من بعيدالعربي الحيران.. في زمن "شحاته" و"سعدان"2010.06.26
خالد عمر بن ققه
بخروج الفريق الجزائري من المونديال في جنوب افريقيا، انتهت صلتي بكأس العالم، فمتابعتي كانت وستبقى مرتبطة بتواجد العرب والمسلمين في هذه الملهاة العالمية، التي حلّت بديلا عن القيم الكبيرة للإنسانية، وهي تحتاج اليوم إلى تدفق المشاعر ورشد العقل لتتمكن من السمو مرة أخرى... غير أنه قبل كتابة مقالات أخرى بعيدة الصلة عن تلك التي شغلت الناس في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، أود البجث عن سبل الخروج من الحيرة التي يعيشها الإنسان العربي الذي يعيش اليوم، شاء أم أبى في زمن حسن شحاته ورابح سعدان، وهو بالطبع زمن قصير إذا ما قورن بأزمنة الطرب والنهب والفساد.
لقد بدت لي تلك الحيرة واضحة في نهاية المباراة بين الفريقين الجزائري والأمريكي، التي تابعتها من خلال شاشة عرض كبيرة في شركة أدنوك للتوزيع في أبوظبي، وكان الحاضرون من جنسيات مختلفة أغلبها عربية مناصرين للفريق الجزائري، غير أنني فوجئت من أحد المشجّعين العرب يرفع صوته بالتكبير حين سجل الفريق الأمريكي هدفا، واستغربت من التكبير، وليس من التشجيع للفريق الأمريكي على حساب فريق عربي، لأن هذا حق مشروع مادمنا قد اخترنا أن نشارك العالم في وثنيّته الجديدة ونجعل معه إلهنا هوانا.
سألته: لم التكبير وأنت تعرف أن الجزائر دولة مسلمة، فما كان جوابه لي إلا أن قال: أمريكا أيضا فيها مسلمون.. لم أعقّب، ولكني عدت بذاكرتي إلى عشرين سنة خلت، حين اجتمع كثير من جيوش العرب والمسلمين ليقولوا مع قوات التحالف الغربية بقيادة أمريكا "الله أكبر"، وهم يدّمرون العراق بحجة تحرير الكويت، مثلما قالوها قبل تسع سنوات وهم يقتلون المسلمين الأفغان بحجّة واهية هي محاربة القاعدة وطالبان، وفي نفس السياق كبّروا منذ سبع سنين وهم يشاهدون العراق تحترق تحت القصف الغربي بحجة داحضة هي إسقاط نظام صدام حسين، وادخلوا العراق في فتنة لا نعلم متى يخرج منها، وقالوها ايضا وهم يشككون في جدوى حرب المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل وكرّروها بعد الحرب الهمجيّة على غزة وخلال حصارها.
الإنسان العربي في حيرة ويبحث عن منتصر ينتمي إليه حتى لو كان الشيطان، وساء قرينا، وتلك على ما أرى حال عامة في حياتنا المعاصرة، ولذلك لا نعجب إذا ما طالب هذا الإنسان المدربين الرياضيين بتحقيق انتصار في المعارك والحروب والمواقع الدولية، وقد عجز العرب ـ حكاما وشعوبا ـ عن فك الحصار عن غزة فرفع اللاعب المصري "محمد بوتريكه" اسمها على قميصه في بطولة كأس افريقيا، تماما مثلما رفع أنصار الفريق الجزائري علم فلسطين في جنوب افريقيا، والحالتان تمثلان رد فعل واع على الأنظمة.
من ناحية أخرى فإنه في الوقت الذي يرحب فيه القادة العرب بلقاء زعماء العدو الإسرائيلي، جهرا وسرا، رفض المدرب حسن شحاته أن يدرّب الفريق الإسرائيلي أو يلعب معه الفريق المصري بقيادته، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال (..لن أواجههم، وأرفض أن يحضروا إلى القاهرة أو نذهب إليهم)، ليس هذا فقط، بل إنه يفضل الانسحاب على اجراء أي مقابلة مع فريق العدو سواء أكانت ودية، أو فرضتها التصفيات القارية او الدولية حتى لو اضطر إلى ترك منصبه، ولو جاء ذلك بطلب من الرئيس المصري، وأرجع السبب في ذلك لأمرين: الأول: لأن له أخا شقيقا استشهد على أيدي الإسرائيليين، ولأن كل بيت مصري قدّم شهيدا في تلك الحروب، والثاني: معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما يرفض زيارة الأراضي الفلسطينية إذا كان ذلك سيتم بإذن من سلطة الاحتلال.. جاء هذا في حوار طويل مع قناة بي بي سي العربية أجرته معه في مارس الماضي.
وفي نفس السياق جاء موقف سعدان الأيام الماضية، فقبل مقابلة الجزائر وانجلترا الأخيرة، ومن أجل رفع الروح المعنوية للفريق، جعله يشاهد فيلم معركة الجزائرـ مصادر تتحدث عن أن الذي قام بذاك هو قائد الفريق عنتر يحيى ـ هذا في الوقت الذي يتهرب فيه المسؤولون الجزائريون، بما فيهم الذين ادعوا المشاركة في حرب التحرير، من الإتيان على ذكر التاريخ الإجرامي لفرنسا، بل إن بعضهم يبتغي عندها العزة، فهل الأفضلية له أم لـ(سعدان) الذي أثّر في اللاعبين ودفعهم إلى تحقيق نتائج إيجابية في الميدان؟!
عمليا، ليس من مهام حسن شحاته في مصر ولا رابح سعدان في الجزائر تحقيق بطولات وانتصارات لشعبيهما أو لأمتهما خارج مجالهما الرياضي، وهما يعرفان جيدا مجال حركتهما، ومع هذا عملا جاهدين خلال السنوات الماضية على إخراج الشعبين المصري والجزائري من التّيه السياسي وضيقه، إلى الرشد الرياضي وسعته.
لقد كانت أهدافهما ـ شحاته وسعدان ـ واضحة، ومهما كانت الأخطاء التي ارتكباها فهي لا تساوي شيئا أمام أخطاء السياسيين، لذا وجب الشكر لهما على ما قدّما، فقد تحملا عبء الشعبين في طل تراجع الوطنية واتساع مساحة الفساد وخيبة أصحاب القرار في البلدين وهجوم وغيرة أهل الحرفة الواحدة..
لقد بث سعدان وشحاتة، كل بطريقته ونتائجه، شعور الفرح والتعلق بالمستقبل لجهة تحقيق نصر مؤز في عالم الكبار، ومن أجل ذلك قادا معارك كبرى، وانتصرا فيها، وتمكنا من تسليم المشعل للأجيال الجديدة، ولم يكن الحاضر زمانهما، لأنهما اختارا الاستعانة بالماضي ليجعلا من الحاضر مفخرة، وهل رفعت لنا راية بقوة الفعل على المستوى القاري أو العالمي بدونهما؟! صحيح أن نجاحهما حلّق بنا بعيدا فاعتقدنا أنّنا على مقربة من صنع الأحداث الكبرى، لكن المسؤولية لا تقع عليهما، إذ كيف لأمة أن تنهض كرويا وهي عاجزة في المجالات الأخرى، لكن يكفينا إجابتهما على حيرة الإنسان العربي، من خلال واقع عملي مفاده: أن الإنسان العربي قادر على مستوى الفرد والجماعة من تحقيق نتيجة إيجابية، وعلى الآخرين في مواقعهم الإقتداء لتنهض الأمة.