الإعجاز النبوي في الوقاية من الجراثيم
بقلم أ.د.عبد الحميد القضاة
الجراثيمُ مخلوقات متناهية في الصغر ,منبثة بأعدادٍ لايعلمها إلا الذي خلقها لكثرتها, بداياتُ معرفة الإنسان بها كانت في نهايات القرن التاسع عشر, ولا زالت المعرفةُ بها تتراكمُ يوما عن يوم,فرغم ما تُسببُ للإنسان من أمراضٍ إلا أن حياتهُ لاتستقيمُ- بل غير ممكنةٍ- على الأرض بدونها.
بعضُ هذه الميكروبات مُمرض للإنسان ( نسبة الميكروبات الممرضه للانسان هي 3% فقط ), وتنتقلُ إليه عن طريق الماء والهواء والطعام أو التماس المباشر بين المريض والسليم, ولتقليل الإصابات بهذه الجراثيم، تتسابقُ السلطاتُ الصحيةُ في تطبيق الإجراءات الوقائية, وذلك بتعميم الممارسات الصحية الفردية والجماعية, وقد سُن لذلك تشريعات تطبقُ بقوة القانون، ورغم كل هذا فإن العالم يفقدُ كُل عامٍ عشرات الملايين بسبب الجراثيم المعدية.
وأكثرُ هذه القوانين والتشريعات تحثُ على نظافة الأيدي والأسنان والأجساد وأماكن التجمع وتطبيق القواعد الصحية, ومع هذا كله فقد نجحت منظمةُ الصحةُ العالمية في موطنٍ وفشلت في مواطن اخرى .
فقد أعلنت اليوم العالمي لنظافة الأيدي بالصابون ، حيثُ تطمح من وراء ذلك لتخفيض عدد وفيات الأطفال من الجراثيم الممرضة إلى النصف، فقد ثبت أن للايدي دور عظيم في نقل الجراثيم ونشر الأمراض، وقصةُ الطاهية الانجليزيه ماري التي كانت تحملُ جرثومة التيفوئيد في أمعائها وتعملُ طاهية في لندن قد دخلت التاريخ , حيثُ نقلت جرثومةمرض التفوئيد إلى ألفٍ وثلاثمائة شخصٍ قبل أن تُكتشف وذلك بسبب تلوث يديها.( وقد ثبت أن الغرام الواحد من براز حامل جرثومة التيفوئيد فيه أكثر من خمسة وأربعين مليونا من بكتيريا هذا المرض )حيث كان الناس في الغرب لايغسلون ايديهم بالماء بعد ازالة فضلاتهم بالمراحيض,ولا زال الكثيرون منهم على نفس العادة ,رغم كل التنبيهات والتعليمات الصحية .
üلهذا ولغيــره الكثير ركز رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قبل أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان على نظافة اليدين ، حيث حبب للمسلم غسل يديه طمعا بالأجر والثواب , وبكل طريقةٍ تجعلهُ يقومُ بذلك تقربا إلى الله , فلا يكتملُ الوضوءُ إلا بغسل اليدين , ومنع أن يمس الإنسانُ ذكرهُ بيمينه او يستنجي بها,حيث قال " إذا بال أحدُكُمْ فلا يأْخُذن ذكرهُ بيمينه ولا يسْتنْجي بيمينه ولا يتنفسْ في الإناء ' "( البخاري ) وفوق ذلك قال " بركــةُ الطعام الوضوء قبلهُ والوضوء بعده " ( ابو داوود ) وقال ايضا "" منْ أحب أنْ يُكْثر اللهُ خيْر بيْته فلْيتوضأْ إذا حضر غـــداؤُهُ وإذا رُفع " (ابن ماجة).
كما أثبت العلماءُ أن كل واحد سنتمتر مربع من جلد الإنسان عليه ما بين مليون إلى خمسة مليون جرثومة , خاصة المكشوف منه , ولهذا قال علماءُ الصحة العامة أن جلد الإنسان يحملُ ما بين عشرين إلى مائة مليار جرثومة، تبعا لعناية الإنسان بنظافته الشخصية , أما فمُ الإنسان فقد عرف العلماءُ ثلاثمائة نوعٍ من الجراثيم فيه , ولا يُمكن لأحدٍ معرفة عددها مهما أوتي من علمٍ ومعرفةٍ , وكلُ غرامٍ من اللويحة على السن فيه 250 مليار جرثومة...وما شابه ذلك في الأنف , وهذه الجراثيمُ في تكاثرٍ مستمرٍ, ولهذا لابد من محاولة إزالتها أولا بأول, حتى يتجنب الإنسانُ أذاها وآثارها السلبية، ولهذا كانت تعليماتُ الرسول- صلى الله عليه وسلم- كثيرة ومركــزة وفاعلة لتحض على نظافة الجسد كاملا كقوله " حق لله على كُل مُسْلمٍ أنْ يغْتسل فــــي كُـــلسبْعة أيامٍ، يغْسلُ رأْسهُ وجسدهُ:" (مسلم ) ويقول ايضا "",إذا جاء أحدُكُمْ إلى الْجُمُعة فلْيغْتسلْ "" مسلم. هذا عدى عن ديمومة الوضوء من غسل لليدين والمضمضة....الخ , وقوله صلى الله عليه وسلم "إذا توضأ أحدُكُمْ فلْيسْتنْشقْ بمنْخريْه منْ الْماء ثُم لينْثُرْ " (أحمد)
وكما هو معلوم بأن من القواعد المتبعة لمنع العدوى من المصاب إلى السليم، قاعدةُ العزل الصحي(لا يُوردُ مُمْرض على مُصحٍ ) (متفق عليه)ومن مجتمعٍ مصابٍ إلى آخر سليم، بقاعدة الحجر الصحي, (إن هذا الْوجع أوْ السقم رجْز عُذب به بعْضُ الأُمم قبْلكُمْ ثُم بقي بعْدُ بالأرْض فيذْهبُ الْمرة ويأْتي الأُخْرى فمنْ سمع به بأرْضٍ فلا يقْدمن عليْه ومنْ وقع بأرْضٍ وهُو بها فلا يُخْرجنهُ الْفرارُ منْهُ. (مسلم). وهذه ألاحاديث الواضحة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تشكل الأساس السليم والمتبع حتى هذا اليوم ، رغم أنها جاءت قبل قرونٍ من الزمان .
وأما نظافةُ البيئة التي أشغلت العالم اليوم ونظافة وسائل نقل الأوبئة ، من ماءٍ وهواءٍ وطعامٍ ، فقد سبق إليها الإسلامُ من خلال أحاديثٍ عديدةٍ وردت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كقوله "" اتقُوا الْملاعن الثلاث. قيل: ما الْملاعنُ الثلاث يا رسُول الله؟ قال: أنْ يقْعُد أحدُكُمْ في ظلٍ يُسْتظلُ فيه أوْ في طريقٍ أوْ في نقْع ماءٍ "" ( أحمد ) وقوله في نفس المعنى "" اتقُوا الْملاعن الثلاثة: الْبُراز في الْموارد، وقارعة الطريق، والظل "" ( ابو داوود) وهذا يعني ان اي انسان سيكون ملعونا يقع عليه من الاثم والسيئات ما لايعلم به الا الله, اذا كان سببا في تلويث موارد المياه والطريق والظل بالبراز وماشابه, لان هذا علميا وصحيا يعني تلويثها بمليارات الجراثيم الممرضه وغيرها, وهذه امثله على ما يشترك الناس في استعماله, اي ممتلكات عامه , ملعون من فرط بها ولم يحافظ عليها وعلى نظافتها , ومثل ذلك المدرسه والجامعه والمستشفى والجامعه والحديقة العامه....الخ .
وقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا واضحا ,فيه اوامر صحيه جليه , سهلة التطبيق عظيمة الفائده اذا طبقت ,تجعل السلطات الصحية في يقظة دائمه , ليلا ونهارا,لتقطع الطريق على اي جرثومة تحاول التسلل الى طعامنا او شرابنا او هوائنا,حيث يقول"" غطُوا الإنـاء وأوْكُـوا السقاء، فإن في السنة ليْلة ينْزلُ فيها وبـاء، لا يمُرُ بإنـاءٍ ليْس عليْه غطـاء أوْ سقـاءٍ ليْس عليْه وكـاء، إلا نزل فيه منْ ذلك الْوبـاء"" (مسلم)
وأما مشكلةُ الإيــــــدز و الأمراض المنقولة جنسيا , التي عبرت الحدود وتخطت كل السدود, رغم جهود الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية , ورغم أن العالم يُنفقُ عليها سنويا أكثر من مائةٍ وخمسين مليار دولار, إلا أن مئات الملايين من الإصابات الجديدةٍ لازالت تحدث سنويا , كنتيجة لخروج الناس عن الفطرة, وانغماسهم بالإنحلال ومستنقعات الرذيلة من زنا وشُذوذ .
ولهذا فلن يستطيع العالمُ القضاء على هذه الأوبئة المستفحلة, إلا إذا عاد إلى أوامر الرسول- صلى الله عليه وسلم- واجتناب الفاحشة بكل أشكالها كما ورد في أحاديث الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم-.حيث يقول " كيْف أنتُمْ إذا وقعتْ فيْكُمْ خمْس؟ وأعوذُ بالله أنْ تكون فيكُمْ أو تُدْركُوهُن , ما ظهرتْ الفاحشةُ في قوْمٍ قطُ ، يُعْملُ بها فيهمْ علانية ، إلا ظهر فيْهمْ الطاْعُوْنُ (الوباء) والأوْجاعُ التي لمْ تكُنْ فيْ أسْلافهمْ "" (الحاكم) ويقول ايضا "" إذا استحلتْ أمتيْ خمْسا فعليْهمْ الدمارُ ، إذا ظهر التلاعُنُ ، وشربُوا الخُمُوْر، ولبسُوا الحريْر، واتخذُوا القينات، واكْتفى الرجالُ بالرجال والنساءُ بالنساء "" (البيهقي)
مما سبق وغيره الكثير نجدُ أن العلم الحديث يكشفُ لنا كل يومٍ إعجازا جديدا تنطوي عليه أحاديثُ الرسول- صلى الله عليه وسلم- التي فُهم منها حين ذُكرت على قدر ما كانت تسمحُ به حدودُ المعرفة البشرية في حينه ، وأما الآن فقد ساعدنا العلمُ الصحيحُ على فهم أبعادٍ جديدةٍ معجزة لهذه الأحاديث, أخبرنا عنها رسولُنا الكريم لكنا لم نُدركها إلا حديثا ، ولهذا فإن العلم يدعـــو حقا إلى الإيمان, فلا نملكُ إلا أن نزداد يقينا وتعلقا برسولنا الكريم عليه افضل الصلاة والسلام .