القيام بها خلال العقود المقبلة في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهو كذلك برنامج يعكس إجماعاً عالمياً والتزاماً سياسياً من أعلى المستويات على التعاون في مجال التنمية والبيئة، والذي سيتم ضمن الإحترام الصارم لجميع المبادئ المنصوص عليها في الإعلان. ويقع تنفيذ هذا البرنامج على عاتق الحكومات. والتعاون الدولي مدعو لدعم إكمال الجهود الوطنية. ولأجل القيام بذلك، طُلب من الدول (بما فيها الجزائر) و من مؤسسات منظومة الأمم المتحدة، وضع سياسات واستراتيجيات وخطط وبرامج.
من هنا طرحنا إشكالية بحثنا المتمثل ما مستوى احترام الجزائر لمؤشرات هذا المؤتمر وما نسبة التنفيذ؟
للإجابة على هذه الإشكالية قمنا بهذا البحث في ثلاث محاور:
- مفهوم التنمية المستدامة
- مؤشرات التنمية المستدامة
- حتمية التطوير باتجاه التنمية المستدامة
- مجهودات الجزائر في مجال التنمية المستدامة.
أولا/ مفهوم التنمية المستدامة :
هي عملية يتناغم فيها استغلال الموارد وتوجيهات الاستثمار ومناحي التنمية التكنولوجية وتغير المؤسسات على نحو يعزز كلا من إمكانات الحاضر والمستقبل للوفاء بحاجيات الإنسان وتطلعاته.
كما تعرف أيضا بأنها التنمية الحقيقية ذات القدرة على الاستمرار و التواصل من منظور استخدامها للموارد الطبيعية والتي يمكن أن تحدث من خلال إستراتيجية تتخذ التوازن البيئي كمحور ضابط لها لذلك التوازن الذي يمكن أن يتحقق من خلال الإطار الاجتماعي البيئي والذي يهدف إلى رفع معيشة الأفراد من خلال النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحافظ على تكامل الإطار البيئي
– تعريف اللجنة العالمية للتنمية المستدامة في التقرير المعنون " بمستقبلنا المشترك والتنمية المستدامة" حسب تعريف وضعته هذه اللجنة عام 1987 هي " تلبية احتياجات الحاضر دون أن تؤدي إلى تدمير قدرة الأجيال المقبلة على تلبية إحتياجاتها الخاصة " .
ولقد ساد في القرن الماضي الفكر الاستهلاكي الصناعي وخاصة بعد الانفتاح الاقتصادي حيث عكف الإنسان على التفكير في التكنولوجيا التي تقدر ربحا سريعا عن طريق إنتاج منتج له سوق استهلاكي دون النظر إلى جودة المنتج أو نوعية المواد الخام المستخدمة أو الطاقة المستهلكة ولقد أدى ذلك إلى استشار العديد من الصناعات الملوثة وبالتالي وعلى المدى البعيد سيؤدي إلى زيادة مستويات التلوث عن الحدود المسموح بها وارتفاع معدلات الأمراض وخفض الإنتاج وظهور أمراض جديدة تهدد الحياة...وعليه يمكن تعريف التنمية المستدامة بأنها تحقق تامين تنمي اقتصادية تفي باحتياجات الحاضر وتحقق التوازن بينه وبين متطلبات المستقبل لتمكين الأجيال المقبلة من استيفاء حاجياتهم وبالتالي نستنج ما يلي
-أن التنمية المطلوبة لا تسعى لتقدم بشري موصول في الأماكن قليلة لسنوات معدودات وإنما للبشرية جمعاء على امتداد المستقبل البعيد.
-أن مستويات المعيشة التي تتجاوز الحد الأدنى الأساسي من الاحتياجات لا يمكن إدامتها إلا عندما تراعي مستويات الاستهلاك في كل مكان متطلبات الإدامة على المدى البعيد.
-أن الاحتياجات كما يتصورها الناس تتحدد اجتماعيا وثقافيا ومن ثم فان التنمية المستدامة تتطلب انتشار القيم التي تشج مستويات الاستهلاك التي لا تتجاوز حدود الممكن بيئيا.
وهكذا فان السعي لتحقيق التنمية المستدامة يتطلب نظام إنتاج يحترم الالتزام بالحفاظ على توازن القاعدة البيئية لهذه التنمية .
ثانيا:مؤشرات التنمية المستدامة
أ)برنامج الأمم المتحدة لمؤشرات التنمية المستدامة: في دورتها الثالثة عام 1995، وافقت لجنة التنمية المستدامة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة، التي أنشئت في ديسمبر 1992 لضمان المتابعة الفعلية لمؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية، على برنامج عمل بشأن مؤشرات التنمية المستدامة يغطي الجوانب الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والمؤسسية للتنمية المستدامة. وقد أسهمت منظمات حكومية وجماعات أساسية متدخلة كوكالات مسؤولة عن مؤشرات معينة، في بلورة هذا البرنامج.
وإضافة إلى تعزيز الأنشطة الحالية الخاصة بجمع البيانات المتعلقة بالتنمية المستدامة، فقد طلب من البلدان على الخصوص إيلاء اهتمام خاص لميادين مثل العوامل الديموغرافية، وتخطيط المدن، والفقر، والصحة، وحق الحصول على الموارد وكذلك المجموعات الخاصة مثل النساء، والشباب، والأطفال المعاقين، والعلاقة القائمة بين هذه الميادين ومشكلة البيئة.
إن الغاية من برنامج عمل لجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة هي بالخصوص التوصل، إلى حدود عام 2001، إلى قائمة بمؤشرات للتنمية المستدامة مكيفة على المستوى الوطني، وتتسم بالمرونة الكافية بحيث يمكن قياسها واستخدامها في بلدان ذات مستويات تنموية مختلفة ومتناسقة على نحو يمكن من إجراء المقارنات ووضع هذه المؤشرات تحت تصرف صانعي القرار على المستوى الوطني.
ويحتوي برنامج العمل على قائمة مكونة من 134 مؤشراً للتنمية المستدامة نُشرت في شهر أغسطس من عام 1966 في وثيقة تعرف باسم " الكتاب الأزرق". هذه المؤشرات مجمعة في أربع فئات كبيرة هي الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، والمؤسسية، ومنظمة طبقاً للإطار الكلاسيكي : تركيز، وضعية، إجابة. وكل مؤشر من هذه المؤشرات مبين في بطاقة منهجية مفصلة تبين التعريف، ومناهج الحساب، ومعايير اختيار المؤشر من طرف منظمة الأمم المتحدة. وقد طُلب من البلدان أن تختار من بين هذه المؤشرات تلك التي تتوافق مع أولوياتها الوطنية، وأهدافها وغاياتها.
طُلب من بعض البلدان من جميع أقاليم العالم أن تختبر المؤشرات الـ 134 للتنمية المستدامة التي بلورتها لجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، قصد تحليل انطباقها على أوضاعها وإمكانية ترقيمها.
ب) معايير إعداد مؤشرات جيدة للتنمية المستدامة:
أن تعكس شيئا أساسيا وجوهريا لصحة المجتمع الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية طويلة الأمد على مر الأجيال.
أن تكون واضحة ويمكن تحقيقها أي ببساطة يستطيع المجتمع فهمها وتقبلها
آن تكون قابلة للقياس ويمكن التنبؤ بها .
أن تكون ذات قيم حدية متاحة
أن توضح ما إذا كانت المتغيرات قابلة للقلب ويمكن التحكم فيها أم لا.
النواحي الخاصة : ينبغي تحديد الأساليب المستخدمة في إعداد أي مؤشر بوضوح وان يتم توظيفها بدقة وان تكون مقبولة اجتماعيا وعلميا وان يكون من السهل إعادة إنتاجها .
الحساسية للزمن :بمعنى أن المؤشر يشير إلى اتجاهات نموذجية إذا استخدم كل عام.
والمنشاة الخاصة مؤسسة تهدف إلى تعظيم إرباحها في سوق تنافسية وان كان في حدود ما تسمح به النظم والقوانين والتقاليد.
ثالثا:حتمية التطوير باتجاه التنمية المستدامة
تنشا حتمية التطوير من كون ان معظم دول العالم تسير باتجاه التنمية المستدامة حتى الدول المجاورة اذ تقوم بنشر تقارير سنوية حول الوضع الاقتصادي على المستوى الشمولي وحول القطاعات المختلفة للتنمية ومنها القطاع الديمغرافي، والاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي.
ففي المغرب، مكنت الدراسة حول الإستراتيجية الوطنية من أجل حماية البيئة والتنمية المستدامة، المعدة على أساس نهج اقتصادي، انطلاقا من البيانات الموجودة والمتاحة عن حالة البيئة، من وضع مجموعة من المؤشرات بشأن المياه والهواء، والنفايات الصلبة، والبيئة الحضرية، والتربة، والمناطق الطبيعية والساحلية. ويهدف برنامج إدارة البيئة، فيما يهدف إليه، إلى تطبيق نظام للمعلومات والبيانات حول البيئة. وفي هذا الصدد، من المفيد أن نشير إلى أن مؤشرات التنمية البشرية والفقر الإنساني متطورة جدا في المغرب. كما أن مطبوعا حول المؤشرات الاجتماعية يتم إعداده سنويا من طرف مديرية الإحصاء التابعة لوزارة التوقعات الاقتصادية والتخطيط. ويتيح هذا المطبوع، المقدم في شكل جداول متسلسلة بترتيب زمني، إمكانية تقييم نتائج الأعمال المنجزة في مختلف الميادين، وتقدير حجم الإنجازات المتوصل إليها في إطار التنمية البشرية المستدامة.
وفي مصر تم تشكيل لجنة للتنمية المستدامة تتعاون مع جميع الأطراف الأخرى المعنية من أجل وضع استراتيجية مشتركة لعملية التنمية المستدامة. وعلى المستوى الوطني تقوم الوكالة المصرية للشؤون البيئية (eeaa) بمتابعة وتنسيق المسائل المتعلقة بالبيئة مع الوزارات المعنية، بهدف ضمان التنمية المستدامة. وسوف يقوم كل من برنامج الإعلام والمتابعة في مجال البيئة (eimp ) ومشروع نظام الإعلام البيئي اللذين هما قيد الإنجاز حاليا، بمساعدة صانعي القرار في وضع وتطبيق السياسات والقوانين والبرامج في ميدان البيئة. وقد تم الإعداد لمشروع وطني يهدف إلى تحديد الأدوار المنوطة بمختلف الوكالات الحكومية في إطار قمة الأرض بهدف تجنب تداخل المسؤوليات.
وتنشر تونس، فيما تنشر، تقارير سنوية حول حالة البيئة. وتسعى مؤشرات الإستدامة المعروضة بصورة محدودة في المرحلة الحالية، إلى تقييم التطور العام الملاحظ على الصعيد البشري، والاقتصادي، والاجتماعي والبيئي، وتستند هذه المؤشرات على الفلسفة العامة لجدول أعمال القرن 21 على الصعيد الوطني. وقائمة المؤشرات ليست شاملة وإنما محدودة ، ولا يزال النهج استكشافياً.
رابعا:جهود الجزائر في مجال التنمية المستدامة
خلال السنوات الخمس الأخيرة، وضعت الجزائر آليات مؤسسية وقانونية ومالية وداخلية لضمان إدماج البيئة والتنمية في عملية اتخاذ القرار، منها على الخصوص كتابة الدولة للبيئة و مديرية عامة تتمتع بالاستقلال المالي والسلطة العامة، والمجلس الأعلى للبيئة والتنمية المستدامة وهو جهاز للتشاور المتعدد القطاعات ويرأسه رئيس الحكومة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي الوطني، وهو مؤسسة ذات صبغة استشارية.
وقد تم إنجاز العديد من الأعمال المهمة في إطار مجهودات التنمية خلال السنوات الأخيرة والتي تدخل ضمن تطبيق جدول أعمال القرن 21، أعطت نتائج جديرة بالاعتبار في العديد من الميادين، منها على الخصوص محاربة الفقر، السيطرة على التحولات الديموغرافية، والحماية والارتقاء بالوقاية الصحية وتحسين المستوطنات البشرية والإدماج في عملية اتخاذ القرار المتعلقة بالبيئة . وقد لوحظ مع ذلك، أن معوقات كبيرة منها على الخصوص صعوبات تمويلية ومشاكل ذات صلة بالتمكن من التكنولوجيا وغياب أنظمة الإعلام الناجعة، قد أدت إلى الحد من مجهودات الجزائر من أجل تطبيق جدول أعمال القرن 21.
يتضح من الجدول التالي أن البيانات والمعلومات المتوفرة بشأن التحولات الديمغرافية والاستدامة تعتبر جيدة جدا في الجزائر، وكذلك تلك المتعلقة بالصحة.
جيدة بعض البيانات الجيدة ولكنها ناقصة هزيلة
▪ محاربة الفقر
▪ تغيير أنماط الاستهلاك
▪ مستوطنات بشرية
▪ التخطيط والإدارة المتكاملة للموارد الأرضية
▪ محاربة إزالة الغابات
▪ محاربة التصحر والجفاف
▪ الإستغلال المستدام للجبال
▪ دعم التنمية الزراعية والريفية المستدامة.
▪ البيوتكنولوجيا
▪ المحيطات، البحار، المناطق الساحلية ومواردها
نفايات خطرة
▪ التربية والتوعية العامة والتدريب ▪ إدماج الإشكالية البيئية والتنمية في عملية اتخاذ القرار
▪ حماية الجو
▪ الحفاظ على التنوع البيولوجي
▪ الموارد المائية
▪ المواد الكيماوية السامة
▪ المزارعون
▪ الموارد و الآليات المالية
▪ التكنولوجيا والتعاون وبناء القدرات
▪ العلم في خدمة التنمية المستدامة
▪ التعاون الدولي من أجل بناء القدرات
▪ الصكوك القانونية الدولية
▪ الإعلام من أجل اتخاذ القرارات ▪ التعاون و التجارة الدوليان
▪ الحفاظ على التنوع البيولوجي
▪ المزارعون
▪ الترتيبات المؤسسية الدولية
خــــــاتمة:
مسايرة مؤشرات التنمية المستدامة أصبحت حتمية لا مفر منها من اجل عدم التخلف عن ركب الأمم سياسيا من جهة ومن جهة أخرى اقتصاديا كون ان ثرواتنا المستغلة في جلب العملة الصعبة غير متجددة مما يعكس مدى ملائمة المضي في تطبيق مؤشرات التنمية المستدامة من استغلال لطاقات المتجددة وعدم المساس بنصيب الأجيال القادمة من الثروات.
الجزائر وان كانت بعض المؤشرات تعكس رغبتها القوية في المضي قدما نحو إستراتيجية التنمية المستدامة فان مثال لبسيط عن الفجوة بينها وبين الدول المجاورة في نفس المجال تبين بوضوح حقيقة ان الرغبة غير كافية وانما القدرة علة تطبيق المخطط تاتي في المقدمة لذلك وجب مواجهة كل نقاط الضعف المتعلقة بالمسالة من:
- الانطلاق في سياسة إعادة تأهيل للبنى التحتية .
- تكثيف سياسات الوعي البيئي .
- محاربة كل أشكال التلوث التي من شانها تهديد الثروة البيئية عامة.
- محاولة سد الفجوة بين التعليم بمختلف مستوياته (في المجال البيئي خاصة) والواقع المطروح.
المصدر: الموسوعة العملاقة لطلبة الجامعات