التاريخ ينحني عند مجازر 8 ماي وتجريم مقترفيها يبقى المطلب الملح للسكانيستعد التاريخ مرة أخرى للانحناء عند أبشع الجرائم التي عرفتها المعمورة ضد الإنسانية والتي لا تزال تنتظر الاعتراف من طرف مقترفيها ورغم كونها ذكرى مأساة إلا أنها حملت بذور ثورة كانت غلتها الاستقلال والحرية إذ تحل علينا اليوم ذكرى الثامن ماي 45 لتعيد إلى الأذهان شريط المجازر الإنسانية التي ارتكبها المستعمر في حق شعبنا وشهدائنا.
الذين ساهمت تضحياتهم في تحرير الوطن، لتكون بذلك تلك المجازر بمثابة الفترة الحاسمة بين مرحلة النضال السياسي ومرحلة الإعداد للكفاح المسلح، ليساهم ذلك الوجه الوحشي والهمجي للمستعمر الفرنسي في توحيد الحركة الوطنية حول مشروع وحيد أعاد الجزائر استقلالها وحريتها وكرامتها.
اليوم وبعد مرور 68 عاما يقف الشعب الجزائري مرة أخرى عند إحدى أبرز محطاته التاريخية، ليسترجع الأحداث الدامية التي صدمت العالم بأسره وأرعبته بصورة التقتيل الوحشي والجماعي التي تناقلتها وسائل الإعلام من مدن عديدة منها سطيف، قالمة وخراطة وغيرها، هذه الأخيرة التي استيقظ سكانها معلنين المظاهرات بمجرد سماعهم لخبر استشهاد رمز مجازر الثامن ماي 45 الشهيد "بوزيد سعال" والعلم الوطني بين يديه.
لتكون ردة فعل المعمر الفرنسي عبر آلته التدميرية جد قاسية ويسقط بذلك أول شهيد هذه المجازر بخراطة المدعو "شيباني الخير" بعد تلقيه طلقة نارية من يد قابض بريد المنطقة أردته قتيلا.
لتكون ردة فعل المتظاهرين سريعة وأحرقوا مقر البريد هذا، لتبدأ بذلك الآلة التدميرية عملها معلنة بذلك بداية المجازر والإبادة الجماعية بحشر آلاف المواطنين بملعب خراطة مكبلين بسلاسل حديدية لينقلوا فيما بعد إلى "شعبة الآخرة" قصد رميهم في وادي "أفريون" الذي بقي على مدار أيام عديدة ملونا بدماء الآلاف من الشهداء الذين لا يزال يتذكرهم التاريخ، إذ لم يجد المدمر المستعمر من وسيلة للتخلص من الروائح المتصاعدة من ذلك المكان سوى بردمهم بالخرسانة والاسمنت لتستمر عملية الإبادة على مدار أيام، وفي ظل انعدام إحصاءات رسمية عن عدد القتلى في هذه المجازر، يظل المكان الذي كان مسرحا للجريمة التي ارتكبها الاستعمار ضد الإنسانية دون ذاكرة ملموسة، ما عدا ما نحته المعمر تمجيدا لجرائمها، حيث لا تزال صخور "شعبة الآخرة" تحتفظ بما نقشته قوات اللفيف الأجنبي عليها.
لذا فمن الواجب إعطاء الذاكرة حقها في استعادة عمق معاناة الشعب الجزائري من الاحتلال الفرنسي، وجسامة التضحيات التي قدمها ثمنا للحرية والاستقلال من خلال ثورته المظفرة، التي يبقى التاريخ يشهد عليها لتبقى من أعظم الثورات التي قامت في العالم المعاصر، لتبقى بذلك مجازر الثامن ماي 45 ذات أهمية مضاعفة، كونها شكلت شهادة قوية وواقعية على طبيعة الإستدمار ووحشيته لتجرده بذلك من كل القيم الإنسانية، إضافة لكونها نقطة انطلاق مرحلة حاسمة في مسار تجذير الحركة الوطنية وتوحيدها.
لتكون بذلك بداية التحضير للثورة المسلحة، بعد اقتناع الجميع بأن الحرية لن تمنح وإنما تنتزع بالإرادة والكفاح المسلح الذي انطلقت شرارته ذات فاتح من نوفمبر من عام 1954، جاءت لتنصف شهداء الثامن ماي الذين لم تذهب تضحياتهم هباء، بل أنهم ساهموا في إبلاغ الرسالة للعالم أسره وأن الشعب الجزائري ككل يصر على استعادة حريته واستقلاله وكرامته المسلوبة قبل أن تعترض الآلة العسكرية الفرنسية مظاهراتهم السلمية بالتقتيل الوحشي والاعتقال الهمجي مستهدفة كل من يرفع شعار الحرية، مخلفة بذلك أكثر من 45 ألف شهيد واعتقال نحو 10 آلاف جزائري حكم بالإعدام على الكثير منهم، وبممارستها لهذه الطريقة وقعت السلطات الاستعمارية من خلال ذلك أهم صفحات سجلها الأسود بالجزائر متجاهلة عواقب تلك المجازر التي شكلت بالفعل منعرجا حاسما في مسار الكفاح التحريري.