كيف يرى كلاً منا الآخر

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في داخل كل بشري هناك مجموعة من المرايا، وكل مرآة لها خصائص تختلف في شكلها ومضمونها عن مثيلاتها، بعض المرايا مظلمة لا تريك إلا الظلال، وبعضها مهشم لا يريك إلا أنصاف الحقائق، وبعضها كالماء تعكس صورة ولا تلبث تلك الصورة كثيراً حتى تختل وتختلف معالمها بحسب الأحجار التي تسقط في الماء الذي تحتويه تلك المرآة.

ارتكبت خطأ في يوم ما ورأيتني أنت وحكمت علي بأنني شخص سيئ، واستمر حكمك ذاك علي دهراً من الزمن، وكلما سألك أحدهم عني قلت له هذا أسوأ الناس، لكني من يوم الخطأ بدأت أتغير وأحدثت تغييراً كبيراً في حياتي، فتح الله بابه لي في حين أغلقت أنت بابك على وهم زرعت بذرته ورويته حتى أصبح عملاقاً، أنت لن تتقبل التغيير الذي حدث لي وستحاربه بشتى الطرق، أنا تغيرت لكن أنت بقيت كما أنت، أنا فتح الله لي بابه، وأنت لا تزال تراني الشخص المخطئ المذنب الذي لا مكان له في المجتمع.

خاصمت فلاناً من الناس واختلفت معه فأصبح يقول عني أسوأ القصص، وفي حين كان هو يقول عني أسوأ القصص .. كنت أنا أتطور يوماً بعد يوم، كان النور الإلهي يتدفق إلى عيني في حين أن الظلمة سكنت قلبه هو وسكنت داخله، فلم يعد يستطيع أن يرى أنني تغيرت وأنني تطورت.

فتاة ارتكبت غلطة ما، وفي حين أن الأقرباء بدؤوا يهاجمونها كان باب ربها لها مفتوحاً، تغيرت وتابت وأنابت لكن الناس بقوا يقولون عنها أسوأ الأمور في حين أنها مع ربها أفضل حالاً.

شاب دخل السجن وخرج منه وأصبحت قصة دخوله السجن ترتحل بين الأفواه، في أثناء ذلك أراد ربه به خيراً وفتح له بابه، تطور الشاب وتغير حاله، ولكن بقي الذين ينظرون له بعين الجهل على حالهم.

ربما تراني في مرآتك أسوأ الناس ولكني في حقيقة الأمر من أفضلهم لكن مرآتك لا تدرك ذلك، تراني بمرآة مهشّمة لذلك أنت لن تعرفني أبداً، أنت فقط متشبث بقصة عني أصبحت من الماضي، لكنك لا تعرف مضموني ولا ترى جوهري، ظلمك يعمي بصيرتك، وجهلك يتصدرك ويتقدمك، أنت تحكم علي بحكم تستحقه أنت، فقط غيّر المرآة وستراني على حقيقتي..

تراني مذنباً وربك يراني تائباً والتائب كمن لا ذنب له .. تراني شريراً وربك ذو الرحمة يراني رحيماً .. تراني مجرماً وربك يراني مجتهداً في طريق النور واتباع سبل الرشاد .. تراني ضالاً وربك يراني مهتدياً .. تراني فاسقاً وربك يراني مؤمناً صادقاً أميناً.

يا ترى أنت تراني أم ترى نفسك، مرآتك مرآة حق أم هي مغمورة بالوحل، لا تقيّم أحداً بمرآة مهشّمة أو مرآة سوداء يملأها الوحل.

إن الإنسان الذي يعيش بفطرة لا يملك مرآة لكنه في الحقيقة يملك قلباً رحيماً عطوفاً، لذلك هو يرى الخير في كل إنسان ويطلب من الله الهداية لكل إنسان ولا يعيب في الناس شيئاً ولا يحب القال والقيل.

أخبرني بالله عليك، هل لا تزال بعدُ تحتفظ بمرآتك تلك، اقرأ ما كتبته بعناية فكل كلمة هي مقياس نفسي لحالة نفسية عندك أو عند غيرك من الناس، تخلص من المرايا، وأعطِ قلبك فرصة ليظهر للآخرين فطرتك .. لا تصم فقط في رمضان ولكن صم الدهر كله عن تقييم الآخرين وذكرهم بما لا يليق، صمِ الدهر كله عن أكل لحوم البشر. يتطور البشر كل يوم، فطوِّر رأيك وتقييمك لهم بشكل يومي، كن إنساناً مدركاً أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فكيف تستطيع أنت كبشري أن تدرك التغيير في الإنسان.

» اليوم الآخر
» من ثمرات اليقين باليوم الآخر
» التسامح مع الآخر ... في حياة وسلوك شيخ الإسلام ابن تيمية