|
السياسة النقدية، الماهية، الدور ومدى فاعليتها في تحقيق أهدافها
ماهية السياسة النقدية وأهدافها:
تعتبر السياسات النقدية من أهم السياسات الاقتصادية التي تعنى بتحقيق الاستقرار الاقتصادي و التوازن الاقتصادي العام، و نأخذ فيما يلي بعض المفاهيم المتعلقة بالسياسة النقدية:
•يقصد بالسياسة النقدية تنظيم كمية النقد المتوفرة في المجتمع بغرض تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية المتمثلة في تحقيق التنمية الاقتصادية و القضاء على البطالة و تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات و المحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار .
•و يعرفها George Pariente على أنها مجموع التدابير المتخذة من قبل السلطات النقدية قصد إحداث أثر على الاقتصاد، و من أجل ضمان استقرار أسعار الصرف .
•و هي حسب فوزي القيسي: التدخل (المباشر) المعتمد من طرف السلطة النقدية بهدف التأثير على الفعاليات الاقتصادية، عن طريق تغيير عرض النقود و توجيه الائتمان استخدام وسائل الرقابة على النشاط الائتماني للبنوك التجارية .
و بالتالي فالسياسة النقدية تعني قيام السلطات النقدية بالتأثير على الفعاليات الاقتصادية عن طريق تغيير عرض النقود بشكل يوائم و يلائم احتياجات النشاط الاقتصادي.
أهداف السياسة النقدية:
تختلف أهداف السياسة النقدية بين الدول المتقدمة و الدول النامية و حسب درجة التقدم الاقتصادي و الاجتماعي و النظم الاقتصادية السائدة و احتياجات و أهداف المجتمعات. ففي الدول الصناعية هناك اتجاه متزايد نحو عدم التوسع في الأهداف و الاقتصار على هدف واحد للسياسة النقدية يتمثل في استقرار الأسعار، أي استهداف التضخم، و العكس فالدول النامية تعلق عليها العديد من الأهداف، وعموما يمكن التفريق بين الأهداف النهائية و الوسيطة.
الأهداف النهائية للسياسة النقدية :
من الجدير بالذكر أن هذه الأهداف ليست محل اتفاق من حيث عددها، ذلك أن التشريعات النقدية تتباين من حيث التوسع و التصنيف في هذه الأهداف، و نذكر منها:
•الاستقرار النقدي: يعتبر هدف تحقيق الاستقرار النقدي من أهم أهداف السياسة النقدية حيث يؤدي عدم الاستقرار النقدي، سواء في شكل تضخم أو انكماش إلى أضرار بالغة في الاقتصاد الوطني.
فيؤدي التضخم إلى إعادة توزيع الدخل و الثروة الوطنيين لصالح المدنيين و المنظمين و رجال الأعمال على حساب الدائنين وأصحاب الدخول الثابتة.
أما الانكماش فيؤدي إلى إعادة توزيع الثروة و الدخل الوطنيين لصالح الدائنين وأصحاب المرتبات و الدخول الثابتة على حساب طبقة المنظمين و رجال الأعمال.
ولقد اختارت معظم الدول الصناعية أهدافا للتضخم ما بين 1% و 3% بالنظر لما تشكله معدلات التضخم المرتفعة من آثار سلبية على النمو وارتفاع تكاليف الرفاهية، وإن التركيز على خفض التضخم واستقرار الأسعار هو نتيجة للآثار السلبية التي يتركها التضخم على الاقتصاد ( كتشويه المعطيات الاقتصادية و تشجيع المضاربة...). وإن إعطاء الأولوية للتضخم أو الاقتصار عليه في مجال السياسة النقدية في الدول المتقدمة يتم في إطار مناخ اقتصادي يتسم بارتفاع درجة استقلالية البنوك المركزية، و تتمتع اقتصادياتها بأنظمة صرف مرنة، ونظام إعلامي ملائم.
•التوظف الكامل.
•التوازن في ميزان المدفوعات: من بين الأدوات المستخدمة لعلاج اختلال ميزان المدفوعات هي تغير إتباع سياسة نقدية انكماشية و العمل على تخفيض المعروض النقدي، و يتم ذلك برفع سعر الخصم أو دخول عمليات السوق المفتوحة... يحدث هذا أثرا إيجابيا على ميزان المدفوعات من عدة نواحي:
-تخفيض مستوى الأسعار مما سينعكس ايجابيا على الصادرات.
-تخفيض القوة الشرائية و السيولة في الدولة فتنخفض الواردات.
-رفع سعر الفائدة على الأوراق المالية يجذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدولة مما يساعد على تخفيض العجز.
أما بالنسبة لأثر تغيير سعر الصرف على ميزان المدفوعات في حالة وجود عجز فتلجأ الدولة إلى تخفيض قيمة عملتها الخارجية أي رفع سعر الصرف الأجنبي و هذا يجعل السلع المستوردة أغلى بالنسبة للمستهلك المحلي و السلع المصدرة أرخص للمستهلك الأجنبي مما يؤدي إلى زيادة الصادرات و تقليل الواردات.
و يرى البعض أن السياسة النقدية تحقق نجاحا هاما في حالة إتباع سياسة تقويم سعر الصرف بينما تكون السياسة المالية أكثر فعالية في حالة إتباع سياسة ثبات سعر الصرف، و ذلك في ظل المفهوم التقليدي للاقتصاد المفتوح الذي يفترض تمام إحلال رؤوس الأموال و الاستخدام الكامل لها مع إهمال أثر التوقعات و تثبيت أسعار السلع و الخدمات.
•تحقيق النمو الاقتصادي: يعتبر من أهم أهداف السياسات الاقتصادية، و قد بدأ الاهتمام بدور السياسة النقدية في تحقيق النمو الاقتصادي و ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كان الاهتمام قبل ذلك على هدف تحقيق العمالة الكاملة، و دور السياسة النقدية هو تحقيق معدل مرتفع للادخار و التأثير على معدل الاستثمار من خلال التوسع الائتماني، حتى يمكنها الوصول إلى مرحلة الانطلاق التي تضع اقتصادياتها على طريق النمو الذاتي السريع.
و يمكن استخدام السياسة النقدية في رفع مستوى النمو الاقتصادي عن طريق تخفيض معدلات الفائدة مما يشجع المستثمرين على زيادة استثماراتهم و بالتالي توظيف عمالة أكثر و زيادة الدخول في النهاية رفع مستوى المعيشة و النمو، و حتى يكون هناك سير سليم للاقتصاد فإن ذلك يتوقف على قدرة الدائرة النقدية على الوفاء باحتياجات الدائرة العينية.
•استيعاب الصدمات الناتجة عن التقلبات الاقتصادية: تتميز الاقتصاديات في عمومها بتقلبات اقتصادية ذات طابع دوري، قسمها جوقلار إلى أربعة مراحل: التوسع، الانكماش، التطهير، العودة إلى الانطلاق، و تؤثر مثل هذه التقلبات على اقتصاديات الدول، خاصة مرحلة الانكماش التي تؤثر على الأداء الاقتصادي و معدلات التوظيف وهنا يمكن للسياسة النقدية أداء دور مهم في تخفيف الآثار السلبية لهذه التقلبات بانتهاج سياسة توسعية ائتمانية في أوقات الانكماش، وسياسة ائتمانية تقييدية في ذروة الرواج و التي عادة ما يصاحبها معدلات نضخم مرتفعة.
الأهداف الوسيطة للسياسة النقدية :
تحاول السلطات النقدية لتحقيق الأهداف النهائية من خلال التأثير على متغيرات وسيطة، لعدم قدرة هذه السلطات التأثير مباشرة، مثلا على الناتج المحلي الخام ومكوناته، و لهذا تحاول التأثير على متغيرات تؤثر على الناتج المحلي الخام.
و تعبر الأهداف الوسيطة عن تلك المتغيرات النقدية التي يمكن عن طريق مراقبتها و إدارتها الوصول إلى تحقيق بعض أو كل الأهداف النهائية. و يشترط في الأهداف الوسيطة أن تستجيب لما يلي:
•وجود علاقة مستقرة بينها و بين الهدف أو الأهداف النهائية.
•إمكانية مراقبتها بما للسلطات النقدية من أدوات.
و تتمثل هذه الأهداف في:
أ.المجتمعات النقدية:
هي عبارة عن مؤشرات إحصائية لكمية النقود المتداولة و تعكس قدرة الأعوان الماليين المقيمين على الإنفاق، بمعنى أنها تضم وسائل الدفع لدى هؤلاء الأعوان، و يرتبط عدد هذه المجتمعات بطبيعة الاقتصاد و درجة تطور الصناعات المصرفية و المنتجات المالية، و تعطي هذه المجتمعات معلومات للسلطات النقدية عن وتيرة نمو مختلف السيولات ، و يهدف المسح النقدي إلى المساعدة على تحليل المتغيرات النقدية الكلية التي تتأثر بتدخلات السلطات النقدية.
ب.معدلات الفائدة:
تسعى السلطة النقدية أحيانا إلى اتخاذ الوصول إلى معدل فائدة حقيقي هدفا وسيطا للسياسة النقدية، إلا أن هذا الهدف يطرح مشاكل عديدة من بينها طبيعة العلاقة بين معدلات الفائدة طويلة أو قصيرة المدى و النقود.
و المشكل في اعتماد سعر الفائدة كهدف وسيط للسياسة النقدية، هو أن أسعار الفائدة تتضمن عنصر التوقعات التضخمية و هو ما يعقد دلالة أسعار الفائدة الحقيقية، مما يفقدها أهميتها كمؤشر، كما أن المتغيرات في سعر الفائدة لا يعكس في الواقع نتائج جهود السياسة النقدية وحدها، و إنما أيضا عوامل السوق(الوضعية التي يمر بها الاقتصاد).
إن التوجه لاستخدام معدل الفائدة كهدف وسيط للسياسة النقدية قد أثار موجة من الانتقادات، خاصة من الاقتصاديين النقديين، و كانت حجتهم في ذلك أن اتجاه المتغير في معدل الفائدة يتماشى مع اتجاه التغير في الدورة
التجارية، وهذا يعني أن معدل الفائدة يميل إلى الارتفاع في أوقات الرواج الاقتصادي، في حين أنه يميل إلى الانخفاض في أوقات الكساد، و بالتالي فإنه من الصعب على البنك المركزي أن يحدد بدقة الآثار المترتبة على سياسته النقدية، من خلال مراقبة معدلات الفائدة لوحدها .
ج.سعر الصرف:
يستخدم كهدف للسلطة النقدية ذلك أن انخفاض أسعار الصرف يعمل على تحسين وضعية ميزان المدفوعات، كما أن استقرار هذا المعدل يشكل ضمانا لاستقرار وضعية البلاد تجاه الخارج، و لهذا تعمل بعض الدول على ربط عملاتها بعملات قوية قابلة للتحويل، و الحرص على استقرار صرف عملتها مقابل تلك العملات، إلا أن التقلبات التي تحدث في سوق الصرف تكون نتيجة المضاربة الشديدة على العملات، مما يؤدي إلى عدم القدرة و السيطرة و التحكم في هذا الهدف. و تدفع تقلبات أسعار صرف العملات بالسلطات النقدية إلى التدخل و التأثير عليه واستعمال ما لديها من احتياطات محاولة منها المحافظة على قيمة عملتها تجاه العملات التي ترتبط بها، دون ضمان نجاح ،وهذه تكلفة مقابل اختيار هدف استقرار سعر الصرف.
وهناك 4 قنوات لإبلاغ أهداف السياسة النقدية، هي:
•قناة سعر الفائدة.
•قناة سعر الصرف.
•قناة أسعار السندات المالية.
•قناة الائتمان.
أما بالنسبة لأهداف السياسة النقدية في الدول النامية، فإنه يعتريها الكثير من الغموض و الضبابية، ليس من ناحية التحديد، ولكن من جانب إمكانية التحقيق، فنجد أن هاته الدول تعلق على السياسة النقدية تحقيق أكثر من هدف، كتشجيع النمو الاقتصادي المصحوب بالعمالة، و تحقيق الاستقرار النقدي بمحاربة التضخم، و ضمان قابلية الصرف، و المحافظة على قيمة العملة، و إيجاد سوق مالي و نقدي متطور .
* أدوات السياسة النقدية
لتحقيق الأهداف المسطرة للسياسة النقدية يستخدم البنك المركزي بصفته المسئول عن تسيير و تنظيم الكتلة النقدية مجموعة من الأدوات و الوسائل بحسب الحالات التي تواجه الاقتصاد من تضخم أو انكماش، و استخدام هذه الأدوات يتباين من اقتصاد لآخر، و حسب الأهداف المحددة و القطاعات المستهدفة.
و تشمل أدوات السياسة النقدية نوعين من الوسائل، مباشرة أو تلقائية و تستهدف أنواعا محددة من الائتمان موجهة لقطاعات معينة أو لأغراض محددة. و غير مباشرة و تستهدف الحجم الكلي للائتمان المتاح دون محاولة التأثير على تخصيصه بين مختلف الاستعمالات، و يمكن تحديدها فيما يلي :
1.أدوات كمية: تهدف بصفة أساسية إلى التأثير في حجم الائتمان المصرفي دون الاهتمام بأوجه الاستخدام التي يوجه إليها هذا الائتمان، و يلاحظ أن هذه الأدوات تحدث أثرها عن طريق التأثير على حجم الأرصدة النقدية لدى البنوك التجارية و من تم على قدرتها على فتح الائتمان و خلق الودائع.
2.أدوات كيفية: و تهدف أساسا إلى التأثير على نوع الائتمان أي على الكيفية التي يستخدم لها و ليس على حجم الائتمان الكلي وذلك عن طريق التمييز بين الأنواع المختلفة من القروض من حيث سعر الفائدة و سهولة الحصول على القروض وقفا لأوجه الاستخدام المختلفة التي يوجه إليها.
و يمكن أن نحددها من تصنيف آخر كما يلي:
أ.الأدوات المباشرة للسياسة النقدية:
تستخدم هذه الأدوات قصد التأثير على حجم الائتمان الموجه لقطاع أو لقطاعات ما و تعمل على الحد من حرية ممارسة المؤسسات المالية لبعض الأنشطة كما و نوعا، من أهمها:
•تأطير الائتمان: وهو إجراء تنظيمي تقوم بموجبه السلطات النقدية يتحدد سقوف لتطور القروض الممنوحة من قبل البنوك التجارية بكيفية إدارية مباشرة وفق نسب محددة خلال العام، واعتماد هذا الأسلوب ينبع من سعي السلطات النقدية إلى التأثير على توزيع القروض في اتجاه القطاعات المعتبرة أكثر حيوية بالنسبة للتنمية، أو التي تتطلب موارد مالية كبيرة.
ولكن استخدام هذه الأداة قد يقود إلى تشوهات قطاعية و ذلك ما دفع إلى الاستغناء عنها في كثير من الدول.
•النسبة الدنيا للسيولة: و يقتضي هذا الأسلوب أن يقوم البنك المركزي بإجبار البنوك التجارية على الاحتفاظ بنسبة دنيا يتم تحديدها عن طريق بعض الأصول منسوبة إلى بعض مكونات الخصوم. وهذا حتى لا تفرط البنوك التجارية في الإقراض.
•الودائع المشروطة من أجل الاستيراد: و يستخدم هذا الأسلوب لدفع المستوردين إلى إيداع المبلغ اللازم لتسديد ثمن الواردات في صورة ودائع لدى البنك المركزي لمدة محددة، ومن شأن ذلك، التقليل من حجم القروض الممكن توجيهها إلى الاقتصاد، و يؤدي بدوره إلى رفع تكلفة الواردات.
•قيام البنك المركزي ببعض العمليات المصرفية: حيث تستخدم البنوك هذا الأسلوب في البلدان التي تكون فيها أدوات السياسة النقدية محدودة الأثر، حيث تقوم البنوك المركزية بمنافسة البنوك التجارية بأدائها لبعض الأعمال المصرفية كتقديمها القروض لبعض القطاعات الأساسية في الاقتصاد.
•التأثير و الإقناع الأدبي: و هي وسيلة تستخدمها البنوك المركزية بطلبها بطرق ودية و غير رسمية من البنوك التجارية تنفيذ سياسة معينة في مجال منح الائتمان و يعتمد نجاح هذا الأسلوب على كبيعة العلاقة القائمة بين البنوك التجارية و البنك المركزي.
إن اعتماد الأسلوب المباشر للسياسة النقدية و الرقابة على الائتمان ما فتئ التخلي عنه يتزايد من سنة إلى أخرى خاصة في العشريتين الأخيرتين من القرن العشرين لصالح الأساليب غير المباشرة سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية، وذلك لعدة أسباب أهمها:
-تعمل الأساليب المباشرة على خفض المنافسة المصرفية بين البنوك التجارية نتيجة الإفراط في تحديد نشاطها من خلال السقوف و المؤثرات الواجب احترامها، و هذا من شأنه معاقبة البنوك التي تتسم بالحيوية و الفعالية.
-تعمل هذه الأساليب على الأضرار بالمؤسسات الصغيرة و المتوسطة أكثر من الشركات الكبرى، كون هذه الأخيرة بإمكانها القيام بإقراض السيولة الزائدة لديها إلى مؤسسات أخرى بفوائد أعلى.
-تؤدي هذه الأساليب إلى بروز مشاكل إدارية نتيجة التمييز بين القطاعات.
-انعدام الضمانات الكفيلة بكون التسهيلات الائتمانية المقدمة لبعض القطاعات سوف تستخدم للأغراض المحددة لها.
-يؤدي استخدام هذه الأساليب إلى عدم الكفاءة في تخصيص الموارد نتيجة التمييز غير العقلاني بين القطاعات.
ب.الأدوات غير المباشرة للسياسة النقدية:
تعتمد هذه الأدوات على استخدام السوق للتعديل النقدي بهدف التأثير على عرض و طلب النقد، و يسمح هذا الأسلوب لقوى السوق أن تعمل على تخصيص القروض، و من أهم هذه الأدوات غير المباشرة ما يلي:
ب.1.عمليات السوق المفتوحة:
تعني هذه السياسة دخول البنك المركزي للسوق النقدية و المالية من أجل تخفيض أو زيادة حجم الكتلة النقدية عن طريق بيع أو شراء الأوراق المالية، و تعتبر هذه الوسيلة الأكثر شيوعا واستخداما خاصة في الدول المتقدمة، فقد اعتبرها فريدمان من أكثر الأدوات نجاعة و فعالية في التأثير على المعروض النقدي، و من ثم حجم الائتمان الذي تمنحه البنوك، فهي أداة غير تضخمية، إلا أنه يقر أن استعمال هذه الأداة غير كاف ما لم تصحب بأدوات أخرى خاصة تلك الأدوات المتعلقة بالسياسة المالية، و إن تتمتع الدول بأسواق نقدية و مالية متطورة و منظمة .
و تسمح هذه العملية للسلطات النقدية بتوجيه تطور أسعار الفائدة في الاتجاه الذي يبدو لهم أكثر ملائمة. ويؤدي استخدام هذه الأداة إلى تغيير حجم النقد المتداول و يؤثر على قدرة البنوك التجارية على خلق الائتمان .
ففي حالة معاناة الاقتصاد من ظاهرة التضخم يتدخل البنك المركزي عارضا ما بحوزته من أوراق مالية للبيع ومن تم يقوم بامتصاص الفائض من الكتلة النقدية فيتقلص حجم السيولة و تنخفض مقدرة البنوك التجارية على التوسع في منح الائتمان، و إذا كان الاقتصاد يعاني من ظاهرة الانكماش يتدخل البنك المركزي لتشجيع الائتمان و توفير السيولة اللازمة للأداء الاقتصادي، و ذلك بشراء الأوراق المالية.
و لكن استخدام عمليات السوق المفتوحة تتعرض لبعض المشاكل منها :
-المسألة الأولى: تتعلق بمدى قدرة البنك المركزي على تسويق السندات في الأسواق المالية: و دخول البنك المركزي إلى الأسواق المالية عارضا بيع السندات يمثل أحد أساليب السياسة النقدية الانكماشية و التي تهدف إلى تخفيض السيولة النقدية لدى الجهاز المصرفي، و بالتالي تخفيض الكمية المعروضة من النقود، و السؤال هنا هو لو امتنع الجمهور و منشآت الأعمال و المصاف عن شراء هذه السندات؟.
فاعتبار الأسواق المالية (السوق النقدية) هي نهاية تفاعل قوى العرض و الطلب لتحديد الأسعار المناسبة التوازنية، وهنا قد يترتب على البنك المركزي تخفيض الثمن الذي يعرض به السندات إلى المستوى الذي تضمن تسويقها بالكامل، و عليه أن يتحمل النتائج المترتبة على هذه السياسة و المتمثلة بارتفاع معدل الفائدة، وما لها من أثر سلبي على الاستثمار.
-المسألة الثانية: تتعلق بالطريقة التي يتصرف بها البنك المركزي في الأرصدة النقدية المتراكمة لديه نتيجة بيع السندات في الأسواق المالية.
-المسألة الثالثة: تتعلق بضرورة تكرار عمليات السوق المفتوحة و ذلك لتحقيق الاستمرارية في مفعول السياسة النقدية الانكماشية.
-المسألة الرابعة: و تتعلق بالآثار السلبية المترتبة على التدخل في آلية السوق الحرة.
و يتوقف نجاح البنك المركزي في تحقيق أهدافه باستخدام هذه الأداة على ما يلي :
-مدى تطور سوق السندات الحكومية و أذون الخزانة.
-مدى تطور سوق الأوراق المالية و حجمها.
-مدى تنظيم و تطور الجهاز المصرفي.
ب.2.معدل الاحتياطي القانوني:
تقوم البنوك التجارية بالاحتفاظ بنسبة معينة من إجمالي ودائعها في شكل رصيد سائل لدى البنك المركزي، و يطلق على هذه النسبة اسم الاحتياطي القانوني أو الإجباري .
وتعتبر هذه الأداة ذات هدف مزدوج فهي من جهة أداة لحماية المودعين و تمكينهم من ضمان السحب عند الحاجة لودائعهم، و من جهة ثانية أداة للتأثير على قدرة البنوك التجارية في منح الائتمان.
ففي أوقات الكساد يمكن للبنك المركزي أن يخفض من نسبة الاحتياطي، مما يساعد على زيادة التسهيلات الائتمانية و تنشيط المعاملات و زيادة الطلب مما يؤدي إلى زيادة التشغيل و الدخل الوطني للمجتمع.
و في حالات التضخم يرفع البنك المركزي نسبة الاحتياطي النقدي للحد من قدرة البنوك التجارية على منح الائتمان و تؤدي إلى انخفاض الاستثمار و معدلات التوظيف و منه انخفاض الطلب و بالتالي انخفاض الأسعار.
و يلجأ أحيانا إلى التمييز بين معدلات الاحتياطي القانوني تبعا لأنواع الودائع، فتعرض معدلات مرتفعة على الودائع تحت الطلب، و معدلات منخفضة على الودائع لأجل، لأن الودائع لأجل تتميز بالاستقرار بالمقارنة مع الودائع تحت الطلب.
تستخدم هذه الأداة على نطاق واسع لأنها سهلة الإدارة نسبيا بالمقارنة بالأدوات الأخرى و تكون هذه الأداة أكثر فاعلية و نجاعة إذا كان وعاء الاحتياطات الإجبارية شاملا لجميع أنواع الودائع، و كذا افتراض عدم وجود تسرب نقدي (اكتناز) و عدم وجود طرق أخرى أمام البنوك التجارية للحصول على موارد نقدية خارج البنك المركزي، ومدى استجابة و مرونة القطاعات الإنتاجية لتلك التغيرات المطبقة من قبل السلطات النقدية .
و هناك مسائل مهمة تتعلق بهذه الأداة و هي :
•المسألة الأولى:
و تتعلق بمدى قدرة البنك المركزي على إدارة الأرصدة النقدية لدى البنوك التجارية، فمن الناحية العملية تعطينا الشواهد من تجارب البلدان المتقدمة الكثير من الأدلة على مدى ضعف البنوك المركزية في إدارة السياسة النقدية بالاعتماد على نسبة الاحتياطي النقدي، ففي بريطانيا مثلا، تستطيع البنوك التجارية بسهولة أن تتجاوز أزمة السيولة التي يثيرها رفع البنك المركزي لنسبة الاحتياطي النقدي، و ذلك عن طريق استعادة الأموال التي تقوم بافتراضها لبيوت الخصم و بذلك تستطيع بناء أرصدتها النقدية دون الحاجة إلى تخفيض التسهيلات الائتمانية التي تقدمها.
•المسألة الثانية:
تتعلق بكمية الأرصدة التي تحتفظ بها البنوك التجارية يوميا لدى أمانة الصندوق لديها، فمن المعروف أن نسبة غير قليلة (نحو 8 - 10% ) من الأرصدة النقدية لدى البنوك التجارية يتم الاحتفاظ بها و يتم تداولها يوميا بواسطة أمناء الصندوق. و يتم السحب من الأرصدة يوميا، و بالتالي فقياس حجم الأرصدة النقدية لدى هذه البنوك يتغير بالضرورة بحسب الوقت الذي تقوم فيه بعملية القياس، مما يجعل هذه الأرصدة عرضة للتغيير باستمرار، فمن شأن ذلك أن يجعل منها أداة غير دقيقة لتنفيذ السياسة النقدية.
•المسألة الثالثة:
و تتعلق بتوقع المصارف التجارية لمجريات التغير في السياسة النقدية، فإذا توقعت البنوك التجارية سياسة نقدية متشددة تقوم على أساس رفع نسبة الاحتياطي النقدي، فإن هذه البنوك تستطيع الحد من هذه السياسة و ذلك باحتفاظها بكميات إضافية و فائضة من الأرصدة النقدية، و بذلك فرفع نسبة الاحتياطي لن يكون لها تأثير يذكر على توازن البنوك التجارية.
إضافة إلى أن هناك العديد من الانتقادات، ومنها:
-يتأثر حجم الائتمان في الواقع بالطرق الاقتصادية و المالية، و لذا فإن أي تغيير في الاحتياطي القانوني لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير حجم الائتمان.
-قد تؤثر معدلات الاحتياطي القانوني على ربحية البنوك التجارية مما يؤدي إلى زيادة تكلفة الإقراض
-قد يؤثر معدل الاحتياطي القانوني على أسعار الأوراق المالية، خاصة السندات العمومية، فرفع هذا المعدي يؤثر على قدرة البنوك على الإقراض مما يجعلها تسعى إلى تعويض السيولة من خلال بيعها للمنشآت الموجودة لديها، مما يعمل على انخفاض أسعارها.
ب.3.معدل إعادة الخصم:
و هو عبارة عن سعر الفائدة الذي يتقاضاه البنك المركزي مقابل إعادة خصمه للأوراق التجارية للبنوك التجارية و الإقراض منه باعتباره الملاذ الأخير و تعتبر إعادة الخصم شكلا من أشكال إعادة التمويل التي يقوم بها البنك المركزي لتزويد البنوك التجارية بالسيولة .
و يعتبر إحدى الأدوات التي يستخدمها البنك المركزي للتأثير على كمية الائتمان نقصا و زيادة فإذا أراد البنك المركزي أن يحد من حجم الائتمان المصرفي لجأ إلى رفع سعر إعادة الخصم ،حيث يؤدي هذا إلى رفع سعر الفائدة الذي تقترض به البنوك التجارية، أما إذا قام البنك المركزي يخفض سعر إعادة الخصم فإنه بذلك يشجع البنوك التجارية بدورها إلى خفض سعر الخصم مما يشجع الأفراد مستهلكين كانوا أو مستثمرين على خصم أوراقهم التجارية و بالتالي يمكنهم من التوسع في عمليات البيع بالأجل.
و في حالات التضخم يرفع البنك معدل إعادة الخصم ليحد من قدرة البنوك على التوسع في الائتمان فترفع تكلفة الائتمان و من تم تكلفة التمويل، فيدفع ذلك المستثمرين إلى الامتناع عن الاقتراض و قد يلجئون إلى استثمار أموالهم في السوق المالية، و هكذا تخرج الأموال من فخ السيولة، فيتقلص حجم الكتلة النقدية و ينكمش.
و في حالة إتباع سياسة توسعية فإنه يقوم بخفض معدل إعادة الخصم حتى يمكن البنوك التجارية بخصم ما لديها من أوراق تجارية و التوسع في منح الائتمان.
و يشكك العديد من الاقتصاديين في مدى نجاعة و فعالية هذه الأداة في تحقيق الأهداف الانكماشية أو التوسعية، خاصة في ظل تنوع مصادر التمويل، والتخلي عن نظام قاعدة الذهب و حرية تدفق رؤوس الأموال من وإلى الدول، ومن تم لم تعد هذه الأداة سوى مؤشر أمام البنوك التجارية في اتجاه السلطات النقدية فيما يتعلق بسياسة الائتمان. إضافة إلى أن هناك بعض الاعتبارات و المشاكل العملية المترتبة على استخدام هذه الأداة للتأثير في العرض النقدي، منها :
•المسألة الأولى:
تتعلق بمدى فعالية معدل الخصم كأحد أدوات السياسة النقدية على المدى الطويل، فاعتبار معدل الخصم كسعر يتحدد في الأسواق لا يمكن تغييره بشكل دائم ما لم يكن هذا التغيير قد جاء نتيجة للتحولات في ظروف العرض و الطلب النقدي، و لذا فإن التغيير الذي يجريه البنك المركزي على معدل الخصم كأسلوب للتحكم في العرض النقدي، و لا يمكن أن يكون ذو فعالية على المدى الطويل إلا إذا رافق ذلك تغير في النقد نفسه.
•المسألة الثانية:
تتعلق بتغيير معدل الخصم و بالتالي معدلات الفائدة و ماله من أثر على الاتفاق الاستثماري على المدى الطويل.
** منقول للإفادة**