﴿وَالَّذِينَ لا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ (الفرقان: من الآية 68)
1- مجموع ما مضى مما اختاره الله تعالى
لعباد الرحمن كانت صفات تحلية يتحلى بها أهل الفضل والعرفان بالله رب
العالمين
وما يأتي بعد ذلك صفات اختارها الله لهم وهي
صفات تخلية، تقول للمؤمن: خلِّ عنك الشرك الخفي، وخلِّ عنك قتل النفس بغير
حق،
وخلِّ عنك خسيسة الاعتداء على الأعراض، وكل
المحرمات... وهكذا.
2- وللقرآن اهتمام بقضية العقيدة فهي أساس
الإيمان، وروح اليقين، ومن سلم له إيمانه وعقيدته صلح لعبودية ربه، فيُعلي
الله قدره
بمثل ما نفهم من هذه النصوص: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ (الإسراء: من
الآية 1) ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى
عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾
(الكهف: من الآية
1) ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى
عَبْدِهِ﴾ (الفرقان: من الآية 1).
ومن أهم فوائد تمام عبودية العبد لربه،
خروجه من دائرة الشرك الخفي، وراجع الآيات من سورة المؤمنون:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ
مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ
(59) (المؤمنون).
لاحظ ضرورة النَّص على نفي الشرك عنهم، مع
كونهم أصحاب خشية وإشفاق وإيمان بالآيات؛ لأنه الشرك الخفي الذي يخفى كما
يخفى دبيب النمل، وتأمل دعاءً لمطرف بن عبد الله كان يقول: "اللهم إني
أستغفرك مما تبت إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلته لك على نفسي ثم
لم أفِ لك به، وأستغفرك مما زعمت أني أردت به وجهك فخالط قلبي منه ما قد
علمت"، وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "أيها الناس، اتقوا هذا الشرك؛ فإنه
أخفى من دبيب النمل"، فقال من شاء الله له أن يقول: وكيف نتقيه وهو
أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: "قولوا: اللهم
إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه".
3- ولِيَستقيم هذا الأمر فنحن بحاجة إلى
رعاية قلوبنا، نحيي مواتها بدوام الاتصال بالله، والعبادات المتنوعة من
صلاة إلى ذكر إلى معايشة قرآن، إلى عملٍ في حقل الدعوة لهذا الدين ونشره
على العالمين، وكلُّنا يدرك ما تشير إليه هذه الآيات.. ﴿أَلا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
(الرعد: من الآية 28) ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42) (الأحزاب)
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا
دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ
يَرْشُدُونَ (186) (البقرة)
وحقيقة هذه الوصية النبوية للصحابي الجليل
أبي ذر رضي الله عنه: "زُر القبور تذكر بها الآخرة،
وغسِّل الموتى فإن معالجة جسدٍ
خاوٍ موعظةٌ بليغةٌ،
وصلِّ على الجنائز لعل ذلك يحزنك، فان الحزين في ظلِّ الله يوم القيامة"
(رواه الحاكم في المستدرك)
وتأمل قول المحاسبي رضي الله عنه: "إذا أنت
لم تسمع نداء الله فكيف تجيب داعي الله؟" وهل السماع إلا سماع القلب؟
خلاصة
دوام الاتصال بالله بأسباب الاتصال يجعلنا
في الحصن الآمن ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ
سُلْطَانٌ﴾ (الحجر: من الآية 42).