طبيعة النظام السياسي في الدستور الامريكي ..
أتى الدستور الامريكي الصادر 1787م بعد استقلال الولايات المتحدة عن انجلترا بنظام فريد وجديد يختلف في الاسس التي قام عليها كل من النظام البرلماني – ونظام الجمعية النيابية، أذ جعل الدستور الامريكي من ان رئيس الجمهورية يأتي الى السلطة عن طريق الانتخاب غير المباشر، لمدة اربعة اعوام قابلة للتجديد، وليس بواسطة الهيئة النيابية، لكي يتساوى مع الكونغرس في انتخابهما من الشعب.
وتتألف الولايات المتحدة الامريكية من واحد وخمسين ولاية. وقد نظم الدستور الامريكي في التعديل العاشر منه الاختصاصات بين الحكومة المركزية الاتحادية وحكومات الولايات بأسلوب حصر الاختصاص للحكومة المركزية وترك الباقي الى الولايات المتحدة، الا ماتم منعه صراحة. ولقد اصبح للحكومة المركزية الفدرالية التي لها كيان قانوني على نطاق دولي الحق في اعلان الحرب والسلم وحق التمثيل السياسي، وكذلك عقد المعاهدات. وقد نص الدستور الامريكي في المادة الثانية من الفصل الثاني، بأن الرئيس له الاختصاص مستعيناً بمشورة مجلس الشيوخ وموافقته في ان يعقد معاهدات شرط ان يوافق عليها ثلثا مجلس الشيوخ الحاضرين. وله الحق في ان يرشح ويعين سفراء ووزراء عموميين وقناصل بالأضافة الى الاختصاص المتعلق بالحكومة المركزية، في كل المسائل الداخلية التي تخص الشعب في الاتحاد الفيدرالي، اما الشؤون ذات الطابع المحلي الصرف فقد اوكلت لدستور الولاية، وسلطاتها المحلية.
ويتكون النظام الفيدرالي من ثلاث هيئات هي:
-1البرلمان الفيدرالي
-2رئاسة الدولة الاتحادية
-3القضاء، والقضاء الفيدرالي
ويتكون البرلمان الفيدرالي من مجلسين، مجلس النواب الذي يمثل مجموع الشعب في الدولة الفيدرالية، ومجلس الشيوخ، ويمثل الولايات المتحدة بصورة متساوية. وهذا ما نصت عليه المادة الاولى من الفقرة الثانية من الدستور الامريكي بقولها... يتكون مجلس النواب من اعضاء منتخبين من قبل الشعب في الولاية المعنية. ونص في الفقرة الثالثة من المادة الاولى، بأن يتكون مجلس الشيوخ الامريكي من شيخين عن كل ولاية ويكون لكل شيخ صوت واحد.
ويتولى البرلمان في النظام الفيدرالي الاتحادي العمل التشريعي وفقاً لنص المادة الاولى من الفقرة السابعة (بأن جميع مشروعات القوانين المالية تصدر من مجلس النواب ولكن لمجلس الشيوخ الحق في اقتراح ادخال التعديلات على سائر مشروعات القوانين).
اما رئاسة الدولة الاتحادية – فقد خول الدستور الفيدرالي – الهيئة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية – ويتم ذلك بالانتخابات عن طريق تعيين كل ولاية ووفق دستورها عدد الناخبين يعادل مجموع عدد الشيوخ والنواب الذين يحق للولاية ان يمثلوها في الكونغرس. وللرئيس دور رئيسي في العمل التشريعي، حيث له الحق في الاعتراض على القوانين التي يقرها البرلمان الاتحادي. وفي هذه الحالة لاينفذ المشروع المعترض عليه الا اذا أقره البرلمان مرة ثانية وبأغلبية ثلثي الاعضاء.
ويحق للرئيس اقتراح القوانين بصورة مباشرة عن طريق توجيه الرسائل الى الهيئة التشريعية او بصورة غير مباشرة، وذلك عن طريق أحد مؤيديه من اعضاء المجلسين. وللرئيس في الولايات المتحدة الامريكية الحق في رسم السياسة العامة وتعيين المساعدين والمستشارين وهم مسؤولون امامه عن اداء اعمالهم. ولامجال هنا للقول بمسؤولية الوزراء أمام البرلمان، نظراً لأختلاف النظام الاتحادي الرئاسي، عن نظام الاتحاد البرلماني. ويمكن ايضاح مدى قوة السلطات المعطاة للرئيس في ظل هذا النظام بطبيعة الدور الذي يلعبه في رسم السياسات العامة للبلاد واعطائه المرونة الكبيرة في صنع القرارات الهامة التي يرتكز عليها هذا النظام. ويقول الدكتور محمد كامل ليلة في كتابه – النظام السياسي مصدر سابق ص411 “ان مايعرف به النظام الرئاسي انه نظام ترجح فيه كفة الرئيس”.
اما الهيئة الثالثة التي يتكون منها الاتحاد فهي القضاء، ويقصد به – القضاء الاتحادي اي المحاكم التي تنشؤها الحكومة المركزية. وهي بخلاف محاكم الولايات التي تتولى القضاء الخاص بالولايات ذاتها، والتي ينتخب اعضاؤها من قبل شعب الولايات المتحدة.
وتمتلك المحكمة الاتحادية حق الفصل في المنازعات المتعلقة بالدستور والقوانين الاتحادية والمعاهدات المبرمة، وكذلك الخلافات التي تنشأ بين الولايات من جانب، وبين الولايات والمواطنين من ولايات مختلفة من جانب آخر. وتمتلك المحكمة الاتحادية سلطة اعلان عدم دستورية القوانين الاتحادية، وتحكم على مدى صحة الاجراءات التي يتخذها الرئيس او حكومة اي ولاية. وتكون الى جانب المحكمة الفيدرالية محاكم خاصة بكل ولاية تفصل في المنازعات بين الافراد داخل الولاية نفسها.
والسلطة القضائية في الولايات المتحدة الامريكية تتمتع بأستقلال تام عن السلطتين الأخيرتين. ويظهر ذلك الاستقلال من حيث طريقة اختيار القضاة. فقد نص الدستور على انتخاب القضاة بواسطة الشعب مباشرة دون تدخل اي من السلطتين التشريعية أو التنفيذية. وحيث يوجد “حكم القانون” أو “حكومة القانون” فتتولى المحاكم حماية الحقوق الشخصية. أضف الى هذه المهمة مراقبة دستورية القوانين الصادرة عن المجالس التشريعية، ومنع السلطة من التعدي على اختصاصات السلطة الأخرى.
وقد استطاع القضاء الامريكي ان يحافظ على هيبته ووقاره وظل دائماً موضع الاحترام والتقدير والاجلال.
وللمحكمة العليا في النظام الامريكي أهمية خاصة نظراً لتركيبها واختصاصاتها، فهي تنظر في جميع القضايا الخاصة والعامة وحتى الادارية، وتتمتع بصلاحيات واسعة، اذ انها لاتكتفي بدراسة المسائل القانونية في القضايا المرفوعة اليها، انما لها حق النظر في الوقائع المادية خلاف ماهو معمول به في البلاد التي توجد فيها محكمة نقض او ابرام أو تمييز، ويعود لها فقط النظر في الوقائع القانونية.
ولايستطيع البرلمان الامريكي ان يعدل نظام المحكمة العليا، الا بعد اتباع الطريقة الخاصة بتعديل الدستور الاتحادي. وقد ترتب على ذلك كله أن وصف بعض الفقهاء المحكمة العليا هذه بأنها هيئة سياسية وأنها بمثابة مجلس سياسي ثالث يقوم الى جانب مجلس الشيوخ والنواب.
وتتألف المحكمة العليا من رئيس المحكمة “Chief Justice” والذي يعتبر ثاني شخصية بعد رئيس الولايات المتحدة الامريكية، ومن ثمانية اعضاء “Associate Justice” يعينهم الرئيس بموافقة مجلس الشيوخ لمدى الحياة. وقد يرفض مجلس الشيوخ بعض التعيينات وخاصة اذا كانت الاكثرية لاتنتمي الى الحزب الذي ينتمي اليه الرئيس. ويتم اختيار القضاة في المحكمة العليا بدقة متناهية، لكونهم يمارسون وظائفهم بحرية مطلقة، من جهة، ولأنهم غير قابلين للعزل، الا اذا حوكموا بأجراءات خاصة يطلق عليها “The Impeachment” وبأغلبية ثلثي اعضاء مجلس الشيوخ بناء على اتهام اعضاء مجلس النواب.
والدور الرئيسي للمحكمة هو مراقبة دستورية القوانين، ومراقبة تصرفات السلطة التنفيذية.
ان اعادة النظر القانونية بأعمال الكونغرس تشير الى سلطة المحكمة بتقدير قانونية القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية ومطابقتها للدستور، وهذا مااعتبره القاضي “هولمس Holmes” حينما قال “لاأعتقد بأن الولايات المتحدة الامريكية ستشرف على النهاية اذا فقدنا قدرتنا على اعلان بطلان عمل الكونغرس. هذه القدرة قد تتقلص في المسائل السياسية غير انه وفي اغلب الاحيان تلجأ المحكمة الى اتباع التفسير الواسع لسلطتها مما يخولها حق تقرير المسائل السياسية.
ويعزو الفقهاء والمفكرون اسباب نجاح النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الامريكية الى ماتمتاز به تلك البلاد من وجود احزاب سياسية متماسكة ومنظمة، ووجود رأي عام قوي وفعال، وجمهور من المواطنين بلغ من الثقافة السياسية درجة عليا، بالأضافة الى مجموعة القوانين السليمة.
ان كل هذه الامور تتحد وتتفاعل وتعتبر الاساس المتين الذي تقوم عليه الاوضاع الدستورية في الولايات المتحدة الامريكية، وهذا الاساس كفيل بأستمرار الديمقراطية وتدعيم بنيانها.
ومع ذلك فقد ذكر بعض الفقهاء ان هذا النظام الرئاسي ذاته بخصائصه واركانه عندما انتقل الى دول امريكا الجنوبية اسفر تطبيقه هناك عن نتائج عكسية، وأتضح في العمل أنه أداة تمهد لتغليب السلطة الشخصية الفردية وهي سلطة الرئيس على غيرها.