قرأتُ على صفحات جريدة الشرق الأوسط [ خضراء الدمن ] وخضراء الدمن النبتة الجميلة في منبت السوء يعني نبته يبهرك جمالها ويلفتك تناسقها وألوانها لكنها نبتة إمتلأت بالقاذورات والعفن فكيف ستكون حال هذه النبتة ! وقد تطلق على المرأة يفتنك جمالها ويأسرك تضاريس جسدها ولكن سيئة السيرة خبيثة السريرة , مظهرها راقي وجوهرها خاقي ( رجاء لا تضعوني في مأزق بسؤالكم عن كلمة خاقي فلا أعلم معناها لأنه وبكل بساطه قد جمعت أحرفاً فخلطت بعضها ببعض فكانت خاقي هكذا تمت ولادتها ! كما فعل الوزير الصاحب ابن عباد عندما وقف خطيباً فقال : يا قاضي قم [ وقم المدينة الإيرانية المعروفة ] فأطرق قليلاً يريد أن يأتي بسجعه لأنه يغار من جعفر البرمكي الذي كانت له توقيعات أخاذة, جمل قصيرة المبنى عميقة المعنى , قال الوزير : يا قاضي قم , فوقف كما وقف حمار الشيخ في العقبة فلم يجد ما يسدد به سجعته إلا أن قال [ قد عزلناك فقم ] فعندما يُسأل القاضي فيما عزلت يقول : في سجعه !! )
وهكذا هي جريدة الشرق الأوسخ ..
قرأت خبراً يقول : [ أكد استطلاع للرأي أجرته جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة أن الأميركيين يعارضون بأغلبية ساحقة التدخل العسكري في سوريا أو تزويد الثوار بالسلاح...] ا.هـ
قد لا يعلم كثير من القراء أن هذا الرأي ليس رأي الأمريكان أقصد شريحة من المجتمع !!
رأي من إذن ؟ يتسائل أحدهم وعلامة التعجب قد أخذت موقعها على وجهه !!!!!!
هل كان هذا رأي كفار قريش !! وجيّرتها هذه الجريدة إلى الأمريكان تجاوباً مع نداء القلب !! لا . لا ..... هذا الرأي هو التوجّه السياسي للدولة !
أرجو أن لا ينبري عليّ أحد قائلاً [ تريد أن تقنعنا أن الولايات الأميركية تزوّر في الاستطلاع وصناديق الاقتراع وتسوق الجماهير بالعصا الغليظة لفرض توجّهها ]
لا شك أن رجل الشارع الأميركي صوّت بكامل إرادته ومطلق حريته وباقتناع تام ..ولكن هذا الاقتناع كان يسوقه إليه سوقاً رجل السياسة ليس بالعصا الغليظة لكن بجرعة إعلامية ضخمة , وبالطبع لا تؤخذ هذه الجرعة الكبيرة عن طريق الوريد أو في العضل ولكن تحقن من طريق السمع والبصر وتسري مواد هذه الحقنة المركزة المصنوعة في المطبخ السياسي إلى مركز العمليات (الدماغ ) لتشكل رأياًّ !!
يذهب رجل الشارع الأميركي إلى حيث تقبع صناديق الاقتراع أو مراكز استطلاعات الرأي وقد سبقه صدرُه ُبخطوة , منتشياً فرحاً ظناً منه أنه يساهم في صنع القرار التاريخي !!
ولا يدري هذا المُضَللْ أن الآلة الدعاية الإعلامية الجبارة قد فعلة فعلها في مركز القرار لديه بما يشبه السحر! إنها أدارت إبرة بوصلة عقله في اتجاه إرادة صانع القرار فنقاد إليها قانعاً مختاراً!
وصناعة الدعاية بدأت في عهد الرئيس ويلسون حينما انتخب رئيساً للولايات المتحدة عام 1916م تحت شعار ( سلام دون انتصار ) ومن خلال هذا الشعار يتضح المزاج العام لدى المجتمع الأميركي إنه يميل إلى الهدوء ينحاز إلى السلام يطلب الدعة والسكينة ولكن هذه النزعة المجتمعية لا تناسب صانع القرار فإدارة ويلسون قد التزمت بخوض الحرب مع الحلفاء [الحرب العالمية الأولى] ضد الألمان ولا بد أن تتخذ إجراءات تدفع الشعب الأمريكي في اتجاه تبني قرار الحرب ! فكانت [كريل] وهي لجنة دعاية حكومية , نجحت الدعاية في غضون ستة أشهر كما عند نعوم أن تقلب الشعب من نزعته إلى الهدوء واللاعنف إلى شعب هستيري يتاجر بالحروب ويروج لها ! ينادي إلى التدخل الفوري لإنقاذ العالم من الإرهاب الألماني بل يدعو إلى تمزيق كل ألماني وتقطيعه إرباً إرباً ! وكانت من الأساليب المتبعة ضمن أجندت الدعاية عرض صور الأطفال البلجيكيين وقد قطعت أطرافهم من خلاف وفقئت أعينهم وجدعت أنوفهم وهلم جرى من مثل هذه المناظر المروعة التي لم تكن حقيقيةً إنما كانت مختلقة من قبل جهاز الدعاية البريطاني كما ذكرت بعض الوثائق السرية !!
سواءً حقيقةً أم مفتعلة فقد أثمرت بالنتيجة المرجوة قرار الحرب !
ولا تعتقد أيها القارئ الكريم أن الإعلام والدعاية قد حُصرت في نشرة أخبار أو صحف سيارة أو مجلة دورية ..لا . لا بل هوليوود العملاقة التي تصنف الأولى في تصدير الأفلام في العالم هي من تقود عملية توجيه العقل الأمريكي , رغم أن بوليوود الهندية تنتج أفلاماً أكثر من هوليوود في كل عام !! وكقاعدة عامة يمكنك معرفة اتجاهات الرأي عند أصحاب القرار الأميركي بمتابعة السينما الأمريكية - ولا أنصح متابعتها ولكن معرفة ذلك عن طريق التقارير و معرفة الافلام الاولى على شباك التذاكر - وسنتعرف على ذلك من خلال مرحلة مفصلية في التاريخ الحديث , الحادثة السبتمبريه الشهيرة الحادثة التي قسمت العالم إلى فسطاطين الحادثة التي ارتطمت فيهما الطائرتان بمبنى التجارة العالمي فسقط البرجان على رؤوسنا نحن , و لا ندري هل هي مفتعلة أم أن القاعدة استطاعت اختراق الأجهزة الأمنية الغربية الضخمة !!! قبل 11 سبتمبر كانت كل الأفلام الأمريكية التي تتحدث عن فيتنام تتحدث عنه من منطلق الإدانة لتلك الحرب ، بعد 11 سبتمبر أصبحت الأفلام تتحدث عن الفخر بتلك الحرب أو على اقل تقدير الافتخار بالجندي الأمريكي الذي شارك في تلك الحرب ، وهذا بدا واضحا من خلال فيلم [ كنا الجنود ] الذي مثله ميل جيبسون وهو من أشهر ممثليهم ففي هذا الفيلم ولأول مرة تقريبا عرض الأمريكيون تلك الحرب على أنها كانت حربا عادلة وأن الفيتناميين قتلوا وأبادوا كتيبة فرنسية فجاء الأمريكيون لرفع الظلم !! ثم جرى الفيلم في كل فصوله ليبرز شجاعة الجندي الأمريكي ومدى صبره وتحمله للأهوال , هذا كله بالطبع ليدفعوا بالدعم وتوجيه العقل الأمريكي لمساندة بوش في حربه ضد المسلمين وأن حربهم هذه عادلة ولرفع الظلم !! قبل 11 سبتمبر كانت معظم أفلامهم التي تتحدث عن أعمال fbi و cia تتحدث عن خيانة داخلية دائما و بعد 11 سبتمبر لا تجد إلا مخلصين جدا يموتون في سبيل أمريكا !!! ولم تقتصر الدعاية الإعلامية الضخمة في توجيه العقل الأميركي على قرار الحرب والسلم بل لعبت دوراً هاماً ليس في التوجيه بل في غرس ثقافة الاستهلاك في عمق الثقافة الاجتماعية الأمريكية لتثقل جيوب الرأسماليين بالعملة الصعبة !![التنافس مع آل جونز ] هذا المسلسل الشعبي الذي عُرض على التلفاز الأميركي في عدة حلقات حقق انتصاراً ساحقاً على كثير من المسلسلات ذوات العدد منحه أحقية تصدر الواجهة لثمان وثلاثين سنة متتالية , وكان يهدف هذا المسلسل على غرس التنافس المحموم على الشراء , غرس هستيرية التسوق عند الناس , غرس حمى المنافسة على التسوق وقد نجح المسلسل في غرس هذه المعاني في وجدان الفرد الأميركي فأصبحت تسري بين جلده وعظمه !! ولكي نتعرف على أثر هذا المسلسل في عمق ثقافة الأمريكية نستشهد بأول خطاب وجهه الرئيس الأميركي بوش الصغير إلى شعبة بعد [غزوة نيويورك] -كما يحلو للبعض تسميتها – عندما انكفأ الفرد الأميركي على نفسه وانخفضت معدلات التسوق بشكل كبير , خرج لهم بقوله عودوا إلى حياتكم الطبيعية , ولم يجد ما يمثل به على الحياة الطبيعية إلا بقول : [ عودوا للتسوق ] !! بل أن التسوق قد احتل المرتبة الرابعة من قائمة الوصايا العشر هذه الوصايا التي تشكل الإطار المعرفي العام للفرد الأمريكي , وقيل إذا أردت أن يُعجب بك شخص أمريكي فأقنعه أنك متسوق ناجح , التنافس مع آل جونز هو من أحدثت أثراً عميقاً في جسد الثقافة الاجتماعية الأميركية ...
إنها مكينة الدعاية الإعلامية العملاقة ..