لازالت خدمة الجيل الثالث تثير الكثير من الجدل، باعتبارها تكنولوجيا جديدة حرّرت الانترنت من الزمان والمكان، وباتت في متناول الجميع بما فيهم الأطفال، ما دعا المختصين إلى التحذير من تغير جذري في سلوكيات وذهنيات أطفالنا، الذين باتوا يميلون أكثر إلى "التحرر" من الرقابة الأبوية، وبات العالم الافتراضي يستهويهم ويستحوذ على جل أوقاتهم، ما أثر سلبا في مستواهم الدراسي، وتسبب في غرق الطفل في العلاقات الافتراضية المشبوهة، والمواقع الإباحية التي بات الولوج إليها سهلا، ما قد يتسبب في تجريد الأطفال من الضوابط والقيم الأخلاقية.
أكد العديد من الأساتذة ومديري المؤسسات التربوية وجمعيات أولياء التلاميذ لـ"الشروق" تراجع المستوى الدراسي لعدد كبير من التلاميذ بسبب إدمانهم على الإنترنت، بعد حصولهم على هواتف ذكية ولوحات إلكترونية كهدية من أوليائهم أو أحد أقربائهم، حيث سجلت الفدرالية الوطنية لأولياء التلاميذ تراجعا ملموسا لمعدلات التلاميذ خلال الفصل الثاني من السنة الدراسية مقارنة بالفصل الأول، ما دعاها إلى مراسلة وزارة التربية للتحقيق في الأمر.
وقد أكد خالد أحمد رئيس الفدرالية أن الكثير من الأساتذة أرجعوا تراجع المستوى الدراسي للتلاميذ إلى الإدمان المتزايد على الانترنت، وتساهل الأولياء في توفير الهواتف الذكية واللوحات التكنولوجية لأطفالهم، "حيث يقضي الأطفال أوقات طويلة في الألعاب الإلكترونية الجماعية وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، تفوق الأوقات التي يقضونها في الدراسة والمراجعة".
وفي هذا الإطار أكد رئيس جمعية التلاميذ لابتدائية أبو حيان التوحيدي بالمدنية السيد كريم عمراني لـ"الشروق" أن الكثير من الأولياء تلقوا استدعاءات عاجلة بعد ظهور نتائج الفصل الثاني بسبب التراجع الكبير في معدلات أبنائهم التي نزلت بأربع درجات "وأرجع بعض الأولياء سبب تراجع مستوى أطفالهم إلى إدمانهم على الانترنت، وتعدّد علاقاتهم الافتراضية ما ساهم في تشتت أفكارهم واهتمامهم باللعب والدردشة الالكترونية أكثر من الدراسة".
الهاتف الذكي خارج القانون
من جانبه، أكد رئيس جمعية حماية المستهلكين الدكتور مصطفى زبدي للشروق أن القانون الجزائري يمنع الأطفال من امتلاك شريحة هاتف، "حيث يلزم المتعاملون الثلاثة للهاتف النقال في الجزائر الزبائن بضرورة إمضاء عقد مرفق ببطاقة التعريف الوطني من أجل اقتناء شريحة، وهذا ما يجعل الأطفال الأقل من 16 سنة والذين لا يملكون بطاقة التعريف الوطني غير قادرين على اقتناء شريحة، ما يجعل أغلب الأولياء يمنحون لأطفالهم شرائحَ إلكترونية خاصة بالجيل الثالث تسجل بأسمائهم، وهذا ما جعل بعض الأولياء يقعون ضحية متابعات قضائية، بعد الاستعمال الخاطئ والسلبي للهاتف النقال من طرف أطفالهم".
وأضاف زبدي أن أهم ميزة جاءت بها تقنية الجيل الثالث، هي التحرر من الرقابة "حيث يمكن للطفل استعمال الهاتف والولوج إلى مختلف المواقع الإباحية والمشبوهة وحتى الإرهابية دون رقابة، ما يجعل الأطفال أمام كمّ هائل من الصور والفيديوهات الإباحية، وكمّ كبير من العلاقات التي قد تتجاوز حدود الجزائر، ما يجعلهم ضحية استغلال وتهديد"، ودعا المتحدث الأولياء إلى ضرورة ترشيد أطفالهم للاستعمال العقلاني للانترنت، التي يجب أن تكون في جهاز ثابت يكون مراقبا وعلى مرأى من الأولياء.
علاقات مشبوهة ومساومات للأطفال
من جهته، أكد رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام" البروفسور مصطفى خياطي أن تقنية الجيل الثالث مكّنت الأطفال من إقامة عدد كبير من العلاقات الافتراضية التي تتطور مع مرور الوقت لتتحوّل إلى مساومات واستغلال، وأضاف أن الهاتف الذكي هو قنبلة تكنولوجية قد تنفجر على صاحبها إذا لم يُحسن استعمالها، خاصة إذا كان المستعمِل طفلاً لم يبلغ مرحلة النضج، وأضاف أن الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث قامت بدراسة على عدد من الأطفال المستعمِلين لتقنية الجيل الثالث، واكتشفت أن بعض الأطفال المنتحرين كانوا مدمنين على الانترنت وتعرّضوا إلى مساومات جنسية وإغراءات بالمال ما دفع بهم إلى الانتحار تجنبا للفضيحة.
ودعا خياطي إلى ضرورة إرشاد استعمال التكنولوجيا الحديثة التي تعتبر سيفا ذا حدين، وقال إن الخطير في الأمر أن الأطفال باتوا يتقنون هذه التكنولوجيا أحسن من أوليائهم، ما يجعل الأولياء في مهمة صعبة لمراقبة أطفالهم.
حجب المواقع الإباحية
قال يونس قرار مختص في تكنولوجيا الاتصالات، إنه من الخطأ أن نخلق صراعا بين التكنولوجيا والأطفال، مؤكدا أن هذا الأمر سيتسبب في ازدياد الإقبال على المواقع المشبوهة تحت شعار "كل ممنوع مرغوب فيه"، وأكد أن الحل يكمن في تمكين الأطفال من التكنولوجيا المتمثلة في تطبيقات الجيل الثالث مع إرشادهم وضبط المواقع التي يمكنهم الولوج إليها، ودعا المتحدث متعاملي الهاتف النقال إلى ضرورة الاقتداء بالمبادرة التي قامت بها مؤسسة اتصالات الجزائر، التي مكنت الأولياء من نظام أطلقت عليه اسم "أمان" والذي مكّن الأولياء ضبط المواقع التي يمكن للأطفال تصفحها.
وقال يونس قرار إن مسؤولية كبيرة تنتظر المتعاملين في حماية الأطفال من الولوج للمواقع الإباحية تتطلب منهم الإسراع في استحداث تطبيقات تقيد استعمال الانترنت.