والعملية الإحتكارية في حد ذاتها تعني السيطرة على الثروات و استغلالها لصالح هذه الأخطبوط عبر العالم ، واحتكار السلع المعروضة في الأسواق أو حتى في مجال الخدمات ولاتتحقق الميزة الإحتكارية إلا إذا كانت لعدد قليل من أصحاب رؤوس الأموال مما يؤدي بهذه المعادلة إلى التحكم في أثمان هذه السلع و الخدمات وخير مثال نؤكد به الجانب الإحتكاري هو البروز لعدد قليل ومحدود من الشركات البترولية الكبرى بالإستحواذ و السيطرة على مجموع النشاط الإقتصادي البترولي على الصعيد المحلي و العالمي ومن بين هذه الشركات نذكر على سبيل المثال :
3. ميزة التنوع و التوسع:
من مميزات الشركات متعددة الجنسيات الضخامة و تنوع نشاطها عبر العالم ، فكل شركة من هذه الشركات الإحتكارية تمارس نشاطها في الكثير من دول العالم وخاصة دول العالم الثالث ، حيث تخص هذه "ش.م.ج" في الكثير من النشاطات في إنتاج أكثر من 22 سلعة مختلفة ومتنوعة في شتى مجالات الحياة الإقتصادية.
كما تتميز بكثرة الإنتاج و النوعية ، معتمدة في ذلك على السرعة في الإنتاج بأحدث الطرق و الأساليب التكنولوجية الحديثة و التي تتماشى و السياسة الإقتصادية الحديثة و ذات القيمة الفنية العالية.
ومع كبر حجمها مارست أدواراكبرى في التجارة الخارجية الدولية كمحرك فعال في ديناميكية التجارة و المبادلات الدولية المتطورة.
وهذا من بين الأساليب الإستراتيجية التي إعتمدتها في برمجة سياستها الإقتصادية و اللتجارية لإضعاف البنية الإقتصادية و التجارية للبلدان النامية مما جعلها تتوسع أكثر في تجارتها على الصعيد الدولي و الداخلي وتركيزها على بلدان العالم الثالث مما جعل أرباحها تزداد أكثر فأكثر وهذا أدى إلى السيطرة على السوق التجارة الدولية كما تتميز بإنتاج المتعدد و المتنوع فعلى سبيل المثال شركة جنيرال موتورس التي تنتج أكثر من 22 سلعة كإنتاج : القطارات ، السكك الحديدية ، الثلاجات ...وغيرها من السلع ذات الأهمية في التجارة الدولية وخاصة إحتياجات العالم الثالث لمثل هذه المنتوجات كما تساعدها أكثربتميزها أكثر بتوفير رؤوس الأموال.
إضافة إلى ذاك في تقوم بتوزيع نشاطاتها عبر فروع أو وكالاتها في صناعة أو بيع السلع ضف إلى ذلك في توضف اليد العاملة المتوفرة وبأجور زهيدة في مواطنها العالم الثالث كما تعتمد على التقدم التكنلوجي المتطور حيث توفر أموالا طائلة في مجال الأبحاث لتطوير منتجاتها بسرعة فائقة جدا تماشيا وفقا لتغيرات الإقتصادية الحاصلة حديثا .
بالإظافة إلى الإهتمام الكبير بتطبيق أحدث الأساليب في مجال التسيير الإداري مما جعلها تتفوق في مجال النظام و البرمجة و التسيير حيث تعتمد على توفير أموال لدراسة وتطوير مثل هذا الجانب الذي أهملته بلدان العالم الثالث و الذي أدى بها إلى التأخر في جميع المجالات الإدارية و السياسية و القانونية و اتلإقتصادية و التجارية و الثقافية هذا الإهمال للمعلجة الفعالة للميادين السابقة الذكر من طرف بلدان العالم الثالث غستغل وبملاحضة دقيقة من قبل ش.م.ج وكانتا النتيجة أن سكان العالم الثالث المتكونة أكثر من 130 دولة يعيش فيها أكبر نسبة من سكان العالم لايتعدى نصيبهم 20% من الناتج القومي العالمي .
إلى جانب إمتلاك هذه الدول لثروات طبيعية وطاقات بشرية هائلة فهي لاتساهم في الإنتاج الصناعي العالمي إلا بنسبة 7% و 35% من الإنتاج الزراعي الذي لا يغطي حاجيات هذه البلدان . إضافة إلى الإنتاج المحلي المتدني فقد إعتمدت على سياسة الإستراد و الإهتمام بالمنتوج الأجنبي ، وهذا حسب الرأي الإقتصادي العالمي تشاكين-عالم في الإقتصاد الحديث ذو أصل بريطاني- بدلا من استغلال منتوجاتها لحفظ النمو المحلىي وتحسين الإنتاج وزيادة التنافس بل أعطت تحفيزات في مجال التجارة الحرة و الأستثمار الأجنبي غير المقيد و هذه المميزات المتراكمة التي لا تفيد الشعوب وخاصة عمال بلدان العالم الثالث ، وكما نعرف مدى إرتكاز أعمال الشركات متعددة الجنسيات على البترول و الغار في بادء الأمر ولكن الظروف و التغيرات فرضت عليها تنوع وتوزيع مجالات نشاطها الصناعي و الإقتصادي إلى مصادر طاقية أخرى مثل إستغلال الفحم الحجري و اليورانيوم و رمال القارة أو التصنيع البيترو كيمياوي وهذا كله من أجل تعزيز سيطرتها وهيمنتها ومحافظتها الإقتصادية.
المبحث الثالث
دور الشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة
لقد نتج عن التغيرات الإقليمية والدولية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية نظام عالمي جديد بمضامينه وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والمالية والثقافية والسياسية المبني على اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وتنامي دور الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية التي أخذت تفرض على الدول النامية سياسات وبرامج إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي وإحداث تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقات الدولية وصياغة علاقات مجتمعية إنسانية جديدة.
وتعتبر الشركات متعددة الجنسيات أو الشركات متعددة القومية من الظواهر البارزة في الاقتصاد العالمي ذات تأثير كبير في سياسات الدول المتقدمة فدفعتها لتحقيق أهدافها في إطار تعديل أسس الولاء من الدولة الوطنية إلى الولاء إلى المنظمات الدولية والشركات متعددة الجنسيات ولقد تعددت تعاريف ومفاهيم هذه الشركات بتعدد جوانبها وأبعادها وأدوارها والتي أخذت أنماطاً مختلفة منها ما هو تجاري أو خدمي أو صناعي أو كلي تتكامل فيما بينها رأسياً وأفقياً.
وعلى هذا الأساس فإن هذه الشركات اندمج رأسمال المصرفي مع رأسمال الصناعي في رأسمال مالي أي بدمج العمليات الثلاثة الصناعية والتجارية والمالية بكل الاتجاهات وكل أنواع الاستثمارات.
ولقد ازداد عدد الشركات متعددة الجنسيات حيث أصبحت في أواسط التسعينات /35/ ألف شركة تتوزع على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية واليابان، وفي مستوى هذه الشركات تسيطر /100/ شركة الأكبر فيما بينها على معظم الإنتاج العالمي، وقد أكسبت الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة قوة إضافية لهذه الشركات وقدرة على الإنفاق على البحث العلمي. ويتضح من خلال نشاط هذه الشركات أنها قد ساهمت بشكل كبير في تفكيك عملية الإنتاج على الصعيد الدولي التي تتسم بعدم الاستقرار وبقابلية الإنقطاع والتي تهربت من أية رقابة أو اتفاقيات ملزمة وأنها نسقت مع المؤسسات المالية والمنظمات الدولية في الدخول إلى الدول النامية.
ولقد تجسدت ممارسة هذه الشركات في نشاطاتها في الاقتصاد الدولي بنمو دورها في تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة والقيم المضافة والمساهمة في تشكيل نظام تجارة دولية حرة والتسريع في نمو أكبر للاستثمار المباشر العالمي والتطور السريع للعولمة المالية وتنامي التأثير على السياسات الاقتصادية للدول والمساهمة في تعميق الفقر في العالم وهجرة الأدمغة وتعميق الفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والدول النامية.
ويمكن إيجاز أثر هذه الشركات على الاقتصاد الدولي بإضعاف سيادة الدول المتصلة وتقليص دورها الاقتصادي والاجتماعي وخلق شريحة اجتماعية طفيلية وإضعاف ميزان المدفوعات وحرمان الدول المضيفة من أنشطة البحث العلمي والتطوير وإغرائها بمنحها عائداً أكبر لاستثماراتها لإبعادها عن إرساء قاعدة إنتاجية لها وبنفس الوقت استغلال المزايا النسبية للدول المضيفة ولجوء هذه الشركات للتمويل من السوق المحلية في المرحلة اللاحقة والمساهمة بمعدلات منخفضة في العبء الضريبي وزيادة الفساد في المجتمع.
ومن هنا تبدو أهمية تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد عن طريق إيجاد تعاون إقليمي بين الدول وإعادة هيكلية صندوق النقد الدولي وضرورة إصلاح نظام التجارة العالمي وتعزيز التعاون الصادق بين دول الجنوب ودول الشمال وبمراقبة مناسبة على تحرك رؤوس الأموال الخاصة وتشجيع تعاون عالمي في العلوم ونقل التكنولوجيا إلى الدول النامية.
وهذا يقودنا إلى الإجراءات الواجب اتخاذها في الإطار العربي لمواجهة الاقتصاد لعالمي الجديد عن طريق تعزيز الدور التنموي للدول العربية واحترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات الديمقراطية والتأكيد على زيادة الإنتاج والإنتاجية وتحقيق عدالة التوزيع وإعادة توزيع الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من نفوذ رأس المال الأجنبي ووضع معايير وضوابط لحركة رأس المال المحلي بما يخدم عملية التنمية وضرورة تطوير وتعميق التكامل والتعاون الاقتصادي العربي وتفعيل الاتفاقيات العربية في المجال الاقتصادي
وتنسيق وتوحيد المواقف العربية في مواجهة المشروعات المطروحة من المنظمات الدولية ولاسيما المالية.
ومن الأهمية بمكان أيضا إبراز دور النقابات وهيئات المجتمع الأهلي في مواجهة النظام الاقتصادي العالمي الجديد وشركاته متعددة الجنسيات بضرورة تفعيل مشاركتها الحرة والمستقلة وأهمية اكتسابها مركز تفاوضي قوي واجاد موقع إعلامي بما يعزز قوتها وتأثيرها وإرساء تضامنها
المبحث الرابع:
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للشركات المتعددة الجنسيات
تعود ملكيـة الشركات المتعددة الجنسيات إلى دول عدّة : هولندية أو ألمانية، فرنسية أو سويسريّة، إيطالية أو كندية، سويدية أو يابانية. لكن ملكية أكثرها تعود إلى شركات أميركية المنشأ.
وتجلت سيطرة هذه الشركات على أسواق أميركا عقب الحرب العالميـة الثانية، بعد أن اضطُرَّت الصناعة فيها للاعتماد على نفط هذه الشركات التي حققت بالتالي أرباحاً خياليـة. وكان هذا، بخلاف ما توصلت إليه أوروبا واليابان في نهاية عام 1993 من قوة اقتصادية بدأت تنافس الشركات الأميركية في العالم. ويتبدى هذا الضعف الذي اعترى الشركات الأميركيـة خلال السنوات الأخيرة، من زيارات الرئيس الأميركي جورج بوش إلى كل من اليابان وبعض الدول الأوروبية عام 1992، ضمن إطار اتفاقات الغات للتجارة الدولية، وذلك لدعم الميزان التجاري فيها والذي سجل عجزاً كبيراً وصل إلى 60 مليار دولار لصالح اليابان.
وفي هذا الإطار، أكّد عدد من الباحثين في هيئة الأمم المتحدة أن هناك في الوقت الراهن (1993) ما لا يقل عن 35 ألف شركـة متعددة الجنسية تسيطر على نحو 170 ألف فرع أجنبي تابع لها خارج حدود الدولة الأم. وتضيف هيئة الأمم في مكان آخر من تقريرها، أن اكثر من 100 شركة متعددة الجنسيات تستحوذ على ما قيمته 3 تريليون دولار. ويقع ما قيمته 1.2 تريليون دولار منها خارج بلدان هذه الشركات. وكما تشير الإحصاءات العائدة لوزارة التجارة الأميركية، فإن قيمة الأصول العائدة لراس المال الخاص غير المقيم في الولايات المتحدة (الأجنبي) بلغت 8.5 تريليون دولار عام 1990(1).
الآثار الاقتصادية لنشاط الشركات
لا يكفي التأكيد على أن الشركات المتعددة الجنسيّـة تمارس نشاطاً استثمارياً خارجياً فحسب، لأن ذلك تعريفاً خاطئاً نوعاً ما، لأنها، بالإضافة إلى هذا الدور المذكور، تقوم بدور اقتصادي واجتماعي له آثار متعددة، خاصة في البلدان العربية، كما يترتَّب عليها نتائج سياسية وثقافية.
فمن المعروف أن الشركات المتعددة الجنسية تسعى إلى زيادة أرباحها باستغلال الموارد الطبيعيـة والأيدي العاملة الرخيصة، ولا يعنيها مدى أهميّة المشاريع التي تنفذها بالنسبة للاقتصاد الوطني ولا بالنسبة لآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فقد تركز هذه الشركات على استنفاد مورد طبيعي غير متجدد (النفط...) حين تكون مصلحة الدولـة الوطنية عدم استنفاد هذا المورد. وقد تهتم بصناعات تحويلية، في حين تحتاج الدولة إلى صناعات ثقيلة أساسية. فهي لا تستجيب تماماً للمتطلِّبات الوطنيَّة، لأنها، بكل بساطة، شركات أجنبية.
من هنا تلجأ البلدان المضيفة لاستثمارات هذه الشركات إلى وضع قيود على هذا الاستثمار، بأن تربطه بموافقة هيئات حكومية متنوعة، بعد أن تكيّف مشاريعها الاستثمارية وفق معايير تحددها البلدان المضيفة. هذا بالإضافة إلى تسابق البلدان النامية إلى تقديم الحوافز لتشجيع عمل هذه الشركات، ومنها :
-إعفاءات ضريبية أو تخفيض في الرسوم الجمركية.
-سياسات تُحرِّر الشركات من القيود على أرباحها المحوَّلة إلى البلد الأم.
وهناك أسلوب جذّاب للحوافز، هو السَّماح للمنشآت التابعة لهذه الشركات باستيراد ما يلزمها من مواد ومستلزمات بدون خضوعها للضرائب والرسوم .
وثمة طرق أخرى تلجأ إليها الدول المضيفـة بأن تستخدم المنشأة التابعة حجماً معيناً من الموارد الإنتاجية المحلية في عملياتها الإنتاجية، أي، بعبارة أخرى، مساهمة هذا الفرع إيجاباً في الاقتصاد المحلي. كما تدفع هذه الشركات إلى توظيف نسبـة معينة من القوى العاملة من مواطني الدولة المضيفة.
كذلك تلجأ الدولة المضيفـة، وحفاظاً على توازن ميزان المدفوعات، إلى تحديد حجم الأرباح ورأس المال الذي يُسمح للشركة بتحويله إلى الخارج. كما تفرض أن تكون صادرات الشركات كمّيات صغيرة من إنتاج البلد المضيف .
لذلك نقول إن هناك آثاراً سلبية تتركها الشركات المتعددة على عمليات التنمية، وهي إهمال المشكلات التي تعاني منها المجتمعات النامية، كالموارد البشرية، إضافة إلى إهمال توزيع الثروة والدخل على كافة الشرائح الاجتماعية، باعتبار أن عملية التنمية في فلسفة الشركات المذكورة، هي عمليات اقتصادية بحت، إضافة إلى الأرباح الضخمة المحولـة إلى الدولة الأم، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية، وإلى ضياع الفرصة أمام الاقتصاد المحلي لاستغلال موارده استثماراً ذاتياً في الصناعات الوطنية.
وبما أن سياسة الشركات المتعددة تتفق وحرية التبادل التجاري وانفتاح الاقتصاد الوطني على اقتصاد السوق، حيث تتحدد أسعـار المنتجات بما يتلاءم مع قانون العرض والطلب، لذا نقول إن الاقتصادات العربية، بشكل عام، سوف تتأثر بعاملين مترافقين في عمليـة تحرير تبادل المنتجات الزراعية والصناعية على المستوى العالمي :
الأول : زيادة أسعار بعض المنتجات الزراعية، نتيجة لزيادة الطلب العالمي، إثر إلغاء القيود على الاستيراد وتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات الزراعية. وهذا ما أكّدته اتفاقية منظّمة التجارة الدولية (الغات).
الثاني : إنخفاض إنتاجيّة القطاع الزراعي، بسبب تحرير التجارة وفتح الأسواق وارتفاع تكاليف الإنتاج. وفي هذه الحالـة، فإن منتجات الأقطار العربية لن تكون منافسة لمنتجات الدول المتقدمة زراعياً .
هذا الأمر يؤدي، على المدى البعيد، إلى تدمير بنيـة الاقتصادات العربية، مما سيلقي بأعباء إضافية على عملية التنمية في البلدان العربية، ويوسع معدلات البطالة والفقر.
كذلك تتشابه النتائج على صعيد المنتجات الصناعية، بسبب المنافسة في الأسواق وما يترتَّب على ذلـك من عجز كبير في ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري، خاصة إذا تعرّضت البلدان النامية وبلداننا العربية لسياسات الإغراق من جانب الدول الصناعية.
لهذه الأسباب، فإن البلدان العربية مُطالبة بتطوير صناعاتها، والعمل على التكامل والتنسيق في هذا المجال، والإعتناء بمرتكزات التنمية البشرية، من تعليم وتدريب وتأهيل، لمواكبة التكنولوجيا الحديثة والاهتمام بمراكز البحوث والتطوير.
ولعل ما يبعث الأمل، ما تم إقراره بإنشاء "منظمة التجارة الحرّة العربية" التي بدأت عملها مع مطلع هذا العام، على أن يكتمل بناؤها خلال السنوات العشر المقبلة. ويمثل هذا المشروع الحضاري انطلاقة جادة وحقيقية لبناء تجمع اقتصادي فعّال لصيانة المصالح العربية، والاستفادة القصوى من الموارد والإمكانات البشرية والمادية، بالتعاون مع مواقع القوة ومختلف التكتلات الاقتصادية الإقليمية والدولية على حدّ سواء
الآثار الاجتماعية لنشاط الشركات
تؤكد الدراسات الاقتصادية أن الشركات المتعددة الجنسيات، لا ترتبط أعمالها بالصناعات الوطنية في البلدان النامية بل بالسياسات العامة التي تضعها هذه الشركات، مما يؤدي إلى ازدياد الفروقات الاجتماعية بين الفئة المرتبطة مصالحها بهذه المشاريع وبين أغلبية السكان الذين يتدهور مستوى معيشتهم، تحت التأثير المزدوج لجمود التنمية، وارتفاع الأسعار نتيجة الارتباط الوثيق بالأسواق العالمية.
وغالباً ما يؤدي هذا الاتجاه إلى فتح الباب واسعاً أمام الفساد وما إلى ذلك من ظواهر اجتماعية سلبية. فغالباً ما تعتمد هذه الشركات الرشوة بغية إفساد الساسة والحكام، وحملهم على قبول شروط أكثر غبنـاً لبلادهم، والتغاضي عن مخالفات قانونية أو دفع ثمن أغلى من الأسعار الدولية. كما نجحت هذه الشركات المذكورة في شراء ذمم كبار المسؤولين، وجنّدت لخدمتها وبمرتبات عالية أعداداً لا يستهان بها من الفنّيين والإداريين ورجال الأعمال والمهنيين... خلاصـة القول، إن للشركات المتعددة آثاراً اجتماعيـة على الدول النامية، ومنها العربية، يمكن تلخيص أهمها بثلاث نقاط هي :
-تحجيم الصناعة الوطنية المنتجة، وتشجيع قيام فئة اجتماعية تعتاش على حساب المجتمع لها مواصفات غير إنتاجية.
-تكريس الفساد والرشوة وقيم أخلاقية وضيعة.
-زيادة الهوّة بين الشرائح الاجتماعية، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي(10) .
إن توسيع قاعدة الارتباط بمصالح الشركات المتعددة في السنوات العشر الماضية، دفع العالم العربي إلى تبعيـة غذائية نتيجة تطور أنماط الاستهلاك وما تُعمِّمه من عادات وقيم في المأكل والمشرب والملبس، وما تقوم به من جهد على "المستوى الإعلامي"، بسبب مكاتبها المنتشرة في أكثر من مئة دولة في أنحاء العالم. وهي تلجأ إلى صرف المليارات من الدولارات على إعلاناتها بغية تسويق منتجاتها. فترسل أحياناً استمارات تفصيلية إلى أساتذة الجامعات المختصّين بالدراسات الإنتروبولوجية الثقافية والعلوم الاجتماعية والنفسية، تطلب فيها، لحساب الشركات، معلومات ذات فائدة (عادات الطعام، نماذج الاستهلاك عند العائلة، ...)، وذلك لمعرفة رغبات الناس وعاداتهم كي يستطيع مديرو الشركات تصميم منتجاتهم حسب نتائج هذه الدراسات.
إضافة إلى ذلك، تعمل الشركات على إرسال بيانات استطلاع الرأي إلى الصحف والإذاعات وتلفزيونات البلدان النامية، وذلك عبر الأقمار الصناعية، لجمع المعلومات حول الثقافة المحلية بغية تصحيح منتجات الشركة. وقد ساعدها في تحقيق ذلك ثورة المعلومات والاتصالات الحديثة، مما فجَّر ظاهرة التنافس الشديد بين هذه الشركات وأحدث تغييراً هائلاً في عملية نشأة سوق عالمية واحدة.
وقد سعت هذه الشركات إلى وضع مصالحها قبل مصلحة الزبائن أو المستهلكين، في عمليات اندماج قامت بها مؤسسات احتكارية تنتج سلعاً متشابهةً تُباع في الأسواق نفسها (اندماج مؤسسة "جنرال إلكتريك" للأدوات الكهربائية ومؤسسة "آر سي أي" ).
أما أضرار الاندماج بين الشركات التي تمارس أعمالها ضمن الصناعة نفسها، فتقلص المنافسة التي تنجم عن تخفيض عدد المؤسسات التي تنتج السلع نفسها، مما ينعكس سلباً على الزبائن من جرّاء القضاء على المنافسة التي كانت قائمة بين الشركتين المذكورتين. وهذا ينعكس على المصلحة الاقتصادية العامة.
من هنا، كان تدخل الحكومات للقيام بوضع القوانين والتشريعات الجديدة، وإنشاء هيئات حكومية لمراقبة عمليات الاندماج بين المؤسسات، وذلك للحدّ من التواطؤ بين المؤسسات العاملة ضمن الصناعة الواحدة، والتخفيف من حدة الحالات المنافية للمصلحة العامة.