فوائد علمية وآداب إسلامية
(3)
عبد الرحمن بن ندى العتيبي
الحمد لله، وبعد:
ذكرنا فيما سبق بعض الفوائد العلمية التي ذكرت أنها مدونة لدي من قبل وأنا
أجمعها في هذه المقالات نفع الله بها القارئ والكاتب، وهي فوائد في العلم
الشرعي والآداب والحكم ويتضمنها شيء من الشعر الجيد المفيد ونكمل ذكر
الفوائد:
5ـ من ترك شيئا لله عوضه الله ما هو
خير له منه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا أبدلك الله ما هو خير لك منه"
[رواه أحمد وصححه الألباني].
التعامل المادي البحت ممقوت وهو من
صفات ضعيف الإيمان وأهم شيء في حياة المسلم إرضاء ربه، ويجعل أعماله لله
فيحب في الله ويبغض في الله، ويعطي لله ويمنع لله، فمن يدع كسب الربا
المحرم سيعوضه الله بكسب حلال ويبارك له في ماله، ومن يترك الله مهنة لا
يرضاها الله سيعوضه الله بما هو خير له من ذلك، ومن يترك مرافقة أصدقاء سوء
لا يعملون بطاعة الله فسيعوضه الله ما هو خير له منهم ويهيئ له رفقة
صالحة، ويجعل في نفسه السرور ومن ترك شيئا لله فله الخير في الدنيا والآخرة
لأنه آثر طاعة الله ومرضاته على حظوظ نفسه فتنازل وترك شيئا لله، ونبي
الله يوسف عليه السلام له شأن في هذا المقام فقد ترك حظ نفسه من الشهوة
وآثر مرضاة الله فعوضه الله بما هو خير له مما ترك، فقد دعته امرأة العزيز
إلى فعل الفاحشة، وتهيأت له جميع المغريات لكنه ترك ذلك لله (قال معاذ الله) ولما حصل الإلحاح عليه والتهديد (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) وعصمه الله
وتحمل مشقة السجن وكل ذلك لله فعوضه الله بما هو خير له فأخرج من السجن
واتخذه الملك وزيرا في دولته ومكنه من التصرف في خزائن الدولة.
ما
حصل من المهاجرين رضوان الله عليهم عندما تركوا ديارهم لله فقد عوضهم الله
وفتح لهم البلاد ومكنهم من كنوز كسرى وفارس وفي هذا الحديث الحث على الصدق
لقوله (لله عز وجل) فلا يكون الدافع مراءاة
الناس أو طلب شهرة أو على عوض مادي يقبضه، وإنما تركه (لله)
وفي الحديث الندب إلى ترك المخاصمة لأجل الأمور الدنيوية والمرونة ولين
الجانب خاصة مع الأرحام، لأن هناك من لا يترك شيئا ولو أدى ذلك إلى قطيعة
الرحم والعداوة فما أجمل الأحاديث النبوية وما أعظم فائدتها وحسن توجيهها
لحياة الناس.
6ـ شعر في بعث الهمة
للمعالي
قال علي بن المقرب العيوني (572ـ 630هـ)
يشيعني قلب إلى العز تائق
ونفس إلى العلياء شديد نزوعها
وما
أنا يوما في السراء فروحها
وما أنا يوما في الضراء جزوعها
سأنزلها
الملحود أو رأس هضبة
من العز يعيي كل راقي طلوعها
ومن كان
له طموح فيوشك أن يدرك شيئا من طموحه إذا سعى إلى ذلك بجد واجتهاد، وليكن
هذا الطموح فيما هو مشرف وما يقرب إلى الله وينفع الأمة الإسلامية.
وقال
آخر:
وكن صارماً كالوقت فالمقت في عسى
وإياك
علا فهي أخطر علة
وقالوا في الصبر:
أخلق بذي الصبر أن ينال حاجته
ومدمن القرع للأبواب أن
يلجا
والصبر عون للمؤمن ويأتي بعده الفرج من الله فالشدة
يأتي بعدها الفرج والمحمود هو الصابر.
الصبر مر
كاسمه
لكن عواقبه أحلى من العسل
(الصِّبر بالكسر مر
المذاق ويشبه كلمة الصَبر كتابة ويختلف عنها في التشكيل والمعنى، وبينهما
تشابه في المرارة وكره النفس لهما).
7ـ
قصة الحكيم والشاب
أراد شاب أن يستفيد من وقته ويطور نفسه
وينمي ذاته فقال دلوني على شخص يعطي الحكمة، آخذ منه حكمة تغنيني فارشدوه
إلى حكيم في بلاد الهند، وبعد سفر طويل ومشقة وصل إلى بلدة الحكيم، وقف
بباب بيت الحكيم ثم طرق الباب، فتحت الباب عجوز وأذنت له بالدخول وجلس
ينتظر الحكيم، تأخر الحكيم والشاب جالس لوحده ينتظره في الغرفة تضجر الشاب
واستمر جالساً وبعد الانتظار الممل دخل الحكيم على الشاب وسلما سلاما جافا
ثم جلس ولم يعتذر عن التأخر وسكت ولم يتكلم، وأصاب الملل الشاب فسأل الحكيم
الشاب تشرب حليباً؟
قال: نعم، فذهب الحكيم وتأخر وبعد ساعة جاء ومعه
الحليب والأكواب ثم جلس وسكت وبعد مضي مدة من الوقت قال الحكيم: أصب؟
قال
الشاب: نعم، ثم صب ربع الكوب فنصفه حتى امتلأ الكوب وفاض عن الكوب وهو
مستمر يصب حتى صاح به الشاب يكفي،
فقال الحكيم: أنت استفدت فارجع إلى
بلدك
وقال له (فرغ كوبك)
أي تأتي وكوبك فارغ وجاهز للاستعمال ومثلها
فرغ عقلك من المفاهيم السابقة الخاطئة وفرغ عقلك من القناعات الخاطئة ولا
تضع فيه إلا شيئاً إيجابياً تستفيد منه، ومن أراد أخذ علم أو نيل شيء فلا
يقل أنا لا أستطيع ومن أراد الهداية واعتناق المذهب الحق فلا يجعل بينه
وبين ذلك حاجزاً وليطرح المعتقدات الباطلة ويفرغ عقله للحق ويمكن الاستفادة
من هذه الحكمة في أكثر من جانب.
8ـ
الفعل المضارع
علم النحو من علوم الآلة التي تساعد على فهم
الشريعة ويؤدي إلى تقويم لسان المتكلم عندما يتحدث فلا يقع في الخطأ خاصة
عندما يكون خطيبا للجمعة وغيرها، أو ممن يتحدثون في الندوات فإنه يحتاج إلى
أن يتعلم من العربية ما يقوَّم به لسانه ليسلم من اللحن، ويحسن بالمبتدئ
دراسة كتاب الآجرومية في النحو وهي من تأليف محمد الصنهاجي المعروف بابن
آجروم ومن تقسيم الفعل يتبين أنه ثلاثة أقسام وهو بحسب وقوع الحدث:
1ـ
الفعل الماضي وهو ما دل على حدث وقع في الزمان
الذي قبل زمان المتكلم نحو كتب، وخرج.
2ـ الفعل
المضارع وهو ما يدل على حدث وقع في زمن التكلم أو بعده نحو يكتب،
يخرجُ.
3ـ الفعل الأمر وهو ما دل على
حدث يطلب حصوله بعد زمان التكلم نحو اكتبـ اخرج.
والسؤال: لماذا سمي
المضارع بهذا الاسم؟
فالماضي واضح لأنه يدل على الماضي والأمر فيه طلب
وما يقع في الزمن الحاضر لماذا اختير له اسم مضارع؟
والجواب هو أن
معنى المضارعة هي المشابهة والفعل المضارع سمي بهذا الاسم لأنه يشبه الاسم
في أنه معرب فمن حالاته الرفع والنصب والجزم ويتغير حاله بحسب العامل
الداخل عليه بخلاف الماضي فهو مبني وكذلك فعل الأمر مبني.