الحمد لله الذي هدى عباده المؤمنين ووفقهم لطاعته وحبب إليهم الإيمان وزينهم بزينة التقوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فحسبنا مثلاً على الإيمان الصادق والتحول الإيماني الفريد رجل وامرأة عرف أمرهما في الجاهلية وعرف أمرهما في الإسلام؟! الرجل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي نعرف عنه ونقرأ ما بلغ في الجاهلية قبل إسلامه وحين انتقل من الجاهلية إلى الإسلام وتحرر عقله حتى بلغ به الأمر إلى أن قطع شجرة الرضوان التي بايع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحتها خشية أن يطول الزمن بالناس فيقدسوها. ويقف أمام الحجر الأسود بالكعبة فيقول: أيها الحجر إني أقبلك وأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولو لا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. عمر رضي الله عنه يبلغ من سمو عاطفته ورقة قلبه وخشيته لله ما ملأ صفحات التاريخ بآيات الرحمة الشاملة للمسلم وغير المسلم وليس وحده بل حتى الحيوان _ حتى قال رضي الله عنه _ والله لو عثرت بغلة بشط الفرات لرأيتني مسؤولاً عنها أمام الله … لِمَ لمْ أسوِّ لها الطريق؟. هذا هو الرجل رضي الله عنه. أما المرأة فهي الخنساء … التي فقدت في الجاهلية أخاها لأبيها (صخراً ) فملأت الآفاق عليه بكاءً وعويلاً وشعراً حزيناً، ومن شعرها قولها: يذكرني طلوع الشمس صخراً وأذكره بكل غروب شمس ولو لا كثرة الباكين حــولي على إخوانهم لقتلت نفسـي ولكننا بعد إسلامها نراها امرأة أخرى … نراها أُماً تقدم فلذات كبدها إلى الميدان، أي ميدان الموت راضية مطمئنة بل محرضة دافعة لهم، روى المؤرخون أنها شهدت حرب القادسية بين المسلمين والفرس تحت راية القائد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان معها بنوها الأربعة. فجلست إليهم في ليلة من الليالي الحاسمة، تعظهم وتحثهم على القتال والثبات وكان من قولها لهم: أي بنيّ، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة ما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجّنت حسبكم، ولا غيّرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية. والله تعالى يقول: يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]. فإذا أصبحتم غداً إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائكم مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغنم في دار الخلد…، فلما أصبحوا باشروا القتال بقلوب فتية، وأنوف حمية، إذا فتر أحدهم ذكّره إخوته وصية أمهم العجوز، فزأر كالليث وانطلق كالسهم، وظلوا كذلك حتى استشهدوا واحداً بعد واحد. وبلغ الأمَّ نَعْيُ الأربعة الأبطال في يوم واحد، فلم تلطم خداً ولم تشق جيباً، ولكنها استقبلت الخبر بإيمان الصابرين، وصبر المؤمنين وقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته. ما الذي تغير في عمر القديم وعمر الجديد؟. وما الذي تغير في الخنساء الحزينة الباكية النائحة إلى خنساء الصبر والفداء والتضحية؟ إنه الإيمان الصادق بالله عز وجل حيث تغيرا من حال إلى حال، وفي كل زمان ومكان نجد رجالاً ونساءً كانوا يعيشون في الشر والفساد فأراد الله لهم الهداية والتوفيق وعاشوا بقية حياتهم حياة إسلامية إيمانية غيرت تلك الحياة الأولى، وفي زمننا هذا نجد من التائبين العائدين إلى الله رجالاً ونساءً، والفرق واضح لدى الجميع بين حياتهم الأولى وما هم عليه الآن وذلك من فضل الله عليهم وهدايته للأخيار. فيا عباد الله علينا بالتوبة الصادقة النصوح لنتذوق حلاوة الإيمان وتتغير حالنا هذه إلى حال أفضل مما نحن عليه. |