ردود فعل القوات الاستعمارية على انتفاضة 20 أوت 1955م:
كان رد الفعل طبيعيا لأنه من سلوكات المستعمرين الفرنسيين منذ وطئت أقدامهم أرض الجزائر الطاهرة فكما تعاملوا مع الشعب الجزائري منذ بداية الاحتلال كمجموعات مشاغبة بسياسة الأمن الاستعماري وهو القتل والطرد الجماعي للسكان، والزج بالعلماء في السجون أو نفيهم خارج الوطن وهي سياسة تقليدية معروفة، فإن سلوكهم في سكيكدة أشبه ما قامت به في قالمة وخراطة وسطيف في شهر ماي 1945م.
كان رد فعل القوات الاستعمارية العسكرية والمدنية في مستوى الوحشية التي عرف بها الفرنسيون في بلادنا، فلم يجد الاستعماريون من وسيلة لرد الكرامة عند الصدمة الأولى للمجاهدين والمسبلين والمتطوعين سوى القتل الجماعي المتعمد لكل جزائري يعثر عليه دون تمييز بين الرجال والنساء والشيوخ والأطفال كما عبرت جريدة لوموند يوم 31 أوت 1955م(8).
خرب العدو مشتة الزفزاف كاملة بسكانها (5000 نسمة) وقتل الحيوانات وطبق سياسة الأرض المحروقة والعقوبات الجماعية بشكل فضيع، كما صادف رسو سفينة بميناء سكيكدة قادمة من فرنسا وعلى متنها عدد كبير من الجزائريين من شرق البلاد فوقعوا في قبضة العدو وراحوا ضحية عنجهيته وجبنه ووحشيته فكانوا ضحايا الغدر والقمع المسلط عليهم من فرنسا حقوق الإنسان والعدالة والحرية.
أما أكبر انتقام قام به العدو في سكيكدة لوحدها فهو جمع ما يزيد عن ألف وخمس مائة من الأبرياء في الملعب البلدي، ثم قتلهم ودفنهم جماعيا في خنادق حفرت بواسطة جرافة كانت محفوظة إلى عهد قريب كشاهد على جرائم فرنسا المتحضرة التي يطالبنا أبناء دفعة لاكوست طي هذه الصفحة، كما قام العدو بأعمال انتقامية في كل المشاتي والقرى والمدن وزج بآلاف الجزائريين في السجون والمحتشدات، وبدأت آلة التعذيب التي قادها بسكيكدة المجرم بول أوساريس شخصيا كما اعترف بذلك في مذكراته حيث عذب المجاهدين في سكيكدة ثم بعد ذلك كلف بمهمة تعذيب المجاهد البطل محمد العربي بن مهيدي رحمة الله عليه واعترف بأنه يقف وراء قتله(9).
نتائج انتفاضة 20 أوت 1955م:
زُلزل المؤمنون زلزالا عظيما بتعبير رب العالمين في انتفاضة 20 أوت 1955م، وكان شعارهم حي "على الجهاد"، "الله أكبر"، "تحيا الجزائر"، يتشح كل مجاهد بالراية الوطنية التي تسجل في هذا اليوم المبارك ما عرفته أول مرة من دماء طاهرة زكية في شهر ماي الحزين من عام 1945م(10).
وكانت نتائج هذه الانتفاضة كبيرة على مسار الثورة وتتمثل في النقاط الآتية:
- فك الحصار المضروب على المنطقة الأولى أوراس النمامشة وتوزيع القوات الاستعمارية على منطقة أخرى ذات كثافة سكانية عالية في المشاتي والقرى والمدن مما أربك القوات الاستعمارية، فأدى بها جنون القوة إلى استدعاء قوات الاحتياط، التي شكلت أزمة كبيرة بين المجندين وذويهم من خلال مظاهراتهم في محطة مون بارناس بباريس وغيرها.
- تشجيع المناطق الأخرى للوطن على الحركة والعمل المسلح لأن الثورة اختيار لا رجعة فيه مهما كانت أحلام الانهزاميين والخونة وأتباع الإدارة العامة من رجال السياسة.
- تلقي الشعب في الأرياف والمدن لأصداء الانتفاضة بالفخار والزهو وانضمام الآلاف من الشباب المتحمس للثورة فكانوا الوقود والسواعد المفتولة التي سجلت على جبناء الفرق العسكرية الاستعمارية مدى جبنهم ورعبهم وهم يجابهون المجاهدين في الجبال والسهول.
- تحقيق أهداف اجتماع "الزمان" وتحقيق أبعاد سياسة مهندس الانتفاضة الشهيد البطل زيغود يوسف رحمة الله عليه.
- انهيار معنويات القتلة من أمثال بول أوساريس و"كروفو" رئيس بلدية سكيكدة، و"ديبلي" رئيس بلدية رمضان جمال وغيرهم من المجرمين والقتلة.
- تحقيق الطابع الجماهيري للثورة والقضاء على أسطورة الأشهر الثلاثة التي ستقضي فيها قوات الاستعمار على قطاع الطرق، والفلاقة.
- كانت انتفاضة 20 أوت 1955م قد قضت نهائيا على الحلول العرجاء، وقضت على الانتخابات المزمع قيامها.
- تأكد وحدة المصير والكفاح المشترك بين دول المغرب العربي.
- قيام تضامن كبير مع الشعب والثورة الجزائرية في النوادي السياسية والفكرية في العراق ومصر وسوريا والأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية.
- كانت انتفاضة 20 أوت 1955م ملحمة ثورية شكلت انعطافًا كبيرًا في مصير الثورة وهي من الملاحم الكبيرة في تاريخ الجزائر خلال القرن الماضي بحلوه ومره، ويكفي مهندس الانتفاضة فخرًا أنه بعد سنة كاملة وفي 20 أوت 1956م عقد مؤتمر الصومام وهي تحية خاصة للثورة عامة بكل الجزائر، وتحية خاصة للمنطقة الثانية بالشمال القسنطيني، كما رسمت الدولة الجزائرية في يوم 16 أفريل 1965م يوم 20 أوت كيوم وطني للمجاهد، فرحم الله شهداء الجزائر، وأسكنهم فسيح جنانه.
- لقد أيقن الرأي العام العالمي أن ما يجري في الجزائر ليس مشكلة داخلية فرنسية بموجب قرار الإلحاق لعام 1834م بل هو ثورة تحرر وانعتاق من دولة استعمارية بشعة لم يعرف التاريخ لها مثيلا، مهما زيف الإعلام الغربي عامة والفرنسي خاصة التاريخ المجيد للثورة الجزائرية المباركة التي نالت إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء لأنها جاءت لتحرر فرنسا نفسها من الفكر الاستعماري الذي تبنته الآلة العسكرية من خلال علماء الأنثربولوجيا ورجال المدرسة التاريخية ورؤساء المكاتب العربية عامة، إن هذا الشعب له القدرة على الثورة والانعتاق من العبودية المفروضة عليه منذ قرن وربع، وأن الثورة منظمة تنظيمًا دقيقًا لا مجال فيه للعشوائية التي ميزت ثورات القرن التاسع عشر(10).
الهوامش
(1)-كانت حدود المنطقة الأولى(أوراس النمامشة) إلى غاية بداية تنظيم الولايات الجديد الذي ظهر في مؤتمر الصومام 20 أوت 1956م. هي جبال الأوراس، جبال النمامشة، جبال تبسة، جبال الحضنة، الهضاب العليا، سوق أهراس، بني صالح، طريق قالمة وعين أعبيد، سطيف، برج بوعريريج، وتمتد حتى الحدود الشرقية نحو تونس وليبيا).
(2)- تكبد العدو في معارك الجديدة والدبيلة والوادي خسائر كبيرة قدرها المشاركون في الهجوم بحوالي 600 من جنود وعملاء العدو وهذه الملحمة هيأت الأجواء في الصحراء الشرقية والمنطقة الأولى لهجومات 20 أوت 1955م.د.إبراهيم مياسي، أوت 1955: وادي سوف في خضم الملحمة(مجلة المصادر) الثاني، الجزائر 1420هـ/1999م.ص:120.
(3)-انظر: مصطفى بن بولعيد والثورة الجزائرية(1374هـ/1954) إنتاج جمعية أول نوفمبر، باتنة 1420هـ/1999م.ص:32.
(4)- موسى تواتي،رابح عواد، هجوم 20 أوت 55، قسنطينة ،الجزائر، دار البعث، 1992م.ص:16.
(5)- مذكرات الرئيس علي كافي(من المناضل السياسي إلى القائد العسكري 1946-1962)، الجزائر، دار القصبة للنشر، 1999م.ص:80 وما بعدها.
(6)- موسى تواتي،رابح عواد، هجوم 20 أوت 55،ص:26وما بعدها.
(7)- مذكرات الرئيس علي كافي(من المناضل السياسي إلى القائد العسكري 1946-1962)،ص:84.
(8)- موسى تواتي،رابح عواد، هجوم 20 أوت 55،ص:63.
Général Aussaresses, Services spéciaux, Algérie 1955-1957 (mon (9)-témoignage sur la torture) Paris, Perrin, Mai 2001, PP:151-171.
د.محمد الأمين بلغيث، موقف المثقفين الفرنسيين من التعذيب والسجون والمحتشدات أثناء الثورة الجزائرية(مجلة المصادر)، العدد الخامس ، الجزائر صيف 2001م.ص:192 وما بعدها.
(10)-د.محمد الأمين بلغيث، تاريخ الجزائر المعاصر(دراسات ووثائق، وثائق جديدة وصور نادرة تنشر لأول مرة، الجزائر، بيروت، دار البلاغ للنشر والتوزيع، دار ابن كثير، 1422ـ/2001م.ص:184.