الأستاذ: سالم برقوق
ماستر دراسات إقليمية مقياس: السياسة المقارنة
الهندسة الدستورية والقانونية
أولاً: الهندسة الدستورية
و التي تقتضي بالأساس إدراج غير انتقائي لحقوق الإنسان و المواطن في هذا
النص المرجعي مع وضع الضمانات الكفيلة بحمايتها و ترتيبها بشكل يحقق
التمكين الدستوري و الانتفاع المضامني للإنسان دونما تجزئة أو إنتقاء أو
استثناء فالدستور هو المرجع و الضابط لكل العمليات السياسية و القانونية .
باعتبار أن الدستور هو أسمى قانون في الدولة, يحدد القواعد الأساسية التي
تبين شكل الدولة ونظام حكمها ,فإنه يعتبر أداة حاسمة لتكريس الهندسة
الديمقراطية.
فالدستورية constitutionality في المقام الأول تعني وجود مجموعة من
الإجراءات والقواعد الحاكمة , والتي ينبغي الالتزام بها من قبل أطراف
العملية السياسية, خصوصا عند ممارسة نشاط سياسي كالانتخابات , ويخضع لها
سلوك هؤلاء الذين فازوا بالانتخابات ,كما تخضع لها الأنشطة الشرعية لمختلف
المعارضة والمخالفين في الرأي.
هذه القواعد والإجراءات تأخذ عادة ,شكل دستور مكتوب ,وبما أن الديمقراطية
تستند عادة إلى طبقة وسطى عريضة ,فإن هناك من يؤكد حماية هذه الطبقة
للدستورية وبالتالي ضمان وتكريس آليات الهندسة الديمقراطية دستوريا.
إن الدستور الديمقراطي يفرض سيادة حكم القانون ,هذا الأخير يعني مرجعية
القانون وسيادته على الجميع من دون استثناء انطلاقا من حقوق الإنسان بشكل
أساسي. وهو الإطار الذي ينظم العلاقات بين المواطنين من جهة وبينهم وبين
الدولة من جهة ثانية.كما انه ينظم العلاقات بين مؤسسات الدولة و ويحترم فصل
بين السلطات واستقلالية القضاء.وبالنظر للقواعد الحقوقية التي يتضمنها
الدستور الديمقراطي فإنها تضمن العدالة والمساواة بين المواطنين.وهو ما
يتطلب وضوح القوانين وانسجامها في التطبيق.
فأي إصلاح سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ديني... إلخ, يتطلب إحداث إصلاح للهيكل الدستوري, والعلاقة بين السلطات الثلاث.
و لما سبق يبدو جليا أن إرساء الهندسة الديمقراطية يرتبط أساسا بإحداث
تعديل في الهيكل الدستوري, حيث تقوم الهندسة الدستورية على إعادة النظر
في توزيع هيكل القوة الدستورية والسياسية.
2-الهندسة القانونية:
و تعني بناء هيكلة قانونية محققة لمبدأ التساوي في الفرص بين المواطنين
مهما اختلفت أعرافهم ، ثقافتهم ، لغتهم ، جنسهم أو دينهم . فبناء مجموعة
قوانين عضوية لضمان الحسبة و المحاسبة هي أحد الشروط و الضمانات الأساسية
في منطق الهندسة السياسية.
إن إرساء آليات الهندسة الديمقراطية يقتضي تجسيد تشريعات على مستوى الدستور
تتعلق بسير المؤسسات السياسية :الأحزاب السياسية،وكذا فسح مجال أكبر لنشاط
مؤسسات المجتمع المدني، وذلك من خلال القيام بإصلاحات قانونية تضمن السير
الحسن لمختلف مؤسسات النظام السياسي وجعلها في خدمة المصلحة العامة.
وتتم الهندسة القانونية على عدة مستويات وهي :
نظام الأحزاب السياسية:
فتحتاج الأحزاب السياسية باعتبارها مؤسسات حيوية للديمقراطية المعاصرة إلى
التقوية،وذلك لتتولى مسؤوليتها في تمثيل المصالح العامة وفي توفير القيادة
السياسية وفي ضمان محاسبة الحكومات ومساءلتها وكذلك لتعزيز الديمقراطية.
فالأحزاب السياسية يمكنها أن تخلق استمرارا وشمولا بتوفيرها الروابط بين الحكومة والمواطن.
وبالتالي فالهندسة الديمقراطية تقتضي تكييف قانون الأحزاب السياسية بما
يتوافق مع الممارسة الديمقراطية الحديثة ،وهو ما يطرح مسألة طبيعة النظام
السياسي وموقع النخب السياسية فيه،وكذا على واجبات الأحزاب ومسؤوليتها
إن تفعيل عمل الأحزاب السياسية يقتضي إيجاد قانون أساسي للمعارضة ،وذلك من
خلا مجموعة من القواعد الأساسية التي تنظم آليات اللعبة السياسية بين
الأغلبية والأقلية المعارضة وفق منطق يضمن الإجماع بين الأقلية الحاكمة
والأغلبية المعارضة، ويعتبر هذا القانون شرطا أساسيا لتحقيق التداول
السياسي في إطار يضمن الاستمرارية .
نظام مؤسسات المجتمع المدني:
على غرار الأحزاب السياسية فإن التأسيس للهندسة الديمقراطية يقتضي
إعطاء مزيد من الإهتمام لدور مؤسسات المجتمع المدني،ويتم ذلك من خلال تبني
الدولة لإستراتيجية تنظم من خلالها عمليات تجميع المصالح والتعبير عنها
داخل المجتمع.
فوجود مجتمع مدني يفترض إرساء دعائم تنظيمات رسمية تمثل مصالح المواطنين في
ظل علاقة إحترام متبادلة من كل من الدولة والمجتمع يتم من خلالها إحترام
الخلافات الفكرية مع وجود حدود لسلطة الدولة.
دور المجموعات الإصلاحية المحلية:
إن عملية الإصلاح القانوني تقتضي إعطاء دور للمجموعات الإصلاحية المحلية من
خلال إرساء ترسانة قانونية تهدف لإيجاد تحالفات وطنية في مابين هذه
المجموعات مما يمكنها من تقديم مشروعات ملموسة للتعديلات القانونية مع
أجندات إصلاحية تفصيلية تعكس الأولويات والإطار الزمني.
وكذا من خلا إيجاد تشريعات تهدف لبناء القدرات والتحالفات الرامية إلى دعم الشبكات والمنتديات الإقليمية والوطنية.