لا يطلق خبراء التغذية على الحليب لفظ «مشروب»، بل يطلقون عليه «غذاء الحليب»، فهو بالفعل غذاء متكامل يحتوي على البروتينات والكربوهيدرات والدهون، بالإضافة إلى الكالسيوم وفيتامين «دي D» و14 مادة غذائية أخرى ليست هامة لبناء العظام فقط؛ لكنها ضرورية لصحة الإنسان بصفة عامة.
ويعتقد البعض أن تناول الحليب يرتبط فقط بمراحل الطفولة والنمو ولا يحتاج إليه الإنسان، طالما أن النمو قد توقف عند مرحلة البلوغ، إلا أن الحقيقة هي أن الحليب غذاء مثالي لكافة المراحل العمرية من الجنسين.
مفاهيم خاطئة
* ويرتبط تناول الحليب بالكثير من المفاهيم والأخطاء الشائعة:
* الحليب يسبب «حب الشباب»: هناك اعتقاد شائع أن بعض الأنواع من الأطعمة قد تتسبب في ظهور مرض حب الشباب Acne مثل الحليب والشوكولاته والبطاطس المقلية والمكسرات والمحار والقشريات البحرية. ورغم أن بعض الدراسات أشارت إلى العلاقة بين تناول الحليب وظهور حب الشباب باعتبار أن الحليب قد يحتوي على بعض الهرمونات والبكتيريا التي تساهم في ظهور المرض، فإن غالبية الدراسات لم تؤكد على وجود هذه العلاقة، بل أكدت على علاقة حدوث المرض وتطوره بعوامل أخرى مثل الوراثة والتغيرات الهرمونية ونوع البشرة والجلد والملوثات البيئية.
* الحليب يسبب البلوغ المبكر للفتيات: تؤكد الإحصائيات الحديثة أن الفتيات يصلن إلى سن البلوغ في عمر مبكر مقارنة بسن البلوغ قبل 30 عاما. ويؤكد الباحثون عدم وجود سبب واضح لهذه الظاهرة، وإن كان أحد الافتراضات يشير إلى ارتفاع معدلات السمنة وزيادة الوزن بين الأطفال كعامل هام في حدوث البلوغ في سن مبكرة.
وفيما تشير أصابع الاتهام أحيانا إلى الحليب ومنتجاته في حدوث البلوغ المبكر، لاحتواء الحليب على هرمون النمو البقري Bovine GH ولجوء بعض المنتجين إلى استخدام هرمون النمو البقري التخليقى rBGH لزيادة إنتاج الحليب؛ تؤكد تقارير إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA أن أكثر من 90% من هرمون النمو الموجود بالحليب يتم تدميره خلال عمليات البسترة، وتتحول الكميات الضئيلة المتبقية منه إلى مواد غير فعالة أثناء الهضم والامتصاص في القناة الهضمية للإنسان. كما أكدت الدراسات أن الهرمونات المستخدمة لزيادة إدرار الحليب المخصصة للأبقار والحيوانات لا تؤثر على الجسم البشري.
الجدير بالذكر أن الإحصايئات أكدت أن فتيات اليوم يتناولن كميات أقل من الحليب مقارنة بأمهاتن،وبالتالي ليس من البديهي أن يكون الحليب أو منتجاته أحد أسباب البلوغ المبكر.
كما أكدت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون كميات أكبر من الحليب تنخفض لديهم قياسات كتلة الجسم BMI ويكونون أقل عرضة للإصابة بزيادة الوزن والسمنة مقارنة بأقرانهم الذين يتناولون كميات أقل من الحليب.
السمنة والحصوات الكلوية
* الحليب يسبب زيادة الوزن والسمنة: للحصول على الرشاقة المطلوبة؛ يلجأ البعض إلى الإقلاع التام عن تناول الحليب ومشتقاته، والحقيقة أن عدة دراسات علمية أكدت على أهمية تناول الحليب ومشتقاته للتنحيف وإنقاص الوزن الزائد والمحافظة على استقرار الوزن، وأكد الباحثون أن تناول الحليب قليل أو خالي الدسم يساهم في الإقلال من كميات الطعام التي يتناولها الفرد باعتباره من الأغذية كبيرة الحجم المالئة للمعدة، والمسؤولة عن الإشباع السريع وكبح الشهية لتناول المزيد من الطعام.
كما أكدت الدراسات أن تناول كوب من الحليب خالي الدسم قبل الوجبة الغذائية يقلل الكمية المستهلكة من الطعام بمقدار 150 سعر حراري، لذلك يؤكد خبراء التغذية إمكانية تناول أصناف الحليب المتنوعة أثناء الحمية الغذائية لإنقاص الوزن حسب نسبة الدهون التي يحتاج إليها الفرد طبقا للمشورة الطبية، مع مراعاة أن جميع أنواع الحليب تحتوي على نفس الكمية من الكالسيوم بغض النظر عن محتواها من الدهن.
* الحليب يسبب الحصوات الكلوية: بخلاف الاعتقاد الشائع بأن تناول الحليب يزيد مخاطر تكون الحصوات الكلوية؛ أكدت بعض الدراسات إمكانية تناول الحليب بديلا لعصير التفاح دون زيادة مخاطر التعرض للإصابة بالحصوات الكلوية، كما أكدت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين يعتمدون على نظام غذائي غني بالكالسيوم (1300 ملغم يوميا) تقل لديهم مخاطر الإصابة بالحصوات الكلوية بنسبة 34% مقارنة بآخرين يعتمدون على نظام غذائي يحتوي على نصف هذه الكمية من الكالسيوم (نحو 500 ملغم كالسيوم يوميا).
ويؤكد خبراء التغذية أن تناول الكالسيوم من المصادر الغذائية لا يزيد مخاطر تكون الحصوات الكلوية بخلاف المكملات الغذائية المحتوية على الكالسيوم التي ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالحصوات الكلوية، ولذلك ينصح الأفراد الذين يتناولون مكملات الكالسيوم بالإضافة إلى نظام غذائي غني بالكالسيوم ضرورة التأكد من عدم تناول الكمية القصوى من الكالسيوم يوميا، والتي أقرها معهد الطب القومي وهي (2500 ملغم) للأفراد بين 19 - 50 سنة و(2000 ملغم) من الكالسيوم يوميا للأفراد فوق سن الخمسين.
الحليب العضوي
* الحليب العضوي أكثر فائدة من الحليب العادي: طبقا لمواصفات وزارة الزراعة الأميركية، يوصف الحليب بأنه عضوي المنشأ إذا كان مصدر الحليب ماشية تربت على غذاء عضوي في مراع طبيعية أو مراع تستخدم المخصبات والأسمدة والمبيدات العضوية، مع ضرورة توافر مساحات واسعة والتعرض لأشعة الشمس بصفة متكررة، وعدم معالجة الماشية بالهرمونات والمكملات، وعدم إعطائها بعض أصناف الأدوية في حالة المرض. لذلك يؤكد الخبراء أن كلمة حليب عضوي organic milk لا تعني تفوق الحليب من الناحية الغذائية، بل تعني الطريقة والاشتراطات الخاصة التي تربت عليها الماشية للحصول على الحليب.
الحليب العضوي
* الحليب الخالي من الدسم عبارة عن حليب كامل الدسم مضافا إليه الماء: الحليب الخالي من الدسم يتم الحصول عليه بإزالة الدسم (الدهن) من الحليب بطرق كيميائية أو فيزيائية، ولا يتم إضافة الماء أو نزع مواد غذائية موجودة بالحليب أثناء عمليات المعالجة، لذلك يحتوي كوب من الحليب خالي الدسم على أقل من نصف غرام من الدهن لكنه يحتوي على كميات مماثلة من الكالسيوم والفوسفور والبروتين والبوتاسيوم والمغذيات الأساسية الأخرى الموجودة في الحليب كامل الدسم، ونظرا لافتقار الحليب الخالي من الدسم إلى الفيتامينات الذائبة في الدهون، يتم تدعيمه ببعض الفيتامينات مثل فيتامين «إيه A» وفيتامين «دي D».
* حليب الصويا له نفس القيمة الغذائية للحليب البقري: حليب الصويا أقل احتواء على معادن الكالسيوم والمغنسيوم والبوتاسيوم وفيتامين «دي D» مقارنة بالحليب البقري، فحينما تحتوي التقديمة الواحدة من حليب الصويا على 10 ملغم فقط من الكالسيوم، تحتوي التقديمة الواحدة من الحليب البقري على نحو 300 ملغم من الكالسيوم، لذلك يلجأ مصنعو حليب الصويا إلى تدعيمه بالكالسيوم.
كما أكدت الدراسات أن الجسم يمتص الكالسيوم الموجود في حليب الصويا بنسبة أقل 25% مقارنة بالحليب البقري، لذلك يؤكد خبراء التغذية على إمكانية إدخال حليب الصويا ضمن النظام الغذائي الصحي، لكن مع مراعاة عدم اعتباره بديلا للحليب الحيواني مثل البقري والجاموسي وحليب الماعز.
* الحليب الخام أفضل من المبستر: يعتقد البعض أن الحليب الخام يفقد مغذياته الهامة أثناء عملية البسترة، والحقيقة أن بسترة الحليب لا تقلل من القيمة الغذائية له، بل ساهمت بشكل أساسي في توفير حليب آمن على مدار أكثر من 100 عام، عكس الحليب الخام الذي لا يتم تسخينه إلى درجات مدروسة بطريقة علمية مثلما يحدث أثناء البسترة، لذلك يحتوي على كميات كبيرة من البكتيريا الضارة مثل السلمونيلا وليستيريا وآي كولاي، التي تمثل خطرا صحيا على الإنسان خاصة الأطفال والحوامل وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة.
لذلك ينصح خبراء التغذية بضرورة التأكد من بيانات الملصق الغذائي والتأكد أن الحليب تمت بسترته وكتابة هذا بوضوح على العبوة، كما يجب التأكد أن منتجات الألبان مثل الجبن والآيس كريم والزبادي صنعت من حليب مبستر.
عدم تقبل الحليب
* الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز لا يجب عليهم تناول الحليب أو منتجاته: الإصابة بعدم تحمل اللاكتوز (السكر الطبيعي الموجود في الحليب) لا تعني تجنب جميع أنواع الحليب ومنتجاته، بل يمكن للشخص المصاب بعدم تحمل اللاكتوز تناول الأجبان الصلبة والزبادي المحتوي على البكتيريا الحية وأنواع خاصة من الحليب الخالي من اللاكتوز، كما يمكن للغالبية العظمى من المصابين بعدم تحمل اللاكتوز تناول كميات صغيرة من الحليب طوال اليوم دون معاناة.
* حساسية الحليب شائعة الحدوث: حساسية الحليب نادرة الحدوث تصيب نحو 3% من الأطفال، ونحو 1% فقط من البالغين، والغالبية العظمى من الأطفال تتخلص من حساسية الحليب خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر، ولا يستطيع الكثيرون التمييز بين حساسية الحليب وعدم تحمل سكر اللاكتوز.
وتتسبب حساسية الحليب في حدوث طفح جلدي وغازات وانتفاخات مع صعوبة في التنفس وتقلصات بالبطن، بينما تتسبب حساسية سكر اللاكتوز في حدوث أعراض أقل حدة من أعراض حساسية الحليب، لذا ينصح الخبراء بمتابعة الطبيب المتخصص للتفرقة بين حساسية اللاكتوز وحساسية الحليب.
* يمكن الحصول على الكالسيوم والمغذيات الأخرى دون تناول الحليب ومنتجاته: الحليب ومنتجاته أحد أهم المصادر الغنية بالكالسيوم والمغذيات الأخرى، بالطبع يمكن الحصول على الكالسيوم من خلال تناول كوب من عصير البرتقال أو حليب الصويا المدعم بالكالسيوم، لكن يجب التأكد أولا أنها مدعمة بكمية الكالسيوم الكافية للجسم.
كما يمكن أيضا الحصول على الكالسيوم من بعض الخضراوات مثل البروكلي أو الحبوب مثل الخبز المصنوع من القمح الكامل، لكن للحصول على نفس كمية الكالسيوم الموجوة في كوب من الحليب (250 ملغم) يجب تناول أربع أكواب من البروكلي أو نحو 12 شريحة من الخبز المصنوع من القمح الكامل، فالكالسيوم الموجود في الخضراوات والحبوب لا يمتص بنفس السهولة التي يتم بها امتصاص الكالسيوم الموجود في الحليب.
* استشاري الجهاز الهضمي والكبد والتغذية العلاجية في كلية الطب بجامعة القاهرة